عبر ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز عن رأيه في السياسة الخارجية الأمريكية لعدد من الوزراء والسفراء في جلسة خاصة فقال:«إن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تتسم بالجنون الكامل» ولذلك تعمد ولي عهد بريطانيا الامتناع عن زيارة الولاياتالمتحدة منذ ست سنوات. وذكرت صحيفة «الجارديان» البريطانية أن ولي العهد ينتقد السياسة الأمريكية في النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين.. وقد رددت وراءه شعوب أوروبا كلها في غضبة هي الأولى من نوعها أن إسرائيل هي الدولة الأخطر على السلام العالمي في استطلاع شمل معظم أنحاء القارة العجوز، قال فيه 59% من المستطلعين «7515 شخصاً» إن إسرائيل هي الأخطر وليست الدول الخمس عشرة التي شملها الاستطلاع.. على الرغم من أن إسرائيل هي الدولة التي أدرجت عشوائياً على القائمة.. فكان هذا الإحساس الأوروبي الذي يعبر عن وعي عميق بخطر الدولة العبرية. وهذا يعني أن الموقف الأوروبي قيادة وشعباً رفض حملات التعبئة للرأي العام العالمي الموجهة ضد دول «محور الشر».. ووضعت أيديها على الخطر الحقيقي وليس المزيف الذي تروج له الآلة الإعلامية الأمريكية والصهيونية من أن إسرائيل فيما ترتكبه من جرائم بحق الإنسانية هي للدفاع عن نفسها.. وتصوير المقاومة الفلسطينية على أنها إرهاب في حالة من قلب الحقائق وتزييف الواقع، لكن وعي الشعوب أكبر من التضليل الإعلامي، وما يرونه ويشاهدونه على شاشات التلفزة من جرائم إسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل رسخت في وعيهم أن الخطر قادم من هذه الفئة التي تحتل الأرض وتمارس سياسات التضليل وأمريكا تدافع عنها بالباطل وتبرر سياسات القتل والقمع والجرائم ضد الإنسانية.. لذلك كانت نتيجة الاستطلاع جرس إنذار لمخططي الاستراتيجيات الأمريكية ليروا أن أهدافهم ذهبت سدى وأن الأفكار المبررة للأخطاء طريقها الطبيعي أدراج الرياح.. وكلمة ولي العهد البريطاني «إنها سياسة تتسم بالجنون الكامل» كلمة حق جاءت في وقتها.. خاصة بعد أن عاد الرئيس الأمريكي من زيارته الخاطفة والسرية للعراق التي حاول من خلالها حفظ ماء وجهه بعد الضربات المتلاحقة التي يجنيها من جراء احتلال العراق دون سند شرعي أو مبرر قانوني وأخلاقي يستدعي ذلك. لكن زيارته للأسف ردت عليه، فكيف يمكن لرئيس أكبر دولة في العالم أن يخرج من دولته في سرية تامة ويخرج من الباب الخلفي للمطار في تكساس ويحط في مطار بغداد الذي أظلمت أنواره تماما والتقى بنفر من قواته اجتمعوا في خيمة بجوار المطار؟ هل مثل هذه الزيارة يمكن أن تكون حافزاً لجنوده؟ كما أعلن ذلك وترفع من معنوياتهم المنهارة بفعل قوة المقاومة العراقية وضرباتها المتلاحقة؟ كيف ترتفع معنويات جندي وهو يرى بأم عينيه رئيسه يأتي في طائرة معتمة أنوارها ومغلقة كافة نوافذها وتوقفت في نهاية ممر المطار وليس أمام محطة وصول الركاب؟ ويأتي اليهم في خيمة مجاورة للمطار حتى لا يسير في شوارع بغداد التي قال إنه حررها والشعب العراقي يتمتع الآن بحريته ويريد تطبيق التجربة على كل دول الشرق الأوسط.. ويرتدي معطفاً وقبعة البايسبول التي غطت عينيه؟! هل صورة رئيس مرتجف يتخفى في ظلام الليل تستطيع أن ترفع معنويات جنوده أو تجيب عن تساؤلاتهم؟ لماذا نحن هنا نغتصب أرضاً ليست أرضنا ونقتل شعباً لم يبادر بعدائنا؟ وإذا كنا حررنا هذا الشعب - كما تزعم - لماذا كل هذا التخفي بسرية الزيارة وعتمة المطار والطائرة والاختفاء في ملابس غير رسمية لرئيس البلاد؟! المعارضون لزيارة بوش للعراق قالوا إنها عمل دعائي مكشوف لتحسين أرقام استطلاعات الرأي العام التي لا تتوقف عن الهبوط نظير سياساته الخارجية «المجنونة حسب تعبير ولي عهد بريطانيا».. كما أنها جاءت رداً على الزيارة الفاشلة لبريطانيا التي استقبله فيها 200 ألف بريطاني يرفضون زيارته بعد احتلال العراق دون مبرر أخلاقي وقالوا له: لا نرحب بك في بلادنا!! الرئيس الأمريكي يجني الفشل إثر الفشل بعد أن ركب دماغه وضرب بالقانون الدولي وبقرارات مجلس الأمن عرض الحائط في سابقة دولية غير معهودة وأطاح بسلطة شرعية واحتل دولة عضواً في الأممالمتحدة، وقد رد عليه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جورج شولتز في اطار دفاع بوش الشرس عن مبدأ الحرب الوقائية حيث قال شولتز:«ليس هناك قانون في أي بلد من بلدان العالم التي أعرفها يؤيد القتل الوقائي. ولا يسمح القانون الدولي بالحروب الوقائية»!! لذلك كانت ورطة ما بعدها ورطة فقد شعر بوش بعد تجاوز عدد القتلى من الجنود الأمريكان حاجز ال 134 «عدد الجنود الذين قتلوا أثناء الحرب على العراق» بأن الأمور تمضي من سيىء إلى أسوأ، وبدأت الأصوات داخل الولاياتالمتحدة تتعالى وتطالب بسرعة انسحاب القوات الأمريكية وتسليم السلطة للعراقيين ووقف نزيف الدم الأمريكي الذي رخص ثمنه بعد هذه المغامرة غير المحسوبة. كما يعاني بوش من عقدة الرقم «134» الذي تجاوز عدد القتلى الأمريكان في العراق منذ إعلان ايقاف الحرب.. وبدأت التساؤلات والتحليلات تحاصره وتقول: إذا كانت الادارة الأمريكية دأبت منذ حقبة على ترسيخ مفهوم الاستمتاع بالحياة والتلذذ بها كمفهوم حياتي عام في الأوساط الأمريكية، فلماذا تلقي الإدارة الأمريكية بمائة وعشرين ألف جندي يكابدون المعاناة والقتل ولسان حالهم يتساءل: أين هي حياة الاستمتاع والتلذذ الذي رسختموها في ضمائرنا على أرض العراق؟! لم نجد إلا القتل والعنف وحياة الضنك فلا نستطيع التكيف معها أو تغيير المفاهيم الراسخة في عقولنا من أجل تحقيق أهداف ومخططات لم تتجاوز عقول صناعها؟! بوش وإدارته يعيشان أسوأ أيام حياتهما هذه الآونة، ووجدا نفسيهما في مأزق حقيقي بعد تصاعد المقاومة العراقية وبعد تجاوز عدد القتلى الرقم العقدة «134» والتناقض الذي يعيشه الجندي الأمريكي بين حياة المتعة في الحياة داخل الولاياتالمتحدة وحياة الضنك على أرض العراق. واكتشف الأمريكان أن هناك خطأ حقيقياً يعيشونه الآن، فهو إما يكون في السياسات والاستراتيجيات التي وضعت من أجل تحقيق الإمبراطورية الأمريكية، وإما في المفاهيم والفلسفات التي تسود ثقافتنا، أو في الاثنتين معاً.