كُثرٌ هي الأزمات في عالمنا المعاصر.. أزمة السلام العالمي وأزمة الفقر الدولي.. وأزمات بيئية واجتماعية وسياسية متفرقة تحدث عنها كُتّاب ومحللون كثر.. أما أنا فثمة أزمة من نوع آخر أحببت الحديث عنها، ألا وهي أزمة الأخلاق في مجتمعنا آباء وأبناء، تلك الأزمة المحدقة بنا أيما إحداق، والناجمة عن أزمة التربية فأقول وبالله التوفيق: إن كثيراً من أفراد مجتمعنا اليوم قد انسلخوا أو يكادون، من قيمنا الإيجابية، ومبادئنا السامية، ومقدراتنا الأخلاقية، فتفشى بين كثير من الرجال والنساء على حد سواء التعامل بمبادئ النفاق والشقاق، والحقد والحسد، وعدم احترام الغير، وظهرت فئة من الناس يحسنون التعامل بمبدأ ذي الوجهين.. الذي تجد فيه صاحبك ضاحك الوجه مستبشراً معك، وينقلب إلى عدوك بوجهه الآخر ساباً ومفشياً سرك، ومؤلباً صدور الآخرين عليك. كما تفشت أيضاً ظاهرة عدم احترام الآخر، لم يعد هنالك تقدير واحترام للكبير، أو العالم، أو المعلم، أو المسؤول أياً كان منصبه، بل ظهر مبدأ الأنانية، وحب الذات، فإن أَحبَك أحدهم فهو لمصلحة يرجوها منك، وإن اختلفت معه أو نصحت له، فستسمع منه صوتاً هائجاً، ولساناً ساخطاً، لايقدر لك عمراً، ولاعلماً، ولا منصباً ولامعروفا، ناهيك عن بعض أصحاب القلوب السوداوية التي استفحل فيها داء حسد الآخر، والحقد عليه جراء نعمة من الله بها عليه، فتراهم يغرسونه بأنياب الضغينة ويتمنون زوال نعمته.. إنني أتساءل، ويتساءل معي الكثيرون: هل هذه مبادئنا واخلاقنا وشيمنا العربية والإسلامية الأصيلة؟.. وأي أخلاق ورثها الشباب اليوم، وسترثها الأجيال القادمة، يا حسرة على الشباب لقد اندثرت لديهم قيم السخاء والوفاء، وأتوا بالكبر والخيلاء وقتلت روح الايثار فيما بينهم بروح الأنا والنرجسية، واضمحلت المروءة والشهامة والنخوة، - إلا ما رحم ربك- ونسي شبابنا أو يكادون حقوق الآخرين عليهم، فهذا طاعن في السن، وذلك قريب ذو رحم، وهذا جار بيتهم، حتى بلغ بهم الأمر إلى نسيان حقوق والديهم، وظهر جيل مترف، إتكالي، لايقدر حقوقا، ولايتحمل مسؤولية.. فإلى من أعزو السبب؟، ومن المسبب لأزمة الأخلاق هذه ؟ ومن أحمله مسؤولية ما حدث لشبابنا؟. - هل هو الفراغ الروحي الناجم من تأثر العولمة العائمة، بما تحمله من تيارات صاخبة وثقافات مختلطة يكثر فيها الطالح وينزر فيها الصالح، فهوى نشؤنا في مزالق الشيطان، وكانت هي المعول الأول لهدم قيمنا. - أم هو تراجع دور الوالدين وتخليهما عن واجب التربية، فأصيب الأبناء بما يسمى هشاشة التربية. - أم هو انحسار دور المدرسة التربوي، فلم يهم المدرسون حتى الآن أنهم المربون الأوائل ومن عليهم المعتمد بعد الله في توجيه وتربية طلابهم. - أم أن كلاً أدلى دلوه، فنشأت الأزمة؟ وما طوق النجاة منها؟ إنني أحمل كامل المسؤولية الآباء والمربين، وأدعوهم إلى أن يعوا جميعهم واجبهم، وأن يستشعروا المسؤولية تجاه تهذيب أبنائهم، وأن يجعلوا من أنفسهم القدوة الحسنة لأبنائهم، فإذا لم نحسن -نحن معشر الآباء- البر بآبائنا وأمام انظار أبنائنا، فأي جيل نأمل منه البر بنا والدعاء لنا؟! وكيف سينشأ جيل يحسن إكرام الضيف، إذا لم نحسن نحن استقبال ضيوفنا؟ وكيف سنخرج جيلا ذا مروءة ونخوة وهم يرون آباءهم لايوفون بوعد، ولايعودون مريضاً، ولايصلون قريباً، ولايزورون جاراً ولاحبيباً إلا من يرجون وراءه مصلحة شخصية. ثم بعد ذلك يأتي دور التعويد والتربية، عودوا أبناءكم قبل كل شيء على الصلاة في أوقاتها فهي الناهية عن كل فحشاء ومنكر. ثم علموهم منذ نعومة أظفارهم حسن الحديث والتأدب مع الآخرين وعلموهم كيف يحافظون على حقوقهم داخل أطر الأدب والدين، وعلموهم كلمات الترحيب الندية بالضيوف، وأصول الضيافة، وعودوا أبناءكم على بركم وطاعتكم، ومروهم بصلة أرحامهم، وعلموهم حقيقة الاحسان للآخرين على مرتكزات إيمانية لاتتعلق بالمصالح الشخصية، واجعلوا لأبنائكم ثوابت تربوية أسرية وعلموهم احترامها، فحددوا لهم ساعات الخروج والدخول إلى المنزل ونظام التعامل بين أفراد الأسرة، وعودوهم التحمل، وكونوا وسطاً فلا تقتروا عليهم أموالكم، ولاتجعلوهم في ترف من العيش يطغيهم، ثم لايقدرون للمادة قيمة، ألم يُقر علماء التربية بأنه: - إذا عاش الطفل في جو من التحمل يتعلم الصبر. - وإذا عاش الطفل في جو من المشاركة يتعلم الكرم. - وإذا عاش الطفل في جو من الغيرة يتعلم الحسد. وأنا بدوري أقول إنه: - إذا عاش الطفل في جو من التواصل تعلم صلة الرحم. - وإذا عاش الطفل في جو من الانتماء تعلم التسامح وحب الآخرين. - وإذا عاش الطفل في جو من تقدير القيم الصالحة تعلم المروءة. وهذا طوق النجاة.. ما أمكنت النجاة. إضاءة وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه