984 ألف برميل تقليص السعودية إنتاجها النفطي يومياً    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    «مهاجمون حُراس»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    قبل مواجهتي أستراليا وإندونيسيا "رينارد" يستبعد "العمري" من قائمة الأخضر    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    «الدبلوماسية الدولية» تقف عاجزة أمام التصعيد في لبنان    البنك المركزي السعودي يخفّض معدل اتفاقيات إعادة الشراء وإعادة الشراء المعاكس    حديقة ثلجية    الهلال يهدي النصر نقطة    رودري يحصد ال«بالون دور» وصدمة بعد خسارة فينيسيوس    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    «التعليم»: تسليم إشعارات إكمال الطلاب الراسبين بالمواد الدراسية قبل إجازة الخريف    لحظات ماتعة    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    الهايكو رحلة شعرية في ضيافة كرسي الأدب السعودي    ما سطر في صفحات الكتمان    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    وزير الصحة يتفقد ويدشّن عدداً من المشاريع الصحية بالقصيم    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    جودة خدمات ورفاهية    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    ترسيخ حضور شغف «الترفيه» عبر الابتكار والتجديد    كولر: فترة التوقف فرصة لشفاء المصابين    الأزرق في حضن نيمار    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    الغرب والقرن الأفريقي    نعم السعودية لا تكون معكم.. ولا وإياكم !    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    الاتحاد يتغلب على العروبة بثنائية في دوري روشن للمحترفين    ضبط شخصين في جدة لترويجهما (2) كيلوجرام من مادة الحشيش المخدر    المربع الجديد يستعرض آفاق الابتكار الحضري المستدام في المؤتمر العالمي للمدن الذكية    أمير القصيم يرعى حفل تدشين 52 مشروعا صحيا بالمنطقة بتكلفة بلغت 456 مليون ريال    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    المريد ماذا يريد؟    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    الدولار يقفز.. والذهب يتراجع إلى 2,683 دولاراً    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ليل عروس الشمال    التعاطي مع الواقع    التكامل الصحي وفوضى منصات التواصل    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من له كل يوم منهج وطريقة ويتقلب مع الأمور ومع الأحوال كيفما تقلبت فإنه لا يرجع إلى ركن وثيق
الشيخ صالح آل الشيخ في محاضرة له ليلة أمس بجامع الملك عبدالعزيز:
نشر في الجزيرة يوم 05 - 01 - 2004

أكد معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ أن المنهج الصحيح الذي يتبعه المسلم المستند إلى كتاب الله تعالى وسنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - هو العاصم له بإذن الله من الوقوع في الخطأ والوصول إلى النتائج الصحيحة وهو سبيل المرء المسلم لسلوك الصراط المستقيم.
وقال معاليه: في محاضرة ألقاها الليلة الماضية بجامع الملك عبدالعزيز بحي أم الحمام بالرياض بعنوان: (كيف يفكر المسلم في الواقع): ان المنهج في العلم، والمنهج في العمل مهم جداً لسلوك الصراط المستقيم، وفائدة هذا المنهج، أن المنهج يعصم من أن يكون للمرء المسلم في كل يوم طريقة وحكم على الأشياء، فإذا كان المنهج مستقيماً والتفكير صحيحاً وفق الشرع، ووفق الكتاب والسنَّة، وهدي السلف، وما نص عليه الأئمة من أهل العلم الذين شهدت الأمة لهم بالإمامة، فإنه يعصم المرء من الخطأ، فإذا كان عرف أهل العلم، أصول الفقه، وأصول الحديث، وأصول التفسير وهكذا والنحو.
