إن من نعم الله علينا التي لا تعد ولا تحصى ما عشناه في الأيام الماضية من نعمة إنزال الغيث التي امتن الله بها على عباده كما في قوله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ٍ}. وقال جل وعلا {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً ،لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتا ،وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً ،إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً }، وقال سبحانه: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ . أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُون . لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ }. وواجب المسلم تجاه هذه النعمة العظيمة القيام بشكر الله تعالى عليها بالتحدث بها وإضافتها إليه والثناء بها عليه واعتقاد أنها منه وحده لا شريك له والاستعانة بها على طاعته. إن من المؤسف أن بعض الناس قد ينسب هذه النعمة الى جودة المناخ أو الموقع الجغرافي أو إلى النجوم والكواكب!! وفي مثل هؤلاء يقول ربنا جل وعلا: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } أي بدل أن تشكروا الله على إنزال المطر عليكم تكذبون فتنسبون ذلك إلى غيره من الكواكب والمخلوقات التي لا قدرة لها!! وقد جاء في الصحيحين من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه انه قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال: «هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: «مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب».، ومعنى هذا الحديث: أن من نسب المطر إلى الله وأنه بفضله ورحمته فهذا مؤمن بالله شاكر لنعمته كافر بما سواه، وأما نسبة نزول المطر إلى غير الله من الكواكب أو الطبيعة نسبة إيجاد باعتقاد أن لها تأثيراً في إنزال المطر فهذا كفر أكبر لأنه شرك في الربوبية والمشرك كافر. وأما نسبة نزول المطر إلى الكواكب نسبة سبب فهذا من الشرك الأصغر لكونه نسب نعمة الله إلى غيره ولأن الله تعالى لم يجعل الكوكب أو النوء سبباً لإنزال المطر فيه وإنما هو فضل من الله ورحمة يحسبه إذا شاء وينزله إذا شاء. وأما نسبة نزول المطر إلى النوء أو الكوكب نسبة وقت كأن يقول: جاءنا المطر في نوء كذا أي في وقته فمن العلماء من منع ذلك ومنهم من أجازه كابن عبدالبر رحمه الله في كتابه الاستذكار «7/153» وقال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: نسبة المطر إلى النوء تنقسم إلى ثلاثة أقسام: 1 نسبة إيجاد وهذه شرك أكبر. 2 نسبة سبب وهذه شرك أصغر. 3 نسبة وقت وهذه جائزة ... «القول المفيد «2/157». ومن الأمور المشروعة عند نزول الغيث الدعاء، قال البخاري رحمه الله في صحيحه «باب ما يقال إذا أمطرت» ثم أورد حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال: «اللهم صيباً نافعاً» وفي قوله «نافعاً» دلالة على أن المطر قد ينزل على العباد ويكون ضرراً عليهم في أنفسهم أو في أموالهم أو ينزل ولكن الأرض لا تنتفع بنزوله وهذا هو القحط الحقيقي لقوله صلى الله عليه وسلم «ليست السَّنة بأن لا تمطروا ولكن السنة أن تمطروا وتمطروا ولا تنبت الأرض شيئاً» رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه والمراد بالسَّنة: أي القحط. ومن الأمور المشروعة أيضاً عند نزول المطر حسر الثوب ليصيب بعض البدن تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ولما قيل له يا رسول الله لِمَ صنعت هذا؟! قال: «لأنه حديث عهد بربه» رواه مسلم: قال بعض علماء السنة: ومن فوائد هذا الحديث إثبات صفة العلو لله تعالى علواً يليق بجلاله. ومن الأمور المشروعة أيضا عند نزول المطر إذا كان يبل الثياب وتحصل المشقة بالخروج فيه الجمع في الحضر بين المغرب والعشاء أو بين الظهر والعصر في أصح قولي العلماء، قال الشيخ ابن قاسم في حاشيته على الروض «2/402»: «والوجه الآخر يجوز بين الظهرين كالعشاءين. اختاره القاضي وأبو الخطاب والشيخ وغيرهم ولم يذكر الوزير عن أحمد غيره وقدمه وجزم به وصححه غير واحد وهو مذهب الشافعي»، واختار القول بجواز الجمع بين الظهرين في الحضر من المعاصرين سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين رحمهما الله قال الشيخ محمد: «لأن العلة في الجمع هي المشقة فإذا وجدت المشقة في ليل أو نهار جاز الجمع»ا.ه الشرح الممتع «4/558» واختار شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا يشترط في الجمع نية الجمع ولا الموالاة بين الصلاتين «الفتاوى 25/50». ومما يُشرع أيضا عند كثرة نزول المطر وحصول الضرر به أن يدعو الإنسان بتخفيفه أو صرفه إلى أماكن أخرى قال ابن القيم رحمه الله: «ولما كثر المطر سألوه الاستصحاء فاستصحى لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «اللهم حوالينا ولا علينا.. اللهم على الآكام والجبال والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر» ا.ه زاد المعاد «1/459». اللهم كما أسقيتنا من بركات السماء فأنبت لنا من بركات الأرض واجعل ما أنزلته قوة لنا وبلاغاً إلى حين والله الهادي إلى سواء السبيل.