جاء الإسلام ليخلص البشرية من أدران الجاهلية وأمراضها، ويقوم السلوك الإنساني ضد أي اعوجاج أو انحراف عن الفطرة السوية، ويقدم العلاج الشافي لأمراض الإنسان في كل العصور القديم منها والحديث، مما حملته العصور الحديثة بتقنياتها ومستجداتها، وهو علاج تقبله كل نفس سوية، ولا ترفضه إلا نفوس معاندة مكابرة، جاهلة، أضلها هوى، أو متعة زائلة. وقد استوعبت الشريعة الغراء كل ما قد يقترفه الإنسان من ذنوب، أو محرمات في كل عصر، سواء كانت أقوالاً أو أفعالاً، أو حتى ما يعتمل في الصدور من مشاعر وانفعالات، وأبانت أسباب تحريمها جُملة وتفصيلاً في القرآن الكريم والسنة المطهرة، إلا ان الكثيرين مازالوا يسقطون في دائرة المحرمات هذه، إما جهلاً، أو استكباراً، أو استصغاراً لها، أو بحثاً عن منفعة دنيوية رخيصة واستجابة لشهوة لحظية، بل إن بعض هؤلاء يحاولون الالتفاف على حكم الإسلام الرافض لهذه السلوكيات، بدعاوى وأقاويل هشة لا تصمد أمام وضوح وإعجاز الإسلام في رفضه لهذه الموبقات التي تضر ليس مرتكبها فحسب، بل تهدد المجتمع بأسره. و«الجزيرة».. تفتح ملف هذه السلوكيات المرفوضة، تذكرةً وعبرةً ووقايةً للمجتمع من أخطار هذه السلوكيات، وتحذيراً لمن يرتكبها من سوء العاقبة في الدنيا والآخرة، من خلال رؤى وآراء يقدمها أصحاب الفضيلة العلماء والقضاة والدعاة وأهل الرأي والفكر من المختصين كل في مجاله.. آملين ان تكون بداية للإقلاع عن مثل هذه السلوكيات التي حرمها الله، قبل ان تصل بصاحبها إلى الندم وسوء الخاتمة.. ولله الأمر من قبل ومن بعد. سلمان في الحلقة الماضية عرفنا أن النميمة خطر يهدد البنيان الاجتماعي من خلال إفساد العلاقات بين افراد المجتمع.. وفي هذه (الحلقة) نتوقف عند النميمة كظاهرة تفشى خبثها في مجتمعاتنا.. ونتساءل.. لماذا؟ وهل هي ثمرة مرة لعدم مسك اللسان عن آفاته التي تبدأ بالكلام وتنتهي بالغيبة والنميمة؟ أم أنها وسيلة لكسب عرض زائل او صداقة زائفة؟ أم مجرد مادة لقتل الوقت والمسامرة دون التفات لما فيها من إثم؟ ***** في البداية يوضح معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد رئيس مجلس الشورى رؤيته حول النميمة بقوله: بأنها صورة من الصور المرفوضة، والسلوكيات المشينة التي وقف منها ديننا موقفاً حازماً حاسماً، وهي صورة يمثل فشوها في المجتمع مظهراً من مظاهر الخلل وقلة الورع وضعف الديانة, تشوش على حفظ الحرمات وسلامة القلوب وصيانة الأعراض وتحري الحقائق، وهي كبيرة من كبائر الذنوب وموبقة من موبقات الآثام، وحالقة من حالقات الدين، يشترك في ذلك فاعلها والراضي بسماعها: إنها الغيبة، إنها ذكر العيب بظهر الغيب، وذكرك أخاك بما يكره سواء أكان فيه ما تقول أم لم يكن، والغيبة ذات أسماء ثلاثة في كتاب الله عز وجل، هي: الغيبة، والإفك، والبهتان، فأما إذا كان في أخيك ما تقول فهي الغيبة، وإذا قلت فيه ما بلغك عنه فهو الإفك، وإذا قلت فيه ما ليس فيه فهو البهتان، هكذا بين أهل العلم رحمهم الله. ويضيف معالي الشيخ بن حميد: والغيبة تشمل كل ما يفهم منه مقصود الذم، سواء كان بالكلام أو بالغمز أو بالكتابة، وإن القلم لاحد اللسانين، والغيبة تكون في انتقاص الرجل في دينه وخُلُقه وخَلقه وحسبه ونسبه، ومن