وأبان معاليه أن مجمل هذه العلوم التي هي علوم المنهج والأصول تعصم قواعد وقوانين وضوابط، وتعصم من الخطأ في العلم، فكذلك الأمور التي تقع في الأمة وما يحصل في الحياة اليومية، وكيف يتعامل المسلم مع هذا الواقع، مشيراً إلى أنه يحتاج إلى منهج وإلى طريقة، لذلك عنوان هذه المحاضرة أختير بأن يكون (منهج التفكير في الواقع أو كيف يفكر المسلم في الواقع)، وهذه هي المعضلة اليوم، فنجد أن كثيرين من المسلمين لديهم نظر في الواقع، إما في الواقع السياسي، أو في الواقع العلمي، أو في الكلام على الدول، أو في الكلام على العلماء، أو بالكلام على الدعوات، أو الحركات الإسلامية، أو الشباب، أو على الكبار، أو على المؤسسات الخيرية، أو في الكلام على طريقة النجاة للأمة، وكيف نخرج الأمة من هذا المأزق الذي تعيشه، وكيف، وكيف في أشياء كثيرة، ولكن نجد أن كثيرين لهم في كل حال موقف، ولهم في كل قضية رأي، وهذا خلاف الأصول، الأصول الشرعية تقضي بأن يكون المنهج مستقى في التفكير من الكتاب والسنَّة، وما كان عليه السلف الصالح، ومستقى من المنهج العام الذي سلكه علماء الأمة وحكمائها؛ لأنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء الراشدين من بعدي).
وأكد معاليه أن هذه الأمة بحاجة إلى منهج في التفكير في الواقع، لأنه مهما تغير الواقع والأحوال قبل مئة سنَّة، أو قبل ألف سنَّة، واليوم وغداً لا بد من صناعة منهج في التفكير، وقال: إن هذه المحاضرة لا أدَّعي أني سأضع كل معالم هذا المنهج لأن هذا يحتاج إلى تأصيل هذا العلم وتدوينه، وأن ينبري له المجموعة الكبيرة من العلماء والدعاة من طلبة العلم، وأهل الحكمة، والعقل حتى يكون مؤصلاً لدينا في تعليمنا، في جامعاتنا، وفي التعليم العام، وفي منهج دعاتنا، وفي المساجد، ولدى الشباب، ولدى الناس، حتى يكون المنهج مؤصلاً لطريقة التفكير سليمة لكي يكون المرء على سلامة في دينه ولذلك أهم ما يهتم به الواحد منا، كيف ينجو، وليس العجب ممن هلك، وكيف هلك، ولكن العجب كما قال السلف ممن نجا كيف نجا؟
وشرح معالي الشيخ صالح آل الشيخ أن معالم النجاة أعظمها وأولها توفيق الله - سبحانه وتعالى - وإعانته وتسديده هذا هو العصمة، ثم أن يأتي المرء بالأسباب، ومنها ملازمة الطريقة المثلى، طريقة السلف الصالح الذي شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسلامة فيما هم عليه، وأنهم خير هذه الأمة، (خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)، قال: إذاً فنحن بحاجة إلى هذا المنهج، أولاً المقصود السلامة والنجاة، وأن نزدلف إلى الجنة، ونبتعد عن النار فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز، الحاجة في المنهج حتى نزدلف إلى مرضاة الله - سبحانه وتعالى -، الحاجة للمنهج، ثانياً في أن يكون موقف المسلم غير مبني على هوى، غير مبني على تأثيرات عاطفية، وتأثيرات غير شرعية، وإنما له في كل يوم موقف ورأي ونظر، وأن يكون هناك وحدة في المواقف والرأي والنظر في الأمور، فإذا كان هناك تغير في المواقف مع كل شيء يأتي جديد ومع كل حدث، فإن هذا يعني أنه ليس لدينا طريقة مستقاة من الدين نثبت عليها.
وبيّن معاليه - في السياق ذاته - أن الثبات من معالم النجاة، والثبات على المنهج الصحيح هذا من معالم النجاة، وقال: أما الذي له كل يوم منهج، وله كل يوم طريقة ويتقلب مع الأمور ومع الأحوال كيفما تقلبت، فإنه حينئذ لا يرجع إلى ركن وثيق، لذلك أهل العلم من سماتهم أنهم لجأوا بالعلم إلى ركن وثيق فإنه مهما تغيرت الأمور فلديهم الركن الوثيق الذين يرجعون إليه، من فوائد وجود المنهج أن يكون هناك تقييم للأمور سليم، فوجود المنهج يقرب الآراء، ويكون هناك تقييم للأمور صحيح، أيضاً وجود المنهج يعصم من التصورات الخاطئة في الأمور حتى لا يكون هناك زلل في أن يُنسب للشريعة ما ليس منها، ولذلك نجد اليوم الكثير يقول هذا هو الإسلام، وهناك أقوال كثيراً مختلفة فهل هذا هو الإسلام؟ فلا بد إذاً من طريقة في التفكير تعصم المرء في مثل هذه الأوضاع المتغيرة، أيضاً من فوائد وجود المنهج التفريق بين الحقيقة والباطل، بين الحقيقة وضدها، لأن هدف المسلم دائماً الحق، وأن ندعو إلى الحق، ونستمسك بالحق.
واسترسل معاليه قائلاً: هناك معالم عامة تؤثر على التفكير الصحيح متمثلة في عدة أمور، الأمر الأول: الحذر من الفتن، فإن الفتنة في القول أو في العمل هذه يجب أن نحذرها سواء على أنفسنا أو في مجتمعنا، ولذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - صح عنه، كما في البخاري وغيره أنه قال: (ما أنت محدث قوماً حديثاً لاتبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة)، والفتنة مأمور أن نبتعد عنها وعن أسبابها، فإذا من المؤثرات أن يكون من منهجنا أن نبتعد عن الفتن، ونسعى في السلام، والبعد عن كل شيء يؤدي إلى فتنة، واختلاف في القول والعمل وحدوث فتنة في المسلمين، مشيراً إلى أن الوقاية من الفتن هذا منهج ولذلك كان من سمات الصحابة حتى لما وقع الاختلاف أنهم حذروا وابتعدوا عن الفتن وما يؤدي إليها.
ومضى معاليه قائلاً: أما الأمر الثاني: أن نحسن الظن بالله وأن نتفاءل، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - صح عنه أنه قال: (لا يمت أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه تعالى)، والتفاؤل: النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحب الفأل، فإذاً هناك معلم من معالم الوصول إلى التفكير الصحيح، ألا ننظر إلى الأمور بيأس، بقنوط بنظرة كما يقولون سلبية سوداوية، وإنما ننظر بتفاؤل لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن هذا الدين بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء)، قال العلماء معنى قوله: (بدأ غريباً وسيعود قريباً) أنه كما كان في أول البعثة أول الرسالة بدأ غريباً ثم قوي، وانتشر فكذلك سيعود غريباً ثم يقوى وينتشر، وهذا يعطيك الفأل، وحسن الظن بالله - سبحانه وتعالى -، وهذا مصداق في قول الله - سبحانه وتعالى -:{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً } ، ومن الذي شهد بهذه الشهادة، الله - سبحانه وتعالى -، فإذاً يكون من معالم تفكيرك فيما أنت فيه وفي المستقبل أنك تكون متفائلاً محسناً الظن بالله - سبحانه وتعالى - كما وعد الله - سبحانه وتعالى -، أنه سينشر هذا الدين، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لا تقوم الساعة حتى لا يكون بيت من مدر ولا وبر إلا أدخله الله في هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله) وهذا يعطينا انشراح الصدر والتفاؤل فحينئذ يكون التعامل في الحياة الدنيا والعمل والدعوة والمواقف مبنية على الفأل لا على القنوط لا على اليأس:{قّالّ وّمّن يّقًنّطٍ مٌن رَّحًمّةٌ رّبٌَهٌ إلاَّ الضَّالٍَونّ } .
وأضاف معاليه قائلاً: إن من معالم الضلال والبعد عنه الاهتداء للطريق الصحيح أن يكون هناك يأس وقنوط، بل لا بد أن تكون كما أمر الله - سبحانه وتعالى - وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نكون متفائلين نحسن الظن بالله - سبحانه وتعالى - ونعلم أن وعد الله حق وحينئذ تكون مواقفنا وتفكيراتنا فيها الإيجابية، وفيها العمل للمستقبل بالعمل الصحيح المؤثر، مبيناً أن من معالم التفكير الصحيح أيضاً أن المسلمين فيهم حسنات وفيهم سيئات سواء أكانوا عامة أم خاصة، سواء أكانوا ولاة أم علماء أم طلبة علم، أم دعاة، أم من عامة المسلمين كل فيه حسنَّة وفيه سيئة لا بد من وجود هذا وهذا، فإذاً من منهجنا في التفكير أن نتمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال فسد الناس فهو أفسَدَهم)، وفي ضبط (فهو أفسدهم)، والواجب أن يكون منهجنا في التفكير دائماً على إبراز الحسنات وعلى ذكرها، وأن نحذر من قول فسد الناس أو الأمور صارت فاسدة، هذا ينشر الفساد شيئاً فشيئاً، أما إذا تعاونت على البر والتقوى وأكثرت من الحسنات وجعلت السيئات تقل حتى بالذكر فإنه حينئذ يزيد الخير.
وخلص معاليه إلى القول: إنه من منهجنا في التفكير الصحيح أن نظهر الحسنات ونبرزها ونكثر من الحديث عنها، لأنها تشرح النفس، وترغب وتجعل الناس يسيرون فيها، ونخفي السيئات ونخفي آثارها لكن هذا لا يعني ألا نتعامل مع السوء وفق القواعد الشرعية، إذا كان مقتضى النصيحة فننصح، مقتضى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر وفق ضوابط الشريعة.
* ، ما نجعل هناك مبالغة، لا في مدح ولذلك القصد القصد تبلغوا الوسطية، الاعتدال يجعلنا نبتعد عن طرفي الغلو والجفا، وهذا هو الذي يُنتج نوعاً من التفكير السليم به نتعامل مع القضايا بقوة، الجميع ينظر الآن إلى مبالغات كثيرة، منها مبالغات في القنوات الفضائية، ومبالغات في الصحف، ومبالغات في أخبار الناس، محذراً معاليه من مبالغات الجهات الإعلامية، والقنوات الفضائية التي تعطيك مبالغات تؤثر عليك في منهج التفكير، إما بمبالغات بالأخبار، أو مبالغات بالصورة، أو مبالغات بالتأثيرات الصوتية، أو المرئية، وتعطيك إحساساً بأن شيئاً كبيراً جداً ما يسلم من هذا الإحساس أحد ولكن العاقل يجب أن يفكر كيف يتعامل مع هذه المبالغات المبالغة لا يسوغ الاستسلام لها لأنها تُضل في جانب التفكير.
وأكد معاليه أن الإنسان إذا كان يذهب في الأمور كلها إلى مبالغات، فمعنى ذلك أنه ما أخذ بقوله الله - سبحانه وتعالى -:{وّأّقٌيمٍوا الوّزًنّ بٌالًقٌسًطٌ وّلا تٍخًسٌرٍوا المٌيزّانّ} ولا بقول الله - سبحانه وتعالى - {وّإذّا قٍلًتٍمً فّاعًدٌلٍوا وّلّوً كّانّ ذّا قٍرًبّى"}، ولا بقوله:
{ وّلا يّجًرٌمّنَّكٍمً شّنّآنٍ قّوًمُ عّلّى" أّلاَّ تّعًدٌلٍوا اعًدٌلٍوا هٍوّ أّقًرّبٍ لٌلتَّقًوّى"}، فإذاً الحذر من المبالغات، والنظر السليم في المعلومة الصحيحة يأتيك شيء لا تصدقه لا تحدث به، ولهذا ثبت في مقدمة صحيح مسلم رحمه الله أنه قال: (من حدَّث بكل ما سمع فهو أحد الكاذبين» تحدث بكل ما سمعت فأنت أحد الكاذبين، فماذا؟ لأنه لا بد من مبالغات في حديث الناس ولا بد أنه فيها صدق وفيها كذب، فإذا حدثت بكل شيء فأنت أحد الذين شاركوا في نشر هذه الأمور.
