عام رحل وأفل واضمحل.. وعام أقبل وأطل وهل وحل... وتبادل الأحباب التهاني والتبريكات بأن يجعله الله عام خير وبركة ووأد للأحزان ودفن للمواجع، ولكن تأبى الأحزان إلا أن تتجدد، وتأبى المواجع إلاَّ أن تستعيد دورتها فإذا بنا نفجع برحيل الخال الغالي (إبراهيم بن عبيد بن عبدالمحسن) الشيخ العالم المؤرخ والفرضي والمعلم والمؤلف والإمام لعدد من مساجد بريدة لمدة تزيد على الستين عاما من بينها مسجد بناه -طيب الله ثراه. كانت ليلة شاتية، قارس بردها حينما زرته مع الأهل في منزله نقدم له تهاني عيد الفطر السعيد، كانت الضيافة كريمة والذي هو عنوان لها وكانت المجامر في المواقد تتقد محيلة ذلك الجو الشتائي مع أبخرة الشاهي بأنواعه والقهوة العربية والتمور إلى جو حميم ماتع مع تجمع عائلي رائع.. أقبل محيياً رحيماً وهالني منظره، كان بالكاد يمشي وقد أعيته سنوات العمر الحافلة بالكفاح ولكن بقايا من هيبته بطوله الفارع لاتزال آثارها بادية على ذاك الجسد الناحل، وكان أشد ما يجذب المرء له حين الجلوس معه أو الاستماع اليه، واشتهرت عنه تلك اللغة الفصحى التي يتحدث بها ويتخاطب فنادراً ما تبدو الكلمات العامية في حديثه. تحدث معي عن أشعار والدي -رحم الله الاثنين رحمة واسعة- فنفرت من عيني الدموع حيث ثقل سمعه فبت أردد كلامي له حتى يسمعه.. الفترة القصيرة التي جلسها معنا أخذت من جهده ما أعيا جسده الواهي فبات يرتعش مما أسلمه إلى ان يغادر المكان إلى حيث راحته ملزماً إيانا بكرمه المعهود عنه ان نتناول طعام العشاء.. قمنا مودعين له وما كنا لنعلم انه بعد ثلاثة اشهر سيكون الوداع الأخير. نظرت إليه -رحمه الله- وهو يتوارى، يكاد يتعثر في مشيه ونظرت إلى الجمرات المشتعلة وقد خبا أوارها وانطفأ ذلك البريق الأحمر المتقد ورفعت ناظري إلى السماء فرأيت القمر وقد توارى خلف الغيوم ورددت في نفسي (كل شيء إلى زوال) فسبحان الإله الباقي.. تهاوت تلك القامة المهيبة في معاناة مع المرض وانقبض ذلك اللسان الذي اعتاد اللغة الفصحى في التخاطب ورحل الخال الشيخ (إبراهيم)عن هذه الفانية إلى الدار الباقية، رحل جسداً وبقيت ذكراه في قلوب محبيه وفي فكر عارفيه بقيت (عقود اللؤلؤ والمرجان) وبقيت التذكرة وبقيت السحاب المركوم وبقيت رياض الأنوار الزاهرة وتحذير الأنام عن ارتكاب الآثام رحم الله موتانا وأسكن الفقيد فسيح جناته.. حكم المنية في البرية جار ما هذه الدنيا بدار قرار كتب قصيدة رثائية في صهره الشيخ الحبر عبدالله محمد العامر -رحمه الله- فكان التجاوب من الوالد الشيخ محمد بن عبدالعزيز الهليل في ديوانه زاهي الازهار في مليح الاشعار ص59. ثم رثى -رحمه الله- الشيخ محمد بن عبد العزيز الهليل في ديوانه زاهي الازهار في مليح الاشعار ص67. رحمك الله يا جدي الشيخ عبدالله محمد العامر ورحمك الله يا والدي الشيخ محمد بن عبدالعزيز الهليل ورحمك الله يا خالي الشيخ إبراهيم بن عبيد آل عبدالمحسن ورحم الله موتى المسلمين. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }