إن أي مجتمع يقوم على أساس منهج رئيسي تتخذه كل دولة وتسير عليه إلى الطريق الصحيح، وهذا المنهج هو القاعدة الرئيسية التي تنطلق منها حضارتها ومصدر قوتها والسبيل الوحيد للتعايش في بيئتها لأنه مفتاح تقدمها وبه تحتفظ بمكتسباتها وخيراتها التي تتحدد بموقعها الجغرافي الذي رسم خريطتها. والحياة التي ليس لها منهج مثل الطريق الأعوج الذي ليس له معالم أو دلالة واضحة، ولذلك تختلف الدول في خطى مناهجها وبلد الحرمين الشريفين الدولة العظيمة المملكة العربية السعودية لها خصوصيتها الروحية نظراً لأن مصدر منهجها من أعظم المناهج لكونه مستمداً من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم) والدولة السعودية على مراحلها الثلاث سارت على هذا الطريق ففي عهد الإمام محمد بن سعود اتخذ كتاب الله وسنة رسوله في الدولة السعودية الأولى وجاءت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب لتضيف وتقوي هذا المنهج الصحيح حينما اجتمع الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب فأخرجت دعوة الشيخ الناس من الظلمات إلى النور أيضاً على ذات المنهج سارت الدولة السعودية الثانية، وبعد اشراقة فجر تأسيس هذا الكيان الكبير على يد المؤسس القائد العظيم عبدالعزيز بن عبدالرحمن لتنطلق الدولة السعودية الثالثة وتتخذ من كتاب الله وسنة رسوله مصدراً للتشريع من البداية وحتى النهاية لأنه النور الذي يستضاء به وهو الملجأ الذي تهوي إليه والركيزة التي تتكئ عليها والحمد لله سارت الحياة بطمأنينة وخير في هذا الكيان فبعد المؤسس جاء أبناؤه البررة ليكملوا المشوار الذي أرساه المؤسس (طيب الله ثراه) وعضوا عليه بالنواجذ، وقد ذكر الملك عبدالعزيز في كثير من خطبه اهتمام هذه البلاد ومحافظتها على المنهج الشرعي الخالد. وذكره أبناؤه الملوك سعود وفيصل وخالد (رحمهم الله) وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز (حفظه الله) الذي تحدث في أكثر من منبر عن دستور هذه البلاد وقال فيما معناه في أكثر من مناسبة هذه الدولة قائمة على منهج شرع الله وقال (لن نسمح لأي كان بالاعتداء ولو شبر من بلادنا) أيضاً ما ذكره صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز (حفظه الله) في إحدى جلساته عندما ردد كلمتين في حديثه (لا مساومة في الدين والوطن) وكذلك لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز أحاديث عديدة تتصل بهذا الموضوع. ولهذا سيظل الدين أول وأهم أسس وركائز هذه البلاد وخاصة أنها مأوى أفئدة جميع المسلمين لوجود الحرمين في أطهر بقعتين مكة والمدينة. ومن هذا المنطلق وإيماناً منها في ابداء الرأي وإعطاء الحرية في الحوار استحدثت حكومتنا الرشيدة جهازاً يعتني بهذا الشأن وذلك عندما أصدر خادم الحرمين الشريفين (حفظه الله) قراراً بانشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الذي يحظى باهتمام صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز والذي يضم نخبة من العلماء الأجلاء ورجال الثقافة والأدب في إطار جهود الدولة لإثراء الحوار بين ابناء الوطن الواحد وتحقيق التقارب في الآراء والخروج بتوصيات تخدم المجتمع وتحفظ ثوابته بروح اخوية ومنهج علمي. ولا شك أن هذا المركز يفيد في حفظ الأمة من الفتنة بعد دخول عمليات الارهاب ومشاكله إلى بلادنا الطاهرة والتي قام بها البعض من المحسوبين على هذا الكيان الكبير نتيجة لأفكار شاذة ومضللة وعقيدة فاسدة، وقد أشار إلى ذلك صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز في كلمته إلى رجال الفكر حينما أكد على أن فساد عقول الشباب بسبب الفضائيات والتعامل غير الصحيح مع الانترنت. وقد كانت كلمة حكيمة وعميقة حددت الداء والدواء، ولعل مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني يكون منارة فكر تصحح الأخطاء وتعالج الخلل وتصلح فساد العقول.