أما المعلم الخامس من معالم التفكير الصحيح ومنهج التفكير السليم الشرعي السلفي الذي أصَّلَهُ علماء السلف وأئمتهم في مجمل كلامهم، قال معاليه: أن يكون المسلم محباً للخير للمسلمين، وكارهاً للشر لهم، والمؤمنين والمسلمون بينهم محبة في الله، وولاية في الله، قال - سبحانه وتعالى -:{إنَّمّا المٍؤًمٌنٍونّ إخًوّةِ} وقال - سبحانه وتعالى -: {وّالًمٍؤًمٌنٍونّ وّالًمٍؤًمٌنّاتٍ بّعًضٍهٍمً أّوًلٌيّاءٍ بّعًضُ}يعني بعضهم يحب بعضاً، وبعضهم ينصر بعضاً، وأن تحب الخير للمسلمين هذا يعطيك هدوءاً وتفكيراً صحيحاً في الاتجاه وفي معالجة القضايا، فمن كان منهم مهتدياً على الطريق الصحيح سليماً فإنك تعضده وتعينه، لأنه يمشي وفق المنهج الصحيح، منهج السلف الصالح منهج العلماء الربانيين والراسخين في العلم، وهكذا فكل مؤمن له محبة له نصره بقدر ما فيه، حتى الظالم من المسلمين فتنصره بحجزه عن الظلم، (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)، قال كيف انصره ظالماً، قال: أن تحجزه عن الظلم، إذا أخذ بالقوة ووقفته عند حده مثل ما يقولون، فهل هذا محبة الشر له أو محبة الخير له؟، محبة الخير له، ولذلك جاء في الحديث: (عجبت لقوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل)، يقاد للجنة بحبسه، يقاد للجنة بسجنه لأنه يحصل له من الخير ما لا يحصل له بخلاف ذلك، فإذاً محبة الخير للمسلمين تعطيك انشراحاً في النفس، وتعطيك عاطفة صحيحة، ولكن بانضباط.
وواصل معاليه القول: إن المعلم السادس من المعالم العامة للمؤثرات الصحيحة في التفكير أن يكون هناك غيرة لدى المسلم منضبطة بضوابط الشرع، المسلم يحتاج إلى ثبات على الحق، والهدى، ويحتاج إلى أن يكون في نفسه حب لمناصرة الحق والدعوة إليه، هذه لا تكون إلا بوجود الغيرة على الإسلام، الغيرة على المسلمين، الغيرة على حرمات الله، هذه الغيرة تجعلك تفكر بالتفكير الصحيح، بل يكون هناك عندك غيرة وتحسس لواقع المسلمين لما عليه الأمة، لما فيه المسلمون من أحوال، يكون عندك غيرة على حرمات الله، غيرة على المسلمين في تعليمهم ودعوتهم، أو في نصرتهم، أو في تقويتهم، لكن هذه الغيرة تكون منضبطة بضوابط الشرع لأن الغيرة تحمل على الثبات، وتعين على سلوك الطريق المستقيم وعدم التأثر بالشيطان، الله - سبحانه وتعالى - يغار ونحن نغار أيضاً، كما جاء في الحديث (إن الله يغار) والمؤمن يغار على حرمات الله، والنبي - صلى الله عليه وسلم - هو القدوة في ذلك، لكن هذه الغيرة قد تحمل على أن يكون الاتجاه إلى أمور منكرة، إما إلى جهاد بطريقة غير صحيحة أو إلى نهي عن المنكر بطريقة غير شرعية، أو إلى سفك للدماء أو إلى إتلاف للأموال، أو أن تكون الغيرة مسلوبة بحيث لا يهمه، ولا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، فإذا كانت منضبطة بضوابط الشرع على أساس العلم والصبر، فإنه لا بد من علم بالأحكام الشرعية، حتى تعرف أن غيرتك محمودة، ثم لا بد من الصبر الذي يحمل على عدم الخروج عن مقتضى الغيرة الشرعية الصحيحة.
