تنثال الدعوات من هنا وهناك بأن يرحمك الله.. وتتراءى أطياف الرحمة أمام الأعين البصيرة فيحمد أصحابها ربّهم على توفيقه وهداه.. وكل ما في الأيام الثلاثة أيام العزاء يدلّ على أن الموت حق ترضى به النفوس المؤمنة المطمئنة.. يُسلم أصحابها وجوههم لله راضين مبتهلين مسبحين ذاكرين حامدين شاكرين على فضله ونواله.. والموت نفسه لا صعوبة فيه، بل هو الحقيقة الوحيدة في حياة الإنسان، فهو لم يولد إلا ليموت ويعود إلى أمه الأرض التي خلقه الله منها.. ومع ذلك فهو يحاول أن يمتلك عليها الأحراز والأملاك ويبني عليها القصور ويشيد العمارات التي تناطح السحاب، ويغيب عنه سؤال مهم: من الذي يمتلك الآخر في نهاية المطاف؟ أهو الذي يمتلك الأرض أم أن الأرض هي التي تمتلكه في حجيرة في جوف لحد ضيق هو عبارة عن شق في القبر الذي يضمه ضمةً تختلف أضلاعه إلى بعضها البعض لا ينجو منها أحد كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم؟! وليت كل إنسان مؤمن مسلم يعدّ العدّة لهذا اليوم.. يوم يترك ترفه ونعيمه وبيته أو قصره.. إلخ، الذي يمتلىء بالحجرات والصوالين ووسائل الراحة والعيش الرغيد!! ليته يفكر يوماً بالعيش على الكفاف أو يقنع على الأقل بما رزقه الله به ولا يشطح بطموحه نحو المزيد!! لو فعل ذلك لاكتفى وتذكر الآخرة ولم تكن الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه. لقد انتقلت بعملي إلى جدة منذ حوالي سنتين ونصف السنة، والتقيت بك يا نبيل ولم أكن أراك إلا لماماً في المدينةالمنورة أوالرياض أو جدة، وحينما التقيت بك منذ حوالي ثماني سنوات صليت خلفك صلاة المغرب والعشاء قصراً وجمعاً فقد كنا جميعا مسافرين ونحضر عزاء عمي الشيخ صالح بن محمد القين رحمه الله ولاحظت حفظك لآيات القرآن من السور الطويلة، فحمدت توجهك وهنأتك به.. هذا موقف ينبىء عن منقبة طيبة لك أعلنه الآن وفاء بوفاء.. إذ أنك أعلنت مراراً عن منقبة حميدة لي أمام الكبير والصغير وفهمتها حق فهمها، وأنا والله مقصر على الرغم من حرصي على الوفاء بها ما استطعت إلى ذلك سبيلا، فهي من الوصايا التي أوصاني بها والدي جدك الشيخ عبدالله القين رحمه الله مع من أوصى، فحرص عليها واقتديت أنت بمن حرص عليها، ألا وهي صلة الرحم، فبخ بخ يا ابن أخي!! وقبيل وفاتك مساء يوم الجمعة ليلة السبت 17 18/11/1424ه بثلاثة أيام زرتك في المستشفى فأخطأت الغرفة حيث دخلت غرفة رقم 439 خطأً فوجدتها خالية، فخلتك ودعت الحياة وخنقتني العبرة حينذاك، وكان ابني أوس معي فرأى أباه تدمع عيناه فاستغرب لذلك لحداثة سنه البالغ (14) عاماً.. وفي يوم الخميس 16/11/1424ه دعوت لك بعد صلاة الفجر حتى شروق الشمس، فأحمد الله على فضله وتوفيقه. أسأل الله جلّت قدرته لك الرحمة والغفران، ولأبيك أخي عبدالعزيز الصبر والسلوان، ولنا جميعاً كذلك، وقد أسماك نبيلاً ولكل من اسمه نصيب، فالنبل عنصر من عناصر الشجاعة الأدبية وقد كان ذلك دأبك، ولا نزكي على الله أحداً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، {إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ}.