لقد كثر الكلام عن الفكر المنحرف، أسبابه، وعلاجه في الجرائد والمجلات ومساهمة مني في هذا الموضوع فإني أبين أسباب الفكر المنحرف وعلاجه حسب ما ظهر لي. فأقول: الانحراف الفكري موجود منذ ان خلق الله البشر ابتداء من قصة هابيل وقابيل ابناء آدم عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة قال تعالى: {واتًلٍ عّلّيًهٌمً نّبّأّ ابًنّيً آدّمّ بٌالًحّقٌَ إذً قّرَّبّا قٍرًبّانْا فّتٍقٍبٌَلّ مٌنً أّحّدٌهٌمّا ولّمً يٍتّقّبَّلً مٌنّ الآخّرٌ قّالّ لأّقًتٍلّنَّكّ} الآيات. وقال تعالى: {ولّوً شّاءّ رّبٍَكّ لّجّعّلّ پنَّاسّ أٍمَّةْ واحٌدّةْ ولا يّزّالٍونّ مٍخًتّلٌفٌينّ، إلاَّ مّن رَّحٌمّ رّبٍَكّ} قال ابن كثير - رحمه الله - لا يزال الخلف بين الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم وقوله: {إلاَّ مّن رَّحٌمّ رّبٍَكّ} أي إلا المرحومين من اتباع الرسل الذين تمسكوا بما أمروا به من الدين. أ. ه. وكلما بعد الناس عن العهد النبوي زادت الخلافات الاعتقادية وينتج عنها الخلافات العملية وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله (إن اليهود افترقت على احدى وسبعين فرقة، وإن النصارى افترقت على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة، قالوا: من هم يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي) رواه أحمد والحاكم. وليس الشأن في الكثرة وإنما الشأن في التزام الصواب وإن قل أهله قال تعالى: {وإن تٍطٌعً أّكًثّرّ مّن فٌي الأّرًضٌ يٍضٌلٍَوكّ عّن سّبٌيلٌ پلَّهٌ} ، وقال تعالى: {قٍل لاَّ يّسًتّوٌي الخّبٌيثٍ والطَّيٌَبٍ ولّوً أّّعًجّبّكّ كّثًرّةٍ الخّبٌيثٌ} . وكل شيء له سبب ومن ذلك هذا الفكر المنحرف بالتكفير والناتج عنه التفجير وانتهاك الدماء المعصومة وإتلاف الأموال وترويع الآمنين، وقد كتب في الجرائد ان سبب انتشار هذا الفكر قلة الأندية والإعلام الرياضي، ونادوا بإكثار الوسائل الترفيهية للشباب ظنا منهم أنها تصد هذه الأفكار الدخيلة. ولا شك أن هذا الظن في غير موضعه وذلك ان وسائل الترفيه من اندية وإعلام رياضي قد تعددت وانتشرت في كل المناطق والمدن ومع ذلك ما صدَّت ولن تصد هذا الفكر المنحرف. إذاً ما هي أسباب الفكر المنحرف وعلاجه؟ فأقول: إن الفكر المنحرف مرض عقدي كما قال تعالى في المنافقين: {فٌي قٍلٍوبٌهٌم مَّرّضِ} وهذا المرض له اسباب وله علاج قال الرسول صلَّى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله من داء إلا انزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله). فأول هذه الاسباب: ضعف الحصانة العقدية ضد هذه الأمراض الفكرية، وتحصل الحصانة بأمرين: 1 تحصين الشباب بالعقائد الصحيحة وهذا والحمد لله حاصل في مناهج التعليم لكنه لا يكفي ولا يغني فلابد أن تكثف الندوات والمحاضرات في جميع وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وفي المساجد والأندية والدوائر الحكومية وتعقد المسابقات في جميع القطاعات في المدارس والدوائر الحكومية وأن يوضع مراكز في الاحياء لتنويع الأنشطة النافعة، وأن يشجع طلبة العلم في حضور دروس العلماء المعروفين الموثوقين وأن يوضع لهم إسكان عند العلماء كما كان موجودا عند الشيخ محمد العثيمين - رحمه الله - ويصرف لهم جوائز ومكافآت وأن يعلن عنها في وسائل الإعلام، تكثيف الدعاة الى الله التابعين لوزارة الشؤون الاسلامية وتحسين رواتبهم حتى يتفرغوا للدعوة إلى الله، وأعرف إحدى المناطق وغيرها مثلها فيها سبع دعاة والمنطقة فيها أكثر من ثمانمائة مدرسة بنين وبنات وفيها أكثر من ألفي مسجد وفيها مئات الدوائر الحكومية فكيف يغطي أفراد معدودون على الأصابع هذا الكم الهائل؟ 2 الحصانة الثانية حماية هذه العقائد مما يضرها ويحرفها عن الجادة السليمة وهذه لا تقل عن الأولى اهمية بل إن التدمير اسرع من التعمير، وقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم قطعة من التوراة في يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فغضب عليه وقال امتهوكون يا بن الخطاب والله لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو كان اخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي، فالقاها عمر وقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم من سمع بالدجال فليبعد عنه فإنه يأتيه الرجل الحازم يقول لا يفتني