عاب صنعة فإنما عاب صانعها، وهذا هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ينادي هؤلاء المبتلين بهذا الداء المهلك:( يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإن من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته)، والحسن رحمه الله يقول:( والله للغيبة أسرع في دين الرجل من الآكلة في الجسد). ولا نعرف كيف لمن ينتسب لاهل الحق والإيمان أن يركب مركب الغيبة، وقد علم أن المبتلى بها ذو قلب متقلب، وفؤاد مظلم، انطوى على بغض الخلق وكراهة الخير، لا يعنيه نفع نفسه بقدر ما يعنيه ضرر غيره، راحته وهواه أن يرى النعم عن أخيه زائلة والمحنة فيه واقعة، يسره أن يرى الخير عن أخيه ممنوعاً والمصائب به نازلة، هذا المبتلى، غيظه وغمه أن يصيبك خير، أو يحالفك توفيق، أو يتيسر لك أمر، او يرتفع لك ذكر، يزداد حنقه حينما يساق إليك رزق أو يجري على يديك نفع، قلب مؤتفك مريض يحسد في السراء ويشمت في الضراء، على الهم مقيم وللحقد ملازم، تسوءه المسرة وتسره المساءة، غل وحقد وضغينة، أسماء مترادفة في عداوة متمكنة يمتلىء بها صدر صاحبها ويتربص بها الفرص لينفث سمومه ويرمي سهامه، فهل من شأن المؤمن أن ينطوي على كل هذه الضغينة لأخيه، وكأنه يأنس بخذلانه ووصول النقمة إليه، ولا تخطر له أخوة الإيمان ببال؟ صفيق الوجه ويصف الشيخ بن حميد ذا الغيبة بأنه زلق اللسان، صفيق الوجه لا يحجزه عن الاغتياب إيمان، ولا تحفظه للمكارم مروءة، إذا وجد متنفساً أشبع طبيعته الترفة الجهول، ينطلق على وجه في المجالس لا ينتهي له حديث ولا يتوقف له كلام، يسكب من لفظه ما تشمئز منه آذان أهل الإيمان، وأفئدة أهل التقى، قد أوتي بسطة في اللسان تغريه بالتطاول على الحاكم والعالم والوجيه وذي المنزلة، بل على السفيه والجاهل، وعلى كل طبقة وفي كل ناد، الكلام عنده شهوة عارمة إذا سلطه على شؤون الناس اساء الصورة، وإذا تكلم في حقائق الدين والعلم شوه الحق وأضاع الهيبة، لثرثرته ضجيج يذهب معه الرشد، يتصدر المجالس ويتناثر منه الكلام حتى يجزم العاقل بأنه لا يتحدث عن وعي يقظ، ولا فكر عميق، وكأن عنده انفصالاً رهيباً بين لسانه وبين عقله وإيمانه، يلوك لسانه كما تلوك البقرة، يخوض في الدين، والسياسة، والعلم، والأدب، فيفسد الدين والسياسة والعلم والأدب، ولعل السبب في الانهيار العلمي والتحزب المذهبي والانقسام الطائفي، في حقائق الدين وشؤون الحياة هو هذا المسلك المذموم في توظيف اللسان جدلاً ومراء وغيبة وبهتاناً وإفكاً مبيناً. والنمام تجده في المجالس يقطع وقته في تسقط الأخبار وتتبع العيوب وتلمس الزلات، ليس له لذة ولا مسلاة إلا في أحوال الناس، همزة لمزة، مشاء بنميم، ويل له ثم ويل له، يتكلم بالكلمة يزل بها في النار، أبعد ما بين المشرق والمغرب، وأقبح ما يقع في هذه وأمثاله، غيبة ولاة الأمور وأهل العلم والفضل والدعوة، ورجال الحسبة وأهل الإصلاح والذين يأمرون بالقسط من الناس، فيقع المغتابون في أعراض ذوي الوجاهة والمنزلة، ورجال الخاصة والعامة، يحطون من أقدارهم ويجترئون على مقامهم وينزعون مهابتهم ويدفعون الثقة بهم، يطعنون في أعمالهم وجهودهم ويشككون في قدراتهم وكفاءتهم، فلا يذكر عظيم إلا انتقصوه، ولا يظهر كريم إلا