و متسائلاً معاليه لماذا جاءت قصة نوح في آيتين في سورة العنكبوت؟ فقصص الأنبياء لا ترد في سورة إلا ولها هدف، فتجد في بعض السور قصة نبي من الأنبياء تأخذ أربعين آية، أو خمسين آية، أو ستين آية، أو أكثر، بل هناك سورة خاصة ليوسف عليه السلام، وسورة نوح، وسورة هود، وفيها قصص من الرسل كثيرة، لكن سورة كاملة لقصة يوسف، وسورة كاملة لقصة نوح، وهكذا، فلماذا أحياناً تأتي مختصرة وأحياناً تأتي مطولة، فأجاب معاليه قائلاً: جاءت في سورة العنكبوت في آيتين لأن المقصود من ذكرها في هاتين الآيتين هو ذكر الزمن فقط فلبث فيهم ألف سنَّة إلا خمسين عاماً فأخذهم الطوفان وهم ظالمون.
الم (1) أّحّسٌبّ النَّاسٍ أّن يٍتًرّكٍوا أّن يّقٍولٍوا آمّنَّاوّهٍمً لا يٍفًتّنٍونّ (2) وّلّقّدً فّتّنَّا الّذٌينّ مٌن قّبًلٌهٌمً فّلّيّعًلّمّنَّ اللهٍ الّذٌينّ صّدّقٍوا وّلّيّعًلّمّنَّالكّاذٌبٌينّ (3)}، ولقد فتنا الذين من قبلهم، سورة كل ما فيها يتحدث عن الفتنة، الآية قصة نوح عليه السلام في آيتين، ما الفتنة؟ أين المخرج من الفتنة التي دلت عليها، هذه الآية (فتنة الزمن) ما صار شيء، ما نفعت الدعوة، لا بد من الجهاد المسلح، ما النتيجة؟ أنه دعا الله - سبحانه وتعالى - فأنزل النصر عليه، لكن كم المدة؟ فهذا يعطيك الحذر من الافتتان بالزمن.
لاحظ من حملته الغيرة، استخفه الذين لا يؤمنون استخفوه لأنه حصل شيء، النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة عمل معه المشركون أشياء كثيرة، سأله الصحابة يا رسول الله لو شئت لملنا على أهل منى بأسيافنا، قال - لا - لم نؤمر بعد، ما جاء الدليل الشرعي الذي يوجب ذلك، أو يأمر به، فإذاً الغيرة مطلوبة بالضابط الشرعي، وأن يكون المرء المسلم معتمداً على العلم والصبر، لا بد من علم حتى لا يكون هناك سلوك للجهل، ولا بد من صبر حتى لا تأتي الغيرة على الدين.
والمعلم السابع من معالم المؤثرات في طريق التفكير الصحيح، يبين معاليه أنه يتمثل في اعطاء الأمر لأهله والاهتمام، كما يقال في لغة العصر، الاهتمام بالتخصصات، فإذاً لا بد من أن يُعطى الأمر إلى أهله، فإذا كان الأمر متعلقاً بالعلم والفتوى الشرعية والدين فإنه يترك إلى أهل العلم والراسخين فيه، كما قال - سبحانه وتعالى -:{ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } ، وختام الآية {وّلّوًلا فّضًلٍ اللهٌ عّلّيًكٍمً وّرّحًمّتٍهٍ لاتَّبّعًتٍمٍ الشَّيًطّانّ إلاَّ قّلٌيلاْ}، لأن اتباع الشيطان يكون بالخلل في التفكير فإذا جعلك الشيطان تفكر بطريقة خاطئة كل شيء سيأتي، خلل في العقيدة، وخلل في العبادة، وخلل في المنهج، وخلل في التعامل، حتى مع نفسك، حتى مع من حولك إلى آخره.
