لقد فجعتُ كما فجع غيري ضحى يوم الاثنين الموافق لليوم الرابع عشر من شهر شوال عام 1422ه بوفاة علم من أعلام الخير، ورمز من رموز العطاء والبذل والسخاء، في وجوه الإنفاق على المساكين والفقراء، والأيتام والأرامل، والمحتاجين من الرجال والنساء، ألا وهو الرجل الوقور، والشيخ المتواضع، محمد بن سليمان اليحيى، نحسبه كذلك والله حسيبه، ولا نزكي على الله أحداً، ذلكم الرجل هو أحد أعيان بلدة أشيقر، وأحد مؤسسي شركة الحصيني واليحيى التجارية. إن الشيخ محمد اليحيى عليه رحمة الله يشهد له كل من يعرفه بحرصه على مدّ يد العون والمساعدة لكل أحد يعلم أنه مستحقّ، وقلّ أن يأتي إليه سائل في حاجة تستدعي المساعدة لأي عمل خيري إلا وبادر بالمساهمة وبسخاء، سواء الجمعيات الخيرية، أو مكاتب الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات، أو بناء المساجد، أو المرافق المفيدة، فكم من مسجد بناه في الرياض محل سكناه، أو أشيقر بلده الذي نشأ فيه، بل العديد من البلدان الأخرى، كما أن له مساعدات للمقبلين على الزواج، أو بناء المساكن، وغير ذلك من وجوه البر والإحسان، يصدق فيه إن شاء الله قول الحق سبحانه: {پَّذٌينّ يٍنفٌقٍونّ أّمًوّالّهٍمٍ \بًتٌغّاءّ مّرًضّاتٌ پلَّهٌ} الآية، وأن يلقب بالتاجر الصدوق، نعم جعل رحمه الله المال في يده لا في قلبه، إنه ينفق وينفق، وينفق نفقة من لا يخشى من ذي العرش إقلالا، حريّ بأن ينطبق عليه قول الشاعر: هو البحر من أي النواحي أتيته فلجَّته المعروف والجُود ساحله ولقد كان - رحمه الله - رجلا ذا وقار وسمت، وخلق جمّ، وجبين مفتل، ووجه صبوح مضيء بضياء الإيمان، ونفس أبية زكية سخية، كذلك نحسبه والله حسيبه، ولا نزكي على الله أحدا. ولقد كان - رحمه الله - محبا للعلم والعلماء وطلاب العلم، حريصا على الاجتماع بهم، وكثيراً ما يحضر مجلسه عدد من طلبة العلم والمشايخ، وله علاقة وطيدة بسماحة الوالد الشيخ عبدالعزيز بن باز طيب الله ثراهما جميعا وجمعنا بهم في مستقر رحمته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، بل كان الشيخ ابن باز - رحمه الله - أحد جيرانه من الذين يحبونه ويقدرونه. والشيخ محمد - رحمه الله - جعل الله له محبة في القلوب بان أثرها حين ألمَّ به المرض، فما يمر له ذكر إلا ونحن نسمع اللهج وبشدة في الدعاء له بالشفاء، ولما توفيَّ - عليه رحمة الله - انهالت جموع المصلين على مسجد سوق الخضار «بعتيقة» حين علموا أنه سيُصلى عليه هناك، وصلى عليه عدد كثير من المشايخ وطلبة العلم والأعيان والوجهاء، وتقدم المصلين فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عضو هيئة كبار العلماء، وذلك بعدما استأذن من إمام المسجد، وشيع جنازته أعداد هائلة امتلأت بهم في ذلك اليوم مقبرة جنوبالرياض، وأمَّ داره للعزاء أعداد غفيرة من المشايخ وطلبة العلم والوجهاء وغيرهم، بل أناس مرضى ومن كبار السن والمقعدين. تغمد الله الفقيد برحمته وأسكنه فسيح جنته، وأنزل على أهله وذويه ومحبّيه الصبر والسلوان، وجعل في عقبه من الذرية الخير والبركة، وإن شاء الله انهم خير خلف لخير سلف، وبحمد الله إن جفّ هذا المنبع فهناك منبع ثر على الأثر ألا وهم من عايشوا فقيدنا الغالي من ذويه، وعلى رأسهم شقيقه ومحاكيه، فيما أوتيه من بذل وسخاء أخوه عبدالله، أمدّ الله في عمره، وأثابه على ما أعطى، وبارك له فيما أبقى، ونفع به العباد والبلاد، وسدّد خطاه، وكذلك خاله حمد الحصيني، المنفق السخي وأولاده، وأولاد أخيه عثمان رحمه الله، الكل له اليد الطولى في الخير، بل ذرية فقيدنا وهم: عبدالرحمن، وحمد، وسليمان، وسعد، ما هم الا فروع لتلك الشجرة الطيبة: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}،ومنهجها ومسلكها واحد ان شاء الله. وما نملك إلا أن نقول: إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك يا شيخ محمد لمحزونون، وما نقول إلا ما يرضي ربنا: { إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}. * إمام وخطيب جامع الإمام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - نائب رئيس الجمعية الخيرية بأشيقر