كثيرون من الناس خصوصاً من الأخيار، من الصلحاء، من الدعاة، من الغيورين على أمر الأمة تجد عندهم خوفاً شديداً على الدين، خوفاً شديداً على الأمة، خوفاً شديداً على مستقبل الإسلام والمسلمين. نعم! للخوف المعتدل الذي يحملك على: العمل. وعلى الإنجاز. وعلى المشاركة. وعلى طلب العلم. وعلى أن تكون عنصراً فعالاً وبناءً في الأمة. هذا الخوف لا يوجد فيه إشكال. الإشكال في الخوف المفرط المبالغ فيه، الذي قد يتحول إلى خوف مرض يضرك ويضر الآخرين. على سبيل المثال: هذا الخوف قد يقعدك عن العمل، لأنك أصبحت يائساً، قانطاً، ترى أنه ليس ثمة مجال للدعوة والاصلاح، وأن الأمة قد تُودّع منها، لم يبق إلا أن ننتظر. ولذلك كثير من الناس يحملهم هذا الخوف على عقدة سميتها: عقدة الانتظار، فتجدهم - مثلاً - ينتظرون مهدياً يخرج من الأرض، أو ينتظرون عيسى أن ينزل من السماء. نحن نؤمن أن عيسى عليه السلام سينزل من السماء، ونؤمن بأن المهدي سوف يخرج في هذه الأمة، لكننا نؤمن - أيضاً - أن الله سبحانه وتعالى لم يتعبدنا قط بانتظار أحد، وإنما تعبدنا بأن نقوم نحن بالأعمال الصالحة التي كلفنا بها من: الدعوة والإصلاح. والخلق الجميل. وطلب العلم النافع والقيام بالعمل الصالح والعبادة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى والسعي في تكامل المسلمين هذه المعاني تُعبدنا بها، وأمرنا بها!! أما أن نبقى في الانتظار فهذا نتيجة خوف، أو قلق زاد عن حده، وأفرط، فولّد عند الإنسان يأساً وقنوطاً وعجزاً، وجعله كما يقولون مثل الغريق الذي يتشبث بالقشة، لأن الله سبحانه وتعالى لم يخبرنا أن مهدياً سوف يخرج في عام كذا، أو ينزل في سنة كذا، وإنما تعبدنا بما ذكرنا، مما هو من قطعيات الدين وضرورياته ونصوص القرآن والسنة المحكمة في هذا الباب. فالخوف الشديد والقلق المفرط يحمل الإنسان على أن يبالغ في هذه الأشياء، فيكون عنده نوع من القنوط ومن اليأس، وربما يكون هناك نوع آخر سلبي أيضاً نتيجة هذا القلق وهو: أن يكون عند الإنسان نوع من الإحساس الزائد بالمسؤولية عن هذا الدين. بعض الناس قد يؤدي به الخوف الزائد إلى القعود والقنوط. بعض الناس يؤدي به الخوف الزائد إلى الشعور المضاعف بالمسؤولية عن هذا الدين حتى يظن أن الدين كله مسؤوليته هو، وأن عليه أن يحفظ هذا الدين، وأن يحميه، وأن يقوم به! وهذا الشعور يفرز عند الإنسان ما يسميه بالوصاية على الدين، وعلى أهل الدين، وعلى الدعوة وعلى الدعاة، وهذا يضر به، لأنه يجعله يتحرك بطريقة غير طبيعية، ويضر بالآخرين، لأنه يحملهم ويكلفهم، ويتعامل معهم بطريقة ليست سوية. هنا! لسنا أمام انحراف عقدي كما ذكرنا في البداية لكننا أمام نوع من اضطراب المعايير والمقادير ولد عند الإنسان نوعاً من عدم الانضباط وعدم التوازن وولد عنده نوعاً من الإلحاح في بعض المسائل وبعض القضايا. هناك شيء ثالث يسميه المختصون والعلماء: «بالفوبيا». كلمة فوبيا ترجمتها: الخوف المرضي. الفوبيا نوع من الخوف الذي لا يبرره الواقع، لكنها تختلف عما سميته بالقلق العصابي، أو الخوف العصابي. إن الفوبيا خوف من الواقع. أما القلق فهو خوف من ماذا؟ من المستقبل. نعم! حتى في النصوص النبوية الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من ماذا؟ من الهم والغم، أو الهم والحزن. ماهو الفرق بين الهم والغم؟ الهم لماذا؟ للمستقبل عندما تريد الزواج - مثلاً -. تحمل هماً، أو لا تحمل هماً؟ من الممكن أن يكون الهم متعلقاً بأمر الزواج، فخوف الإخفاق في الزواج، أو خوف أن يصاب بالعجز الجنسي - مثلاً -، وعدم القدرة على معاملة الزوجة، قد يحمّل الإنسان أو يولد عنده وضعاً نفسياً غير سوي، يحتاج إلى تدارك ومعالجة، ليكون وضعاً طبيعياً. فالهم يتعلق بالمستقبل، وهو ما نعبر عنه بالقلق العصابي. - يخاف عندما يريد أن يتزوج. - يخاف عندما يريد أن يتخرج، أين يوظف؟ - يخاف عندما يريد أن يسافر. أما الفوبيا، أو الخوف المرضي فهو ما يتعلق بالحاضر وهو ما يعبر عنه بالغم. فيكون الإنسان - مثلاً - مهموماً مغموماً ضيق الصدر من أشياء واقعة مثل ما أشرنا لبعض أنواع المخاوف الحالية، فهو يخاف من أشياء حاضرة لا يبرر الواقع الخوف منها. الغربيون يخافون من الإسلام، وخصوصاً دوائر الإعلام والدراسات والمراكز وغيرها. فيسمى بعض الدارسين خوف الغرب من الإسلام: «فوبيا الإسلام». أي: الخوف المرضي من الإسلام. لأن الواقع أن الإسلام دين صحيح قوي وصلب، ومقاوم. لكن واقع الأمة الإسلامية لا يوجب خوف الغرب خوفاً مسعوراً من الإسلام. وإنما هذا الخوف يعتبره بعضهم نوعاً من الفوبيا. أي: المبالغة في الخوف. وقد تكون هذه المبالغة مقصودة من أجل صنع عدو للغرب، كما كانت الشيوعية عدواً للغرب في فترة من الفترات. يمكن أن نقول: - في بعض الأحيان - إن خوف المسلمين من الغرب فيه شيء من هذه الفوبيا إلى حد ما! إن الإسلام دين قوي وراسخ وصلب، وقد تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظ هذا الدين: {إنَّا نّحًنٍ نّزَّلًنّا الذٌَكًرّ وّإنَّا لّهٍ لّحّافٌظٍونّ} «الحجر: 9». لم يجعل الله سبحانه وتعالى أمر حفظ الدين لي، ولا لك، ولا لزيد، ولا لعبيد، حتى ذكر الله عز وجل ان الرسول صلى الله عليه وسلم يموت، وقال لأصحابه: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} «آل عمران». فالدين لم يجعله الله سبحانه وتعالى مرهوناً بأحد الدين محفوظ، والأمة باقية إلى قيام الساعة، والشريعة خالدة، لا زوال لها، حتى يأذن الله سبحانه وتعالى. وقد أخبر الله عن ذلك وقال سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } «التوبة : 33». وفي الآية الأخرى: {وّكّفّى" بٌاللَّهٌ شّهٌيدْا } «الفتح: 28». وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن آخر هذه الأمة، وما جاء فيها من الخيرات والبركات، وما يجري الله سبحانه وتعالى على يد أبطالها ورجالها وأئمتها وزعمائها وعلمائها وقادتها من النصر والعز والتمكين. الغرب يضر، ولكن: {لّن يّضٍرٍَوكٍمً إلاَّ أّذْى } «آل عمران: 11». ونحن ينبغي أن يكون لدينا خوف مما يأتينا من الغرب، لكن هذا الخوف ينبغي أن يكون معتدلاً، لا يضعف بحيث نكون لقمة سائغة، ولا يزيد بحيث نصبح ضحايا هذا التخوف ونتيجة لذلك نملك التمييز بين النافع والضار، ولا نقع أسرى الرفض المطلق لكل شيء على اعتبار الشعور بالعجز الذاتي والاستهداف. من صور الخوف المرضي الهم، كما أشرت إليه. والمهموم تجده يستعيد همومه، ومتاعبه باستمرار، ويتذكرها لحظة لحظة، دون أن يصل إلى حل لهذه الهموم! وهذا تعب لا ينفع. ولذلك، قيل لبعض بني أمية: أين كنت يوم قتل عثمان رضي الله عنه؟ قال: شغلني الغضب له، عن الحزن عليه. المقصود: أنك أمام أمر واقع إن وقعت مصيبة أو نازلة! وهكذا! نحن نريد أن نقول لأنفسنا ولإخواننا: يجب أن يشغلنا الغضب للإسلام وللمسلمين عن الحزن عليهم، فإن تحولنا إلى مجرد نعاة وبكائين وأصحاب نياحة، فإن هذا لا ينفع شيئاً، ولا يغني شيئاً. هناك الوساوس العصبية التي تصيب الإنسان، وهي نوع من الخوف أياً كان، وربما لا يستطيع الإنسان السوي أن يفهم هذه الوساوس، وقد تؤثر على حياة الإنسان، على: - عبادته. - على تصرفاته. - على علاقته بزوجته بكثرة الشكوك مثلاً. - تقعده عن عمل الدنيا. - الشك في البيع، في الشراء. - الشك في الوضوء، في الطهارة، في الصلاة، في العبادة. - في سائر الأعمال، بل قد يصل إلى حد الشك في أمور الاعتقاد!! وهذا ليس شكاً حقيقياً، وإنما هي مخاوف، ووساوس نتيجة الحالة العصبية التي يعيشها الإنسان.