وتناول معاليه في سياق محاضرته المعالم التي هي ضد المؤثرات السلبية في التفكير السليم، فقال: أولاً: مما يؤثر سلباً على التفكير الصحيح ويؤدي إلى التفكير الخاطئ أن يحرم العبد التوفيق من الله - سبحانه وتعالى - وأن يبتلى بالخذلان، قال تعالى: {لّيًسّ عّلّيًكّ هٍدّاهٍمً وّلّكٌنَّ اللهّ يّهًدٌي مّن يّشّاءٍ} ، وقال - سبحانه وتعالى -:{ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } ، المنة هي الإعطاء من دون موجب استحقاق، فإذا من معالم الخلل الكبير في التفكير أن يخذلك الله - سبحانه وتعالى -، والعياذ بالله، وأن يحرمك التوفيق، والتوفيق هو إعانة من الله جلَّ وعلا للعبد في أموره، والخذلان أن يسلب الله - سبحانه وتعالى - عنك هذه الإعانة في أمورك، وأن تترك ونفسك، فإذا تركت ونفسك وقع الزلل، لذلك في الحديث (اللهم لا تكلني لنفسي طرفة عين)، لأنه لو وكلت إلى نفسك طرفة عين زلت القدم والعياذ بالله، إذا كان كذلك، فإذا حُرم العبد التوفيق وخذل لا يحرم العبد التوفيق ويخذل إلا بأسباب منه، قال تعالى:{مّا أّصّابّكّ مٌنً حّسّنّةُ فّمٌنّ اللهٌ وّمّا أّصّابّكّ مٌن سّيٌَئّةُ فّمٌن نَّفًسٌكّ} , ومن السيئات أن تخذل، لا بد بسبب منك ومنه ضعف العبادة، ضعف الإقبال على الله - سبحانه وتعالى -، ضعف الاستمساك بالسنَّة، ضعف الاستمساك بالعلم، ضعف الاستمساك بهدي السلف الصالح، أن يكون الدين عرضة للخصومات وعرضة للقيل والقال.
وأوضح معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد أن من المؤثرات السلبية على التفكير السليم، تصديق الشائعات، فالناس مغرمون بالشائعات، مؤكداً معاليه أن الشائعات كثيرة الانتشار، وأكثر الشائعات لا صحة لها، والصحيح منها مبالغ فيه، لكن هنا من التأثيرات السلبية على التفكير الصحيح تصديق الشائعات، كما قال الله جلَّ وعلا -:{وّإذّا جّاءّهٍمً أّمًرِ مٌَنّ الأّمًنٌ أّوٌ الخّوًفٌ أّذّاعٍوا بٌهٌ}، هذا تأثير الشائعة على النفس، فلذلك من الخلل في التفكير أن تصدق الشائعات، شرعاً لا يجوز، بل لا بد من التثبيت قال تعالى: {يّا أّيٍَهّا الذٌينّ آمّنٍوا إن جّاءّكٍمً فّاسٌقِ بٌنّبّأُ فّّتّبّيَّنٍوا} وفي القراءة الأخرى (فتثبتوا) البيان فتبينوا يعني اطلبوا الحجة، اطلبوا الدليل غير معقول يحصل كذا غير معقول، والآن يلفق أشياء على الناس لا حصر لها.