شتموه، ولا يبرز عالم إلا اتهموه، ولا يتميز صالح إلا مقتوه، يمشون بالكذب والتدليس، والمغالطة والتشويش، يتهمون الثقات، ويقعون في الصالحين، يبعثون الفتن ويزرعون الإحن، ويبلبلون على العامة، يقطعون الصلات ويفرقون الجماعات غربان بين، ونذر شؤم، حمالو الحطب، ومشعلو اللهب، يزرعون الاتهامات ويتتبعون المعايب، العين غمازة، واللسان همازة، والكلمات لمازة، مجالسهم شر، وصحبتهم ضر، وفعلهم عدوان، وحديثهم بذاء. ويتساءل معالي الشيخ صالح بن حميد،هل من شأن المؤمن أن يحتفظ بكل هذا الضغن لأخيه؟.. فكل بشر يحب ويكره ويرضى ويغضب ويوالي ويعادي، ولكن العاقل لا يوالي احداً بالجملة ولا يعادي أحداً بالكلية، ولكنه يحب منه شيئاً ويكره شيئا، ويرضى منه خلقاً ويسخط منه آخر، يحبذ منه فعلا وينقم منه آخر، والعاقل من يحب حبيبه هوناً ما فعسى أن يكون بغيضه يوماً ما، ويبغض بغيضه هوناً ما فعسى أن يكون حبيبه يوماً ما. والعقل والإيمان يملي على المسلم فيمن يحب الا يقلب عيوبه محاسن وكأنه لا يرى فيه الا خيراً خالصاً، ومن لا يحب فلا يقلب محاسنه عيوباً، وكأنك لا يرى فيه إلا شراً محضاً {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى }. أهل العلم والصلاح!! وأشد ما يكون القبح والجرم ويتعاظم الذنب والذم، حينما تصدر الغيبة ممن ينتسبون إلى العلم والصلاح، ويتزينون بسيما أهل الزهد والورع، فيجمعون في غيبتهم بين تزكية نفوسهم وذم غيرهم، وهاهو ذا الغزالي في إحيائه، وابن قدامة المقدسي في مختصر منهاجه، وابن حجر الهيثمي في زواجره، قالوا وهم يتكلمون عن هذا الصنف من الناس، قالوا رحمهم الله:( يذكر هؤلاء المتزهدين إنسان فيقولون الحمد لله الذي ما ابتلانا بقلة الحياء، والدخول في كذا وكذا، وليس قصده بدعائه إلا أن ينبه إلى عيب غيره، قالوا: وقد يزيد خبثه فيقدم المدح لمن يغتابه حتى يظهر تنصله من الغيبة، فيقول كان مجتهداً في العبادة والعلم والنزاهة والأمانة، ولكنه فتر وابتلي بما ابتلينا به كلنا، فيذكر نفسه ومقصوده ذم الغير، والتمدح بالانتساب إلى الصالحين في ذم نفوسهم، فيجمع بذلك بين ثلاث فواحش، الغيبة والرياء، وتزكية النفس، بل أربع لانه يظن بجهله أنه مع ذلك من الصالحين المتعففين عن الغيبة، ومن ذلك ما يقوله بعضهم ساءني ما وقع لصديقنا، من كذا وكذا، نسأل الله أن يثبته، وهو كاذب في ذلك، وما درى الجاهل أن الله مطلع على خبث ضميره، وأنه قد تعرض بذلك لمقت الله أعظم مما يتعرض الجهال إذا جاهروا). ويشير الدكتور بن حميد إلى قول بعض السلف:( أدركنا السلف الصالح، وهم لا يرون العبادة في الصوم والصلاة، ولكن في الكف عن أعراض الناس)، وقيل لبعض الصالحين: لقد وقع فيك فلان حتى أشفقنا عليك ورحمناك، فقال: عليه فأشفقوا وإياه فارحموا.. وقال رجل للحسن: بلغني أنك تغتابني فقال: لم يبلغ قدرك عندي، أن أحكمك في حسناتي. آفات اللسان سبع من جانبه يضيف معالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء: لقد كان خوف السلف الصالح من آفات اللسان عظيماً، وكان أبو بكر رضي الله عنه يمسك لسانه ويقول:( هذا الذي أوردني الموارد)، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يأخذ بلسانه وهو يقول:( ويحك قل خيراً تغنم، أو اسكت عن سوء تسلم، وإلا انك ستندم، فقيل له: يا ابن عباس! لم تقول هذا؟ قال: إنه بلغني أن الإنسان ليس على شيء من جسده أشد حنقاً او غيظاً منه على لسانه إلا من قال به خيراً، او املى به خيراًَ)،وكان ابن مسعود رضي الله عنه يحلف بالله الذي لا إله الا هو ما على الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان، وقال الحسن:( اللسان أمير البدن، فإذا جنى على الأعضاء شيئاً جنت، وإذا عف عفت).. ولا شك أن الإكثار من الكلام الذي لا حاجة إليه يوجب قساوة القلب، كما روى الترمذي من حديث ابن عمر مرفوعاً:( لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس عن الله القلب القاسي)، وقال عمر رضي الله عنه: ( من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به)، وقال محمد بن عجلان: ( إنما الكلام أربعة: أن تذكر الله،وتقرأ القرآن، وتسأل عن علم فتخبر به، أو تكلم فيما يعنيك من أمر دنياك)، فليس الكلام مأموراً به على الإطلاق ولا السكوت مأموراً به على الإطلاق، بل لابد من الكلام في الخير العاجل والآجل، والسكوت عن الشر الآجل والعاجل، واللسان ترجمان القلب، والمعبر عنه، وقد أمرنا باستقامة القلب واللسان، قال صلى الله عليه وسلم:( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه) رواه الإمام أحمد في مسنده، وروى الترمذي:( إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا). ويعدد معالي الشيخ الفوزان آفات اللسان، فيقول: هي كثيرة ومتنوعة، وأولها: الكلام فيما لا يعني، وفي الحديث الصحيح ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، وثانيها: الخوض في الباطل، وهو الكلام في المعاصي، والتحدث عنها بما يروجها بين الناس، ويشيع الفاحشة بينهم، ومن ذلك ما يقع في المجتمع من المخالفات التي يرتكبها بعض الأفراد، فإن التحدث عنها في المجالس يفرح الأشرار والمنافقين، ويشيع الفاحشة في المؤمنين وقد قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.. والواجب على من علم من أخيه زلة أن يستر عليه ويناصحه، أو يرفع أمره إلى ولي الأمر إذا اقتضت المصلحة ذلك، أما أن يتخذ من زلته موضوعاً يتحدث عنه المجالس فإن ذلك من أقبح الخصال، وذميم الفعال قال النبي صلى الله عليه وسلم:( لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم ولا تطلبوا عوراتهم، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته) رواه الإمام أحمد، وثالث هذه الآفات: التكلم بالفحش والسب والبذاءة والشتم، فإن بعض الناس يعتاد النطق بلعن الأشخاص والأماكن والدواب، فيكون النطق باللعنة أسهل الألفاظ عليه، وربما يواجه بها صديقه وصاحبه والعزيز عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:( لعن المسلم كقتله)، وبعض الناس حينما يكون بينه وبين اخيه المسلم منازعة او مشادة، فإنه يطلق لسان عليه بالسب والشتم والتعيير، ورميه بما ليس فيه من قبيح الخصال، ولا يدري هذا المسكين انه انما يجني على نفسه ويحملها اوزار ما يقول، والله تعالى قد أمر من وجه اليه شيء من الشتائم والسباب أن يدفع ذلك الكلام بالكلام الحسن قال تعالى {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } ، فإذا كان المعتدي