فيفتنه، ولو نظرنا لمجتمعنا اليوم لوجدنا أفكار الشرق والغرب تنصب على رؤوس شبابنا من كل حدب وصوب عبر هذه الوسائل المنتشرة من فضائيات وإنترنت ومجلات وغيرها، فظهر الاختلاف في عقائدهم، والانحراف في أفكارهم نتج عنه انحراف افعالهم، فكيف يرجى له سلامة الاعتقاد وقد فتحنا له أفكار الشرق والغرب فلابد أن يتأثر بها. ويشتد خطر هذه الافكار المنحرفة إذا دخلت على قلوب غير محصنة بالعلم في الاعتقاد الصحيح بأدلته ومعرفة ما يضادها من العقائد المنحرفة والرد عليها فإنها تتمكن منها. ومن أضرار هذه الوسائل أنها قللت من شأن علماء هذه البلاد في نفوس كثير من الناس وشككوهم بعلمهم وتقواهم حتى اتهموا بالتحجر والتزمت وانهم علماء سلطة لا يفتون بالحق وإنما يفتون حسب الأهواء، وهذه من أعظم الشرور والفتن فالسلامة من الانحراف العقدي لابد ان يمنع اهل الحل والعقد هذه الشرور عن البلاد والعباد فإنها أمانة في اعناقهم. ثانيا: من اسباب الانحراف العقدي ظهور المعاصي والمجاهرة بها كالربا والميسر والأغاني والمغنيات ووسائل الغناء، وتبرج النساء واختلاطهن بالرجال وغير ذلك قال تعالى:{وإذّا أّرّدًنّا أّن نٍَهًلٌكّ قّرًيّةْ أّمّرًنّا مٍتًرّفٌيهّا فّفّسّقٍوا فٌيهّا فّحّقَّ عّلّيًهّا القّوًلٍ فّدّمَّرًنّاهّا تّدًمٌيرْا} وقال تعالى {ومّا أّصّابّكٍم مٌَن مٍَصٌيبّةُ فّبٌمّا كّسّبّتً أّيًدٌيكٍمً ويّعًفٍو عّن كّثٌيرُ} ، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (سيكون في آخر الزمان مسخ وخسف وقذف قالوا: متى يا رسول الله قال إذا ظهرت القينات والمعازف) والقينات هن النساء والمغنيات والمعازف ادوات الطرب، وما أكثر المغنيات وآلات الطرب في هذا الزمان، نسأل الله السلامة منها. قال ابن كثير: {أّوً يّلًبٌسّكٍمً شٌيّعْا} يعني يجعلكم متلبسين شيعا فرقا متخالفين وقوله {ويٍذٌيقّ بّعًضّكٍم بّأًسّ بّعًضُ } قال ابن عباس يعني يسلط بعضكم على بعض بالعذاب والقتل، والشاهد القريب لحال أهل هذه الجزيرة لما قل فيها العلم والصلاح والإصلاح كان فيها الخوف والجوع والقتل والنهب ولما قيض الله لها الشيخ محمد بن عبدالوهاب وناصره آل سعود عليهم رحمة الله حصل الأمن والاستقرار وهذا وعد من رب العالمين والله لا يخلف الميعاد قال تعالى: {وعّدّ پلَّهٍ پَّذٌينّ آمّنٍوا مٌنكٍمً وعّمٌلٍوا پصَّالٌحّاتٌ لّيّسًتّخًلٌفّنَّهٍمً فٌي الأّرًضٌ كّمّا اسًتّخًلّفّ پَّذٌينّ مٌن قّبًلٌهٌمً ولّيٍمّكٌَنّنَّ لّهٍمً دٌينّهٍمٍ پَّذٌي ارًتّضّى" لّهٍمً ولّيٍبّدٌَلّنَّهٍم مٌَنً بّعًدٌ خّوًفٌهٌمً أّمًنْا يّعًبٍدٍونّنٌي لا يٍشًرٌكٍونّ بٌي شّيًئْا} . وهذا وعد من الله بالاستخلاف في الأرض والتمكين وحصول الأمن بشرط الإيمان وعمل الصالحات وعبادته وعدم الإشراك به والأيمان هو اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، والأعمال لا تكون صالحة الا بالإخلاص ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، والعبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة وعدم الإشراك فإذا قام المسلمون بهذه الشروط حصل لهم الوعد، وهذا الوعد لا يمكن أن يتغير إلا إذا غير الناس حالهم من التوحيد إلى الشرك ومن الطاعة الى العصيان قال تعالى: {إنَّ پلَّهّ لا يٍغّيٌَرٍ مّا بٌقّوًمُ حّتَّى" يٍغّيٌَرٍوا مّا بٌأّنفٍسٌهٌمً } وقال تعالى: {ذّلٌكّ بٌأّنَّ پلَّهّ لّمً يّكٍ مٍغّيٌَرْا نٌَعًمّةْ أّنًعّمّهّا عّلّى" قّوًمُ حّتَّى" يٍغّيٌَرٍوا مّا بٌأّنفٍسٌهٌمً} . ثالثا: من أسباب الانحراف فراغ الشاب وعدم تهيؤ العمل له وصعوبة المعيشة مما يجعله يكره المجتمع ويحاول ان يضره بأي وسيلة، لأن النفوس مجبولة على حب من احسن اليها وكره من أساء لها، وقد عملت الدولة للشباب برامج لسد فراغهم وشغلهم لكنها قليلة ولا تكفي فالأعداد كثيرة ويمكن الاستغناء عن العمالة بفتح مجالات العمل للشباب واحسن ما رأيت ما حصل في سوق الخضار من منع العمالة من العمل فيها وقد وجدنا الشباب قد اتجهوا للعمل والاشتغال في طلب العيش، ولعل هذه الفكرة تسري على كل المهن التجارية لفتح الفرص للشباب وتشغلهم عن الحرام بالحلال، ومن الأعمال الطيبة التي قامت به الدولة لسد فراغ الشباب بما ينفعهم وضع صندوق الموارد البشرية، فالفكرة طيبة لكنها تحتاج الى تفعيل اكثر وتطوير وفتح مجال لأهل الاقتصاد لطرح ما عندهم من الحلول المناسبة لهذه الأزمة الكبيرة.