أثارت وفاة الشيخ عبدالله المانع -يرحمه الله- في نفسي ذكريات الحزن والأسى بالجوف، وألقت في مائها حجراً كبيراً، جدَّدت الأحزان على كل الأحبة الذين قضوا في ذلك الجزء العزيز من المملكة. فالفقيد -يرحمه الله- من رجالات الجوف الأوَّلين الذين عاصروا الأيام الصعبة في طفولتهم وشبابهم، ورغم أنهم عانوا الشيء الكثير من الفقر والحاجة والحرمان، لكنهم كانوا كرماء على ضيفهم، غيورين على أصالتهم ومروءتهم وحرمات الجار والجماعة والرفيق. لقد كان الأوَّلون بحاضرتي الجوف دومة الجندل (سابقاً) وسكاكا (حالياً) يتبارَوْن في التنافس على المثل وإكرام الضيف، ما حمل معالي الوالد الأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري أمير منطقة الجوف الأسبق -شافاه الله وعافاه- ليُطلق على كتابه التاريخي عن المنطقة اسم (الجوف: وادي النفاخ)؛ نسبة لكرم أهلها، وبشاشة مُحيَّاهم، وحسن استقبالهم للضيف. والجوفيون قدَّموا على مر العصور والأزمان صفحات ناصعة البياض في ميادين شتى تجسد أصالتهم، وتقدمهم للآخرين كنماذج مشرفة في مختلفة الجوانب الاجتماعية والإنسانية، وما تزال إلى يومنا هذا مجالسهم مفتوحة، ومواقدهم دافئة صيف شتاء، ودلالهم فوَّاحة بالهيل والزعفران، و(مشباتهم) تظل أبداً عنواناً لتلك الأصالة التي ورثها الآباء ويعتز بها الأبناء والأحفاد. والشيخ عبدالله المانع -يرحمه الله- كان أحد رجالات هذه المرحلة، وكان من المواظبين في حلقات الشيخ فيصل -يرحمه الله- فطبَّق ما تعلمه على يدي فضيلة الشيخ عملياً على أرض الواقع، ولم يُعرف عنه طيلة التسعين عاماً التي عاشها أنه قد اشتكى أحداً للإمارة، أو رفع دعوى ضد أي طرف رغم كثرة ما كان يتقدم للإمارة وما كان يعرض على القضاء من خصومات ومنازعات، فكان -يرحمه الله- التلميذ النجيب الذي طبَّق ما تعلَّم على يدي شيخه، وقرن القول بالعمل. إن وفاة الشيخ عبدالله المانع ذكَّرتْني بأصحاب أعزاء من أبناء المنطقة أو مَن هم في حكم أبنائها، هم الآن في دار الحق يرحمهم الله، ومنهم: الصديق العزيز الأمير تركي بن سعد السديري (أبوعبدالله) أمير دومة الجندل سابقاً، والشيخ فهد بن حسن البليهيد (أبوبدر) كبير جماعة العلي بالجوف، والأستاذ سعد بن عبدالله الكايد (أبوبشار)، والشيخ عبدالرحمن الشايع (أبوجميل)، والشيخ متعب العناد (أبونواف)، والصديق عبدالمصلح السلطان (أبورياض)، والشيخ ناصر الخضع (أبونايف)، وآخرون يرحمهم الله. إن ما يُفرح الجوف والجوفيين أمر يفرحني، ويكدرني ما يكدر خواطرهم، ويمضُّني ما يمضُّهم؛ فأنا جوفي بالولاء والأدب إن لم أكن كذلك بالحسب والنسب. ولا عجب؛ فقد يكون الإنسان مواطناً في غير وطنه، وغريباً بين أهله وفي وطنه. رحم الله الشيخ عبدالله المانع، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أبناءه الصبر والسلوان، مجدِّداً أحر التعازي القلبية لجميع أبنائه وبناته، وأخص منهم بالذكر الأخ العميد مانع (أبوعبدالعزيز)، ومعالي الدكتور حمد (أبوطارق)، والأخ زامل (أبوخالد)، والأخت الفاضلة (أم بدر). {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.