عليه بالكلام السيء مأمورا بدفعه بكلام حسن ابتعاداً عن النطق بالفحش ولو قصاصاً، فكيف الذي يبدأ بالفحش ويتفوه بالإثم؟! ومن آفات السان ايضاً كثرة المزاح، فإن الإفراط في المزاح والمداومة عليه منهي عنهما، لانه يسقط الوقار، ويوجب الضغائن والأحقاد، أما المزاح اليسير النزيه فإنه لا بأس به، لأن فيه انبساطاً وطيب نفس، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً، كما أن الاستهزاء والسخرية بالناس، وتتبع عثراتهم، والبحث عن عوراتهم، والتندر بذلك، وانتقاصهم، والضحك منهم من الآفات التي قد يستصغرها البعض رغم أن الله توعد اصحابها بالويل، قال تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ}، يعني الذي يزدري الناس وينقصهم قيل: الهمز بالقول، واللمز بالفعل، توعده الله بالويل وهو كلمة عذاب، او واد في جهنم نعوذ بالله من ذلك. الغيبة والنميمة من كبائر الذنوب، والغيبة تعني: ذكرك أخاك حال غيبته بما كره، والنميمة: نقل الحديث بين الناس على وجه الإفساد، وقد شبه الله المغتاب بآكل الميتة، وفي الحديث: إياكم والغيبة فإن الغيبة أشد من الزنا، إن الرجل قد يزني ويتوب، ويتوب الله عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه،)، وأخبر النبي صلى الله عليه وعليم وسلم أن النمام يعذب في قبره، وأخبر أن النمام لا يدخل الجنة يوم القيامة، فقد روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( لا يدخل الجنة نمام), والنمام يفسد بين الناس، ويزرع في القلوب الأحقاد والاضغان، ويهدم البيوت، ويخرب الأوطان، وقد قال تعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ {10} هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ {11} مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ}. حصائد اللسان من جانبه يقول الشيخ رضوان بن عبدالكريم المشيقح رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ببريدة: أنعم الله تعالى علينا بنعمة اللسان، فإنه صغير جِرمه، عظيم طاعته وجُرمه، إذ لا يستبين الكفر والإيمان الا بشهادة اللسان، وما من موجود أو معدوم خالق او مخلوق إلا واللسان يتناوله ويتعرض له بإثبات او نفي، اما بحق أو باطل، وهذه الخاصية لا توجد في سائر الأعضاء، لأن اللسان رحب الميدان ليس له مرد، ولا لمجاله منتهى أوحد، ولا يكب الناس في النار على مناخرهم الا حصائد ألسنتهم، ولا ينجو من شر اللسان إلا من قيده بلجام الشرع، فلا يطلقه الا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة. وخطر اللسان عظيم، فهو آلة الشيطان في استغواء الإنسان، ولا نجاة من خطره الا بالاحتراز من آفاته وزلاته، وعن أبي سعيد قال: إذا أصبح ابن آدم اصبحت الأعضاء كلها تكفر اللسان، تقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك، فانك ان استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا، واطلع عمربن الخطاب، اطلع على ابي بكر وهو يمد لسانه فقال: ما تصنع يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إن هذا اوردني الموارد)، واللسان يعتبر سلاحا ذا حدين، فمن الممكن أن تستعمله في الطاعة، ومن الممكن أن تستعمله في العصيان، وغالب الناس في هذا الزمان اطلقوا