ومن معالم الغلط في التفكير يقول معاليه: هو تأثير الشعارات والألفاظ الرنانة الطنانة، فإذا من أسباب التفكير الخاطئ الانخداع بالشعارات، والمؤمن العبرة عنده بحقائق الأمور لا بالشعارات، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها)، سَمَوها بغير اسمها حتى تكون حلالاً، اليوم هناك أشياء كثيرة المراد منها خلاف الشعار لكن الشعار يأتي حتى يمشي ويروج مثالها مثلاً: الإصلاح، النهوض بالأمة، الوهابية، الجهاد، إصلاح المناهج، قضايا كثيرة، ضبط المؤسسات الخيرية والحذر من أن تمول الإرهاب، ألفاظ ظاهرها جميل، الإصلاح مطلوب، ومحاربة الفساد مطلوب، سواء أكان في الأمور السياسية، أو في الأمور الدعوية أو في الأمور العلمية أو في أي مجال من المجالات، الإصلاح مطلوب { إنً أٍرٌيدٍ إلاَّ الإصًلاحّ مّا اسًتّطّعًتٍ}، والناس ينخدعون باللفظ العام ويسلكون فيه، ويؤمنون به ويدافعون عنه والذي أورد هذه الألفاظ يريد منها أشياء غير ظاهرها، مثلاً إصلاح المناهج، إصلاح المناهج طيب كون أن المناهج التي ندرسها اليوم أو يدرسونها طلابنا سواء في التعليم العام أو في الجامعات غير التي درست قبل ثلاثين سنة، مفهوم إصلاح المناهج مفهوم طيب في ظاهره تعديلها بما يوافق لكن ما داخله هنا يأتي الكلام.
واستعرض معاليه الدعوات التي توجه إلى المسلمين وتدعي أن مناهج المسلمين تدعو إلى الإرهاب إلى آخره، وأن فيها أشياء يراد أن تضعف أو أن تجنب أو أنها بجملتها يكون فيها كذا وكذا. وأضاف معاليه قائلاً: أيضاً مثل الهجمات التي تشن على المؤسسات الخيرية، نعم المؤمن الحكمة ضالته إن وجدها فهو أحق بها، إذا كان فيه إصلاح في المؤسسات الخيرية مطلوب، إعادة تنظيمها مطلوب، ضبطها مالياً وإدارياً وهيكلتها هذا مطلوب، لكن ليس معنى ذلك الاتهام، ليس معنى ذلك أننا نصدق ما يقال، فالمؤسسات الخيرية تعمل عملاً عظيماً في الأمة.
واختتم معاليه محاضرته بذكر أن آخر المؤثرات السلبية في منهج التفكير هو الأخذ بالأشد والأقوى من الأقوال أو الأعمال على أنه الصواب والحق، وقال معاليه: إن الأمر ليس كذلك، فالقوة في موضعها محمودة، والحكمة أو وزن الأمور أيضاً في موضعها محمود، بل قد تكون الحكمة في القوة، والحكمة أحياناً في تمرير الأمور، لما أتى عمر - رضي الله عنه - مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلح الحديبية، قال عمر: يا رسول الله على ما نقبل الدنية في ديننا ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ هنا القوة، النبي - صلى الله عليه وسلم - صالحهم حتى إن في الشروط فيها كما قال عمر دنية لكن المصلحة للأمة فيما أراده النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه الأدرى بالمصالح حتى عمر على جلالة قدره وهو ثاني رجل في الأمة، لكن الحكمة كانت في خلاف ذلك، كما أن المسألة لا تأخذ دائماً بالأشد من الفتاوى على أنها هي الصحيحة أو الأشد من الأقوال على أنها هي الصحيحة، أو الموقف القوي على أنه هو الصحيح.
وسأل معاليه الله - سبحانه وتعالى - أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة، ويعافي فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، اللهم وفق ولاة أمورنا لما فيه الرشد والسداد، واجعلنا معهم من المتعاونين على البر والتقوى، اللهم وفق علماءنا إلى مافيه رضاك، ودلهم على ما فيه الخير في القول والعمل، اللهم وفق كل من عمل للإسلام إلى ما فيه عِز الإسلام، وصلاح المسلمين، اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً واغفر لنا ولجميع المسلمين..
بعد ذلك أجاب معاليه على أسئلة الحضور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.