ألسنتهم كيف شاءوا ومتى شاءوا،وفي اي حديث او كلام شاءوا،ويقول:ان اللسان خطره عظيم،وآفاته كثيرة،ولا نجاةمنه الا بالنطق بالخير،وفي حصائد اللسان هلاك اونجاة الانسان،وفي الحديث الشريف يقول صلى الله عليه وسلم:(وهل يكب الناس في النار على وجوههم او قال على مناخرهم الا حصائد السنتهم) ويضيف الشيخ المشيقح أن حصائد اللسان تعني الأقوال المحرمة، وهي أنواع كثيرة، منها ما يوصل والعياذ بالله إلى الكفر والخروج من الملة، ومنها دون ذلك، فالاستهزاء بالله وشرعه ودينه وكتابه ورسله وآياته وعباده الصالحين فيما فعلوا من عبادة ربهم كل هذا كفر بالله تعالى، ومخرج عن الإيمان، وما سبب ذلك إلا حصائد اللسان، ومن حصائد اللسان المحرمة الكذب والغيبة والنميمة والفحش والسب واللعن والقذف وغير ذلك من الخوض في الباطل والكلام في المعاصي. وللاسف فإن بعضا من المسلمين شاع بينهم الاتصاف بالأخلاق السيئة الذميمة لا يبالون بالكذب ولا يهتمون به، حتى ولم يحذروا من العقاب المذكور بقول النبي صلى الله عليه وسلم:( إن الكذب يهدي الى الفجور، وإن الفجور يهدي الى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)، وكذلك البعض من الناس، يظنون ظنوناً كاذبة فيشيعها في الناس من غير مبالاة بها، ولربما كانت تسيء إلى أحد المسلمين، وتشوه سمعته، وليس لها حقيقة. أوهام لا حقيقة فهؤلاء الذين ينقلون للناس ما يفكرون به من أوهام لا حقيقة لها، او ظنوناً لا اساس لها، ربما يكون في كلامهم إلقاء للعداوة والبغضاء بين المسلمين بعضهم البعض، فيتفكك المجتمع، وتتفرق الجماعة لامور وهمية، وظنون كاذبة، والسبب في ذلك كله هو زلة لسانك، وكثير من المسلمين - هداهم الله - ينقلون الكلام عن غيرهم بمجرد الإشاعات من الناس، وربما لو بحثت عن هذا النقل لوجدته كذباً لا اصل له ، او محرفاً او مزيداً أو منقوصاً، فالمؤمن العاقل هو الذي يتثبت في الأخبار ويتحرى في نقلها حتى لا ينقل إثماً ولا كذباً، ففي الحديث الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال:( إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها - أي ما يثبت منها ولا يتفكر ولا يعلم أهي خير أم شر صدق ام كذب، ما هي النتيجة والعياذ بالله؟ - يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب)، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:( كفى بالمرء إثماً - وفي رواية كذباً - أن يحدث بكل ما سمع). أما ما شاع بين المسلمين - ويا للأسف - من الغيبة والنميمة بعضهم لبعض، فحدث عن هذا ولا حرج، فلقد شاعت عند كثير من المسلمين، وتهاونوا بها مع أنها من كبائر الذنوب، وقد شبه الله من يغتاب الرجل بمن يأكل لحمه ميتاً، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال:( يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضح في بيته). ويقول الشيخ المشيقح: ما أكثر هؤلاء اليوم، ما أكثر من يتبعون عورات أخوانهم المسلمين، ويتطلبون زلاتهم، فإذا رأوا زلة من احد فرحوا بها، ونشروها في الآفاق، وإذا رأوا استقامة ومفخرة كتموها وحملوها على غير محملها، فهؤلاء هم الذين عناهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم) فإنكم عن ذلك مسؤولون وعليه محاسبون.