أمر كريم، من رب العزة والجلال، لخليل الرحمن ابراهيم عليه السلام ، بعد ما انتهى من عمارة بيت الله الحرام في مكة، بأن يؤذن في الناس بالحج، ويدعوهم إلى بيت الله الحرام، طاعة لله، واستجابة لأمره بقوله الكريم:وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام,, الآيات (الحج2730). جاء في كتب التفسير ، آثار عديدة، كلها تبيّن مكانة الحج منذ آدم حتى يرث الله الأرض ومن عليها, وأهمية المسارعة لأداء هذا الركن المكين من أركان دين الاسلام، وان هذا الركن الاسلامي، قد فرض على الأمم من قبلنا كما فرض علينا، لان دين الله واحد، ولأن أنبياء الله كلهم حجوا بيت الله الحرام, فقد أخرج ابن ابي شيبة في المصنف، وابن جرير وابن المنذر، وابن ابي حاتم والحاكم وصححه والبيهقيّ في سننه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال: ربّ قد فرغت, فقال:أذن في الناس بالحج , فقال: ربّ وما يبلغ صوتي؟, قال: أذّن وعليّ البلاغ، فصعد أبا قبيس فوضع أصبعيه في أذنيه، ثم نادى: يا أيها الناس، إن الله قد كتب عليكم الحج، إلى البيت العتيق، فأجيبوا ربكم، فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال، وأرحام النساء، وأول من أجابه أهل اليمن، فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة، إلا من كان أجاب ابراهيم عليه السلام يومئذ. وفي رواية ابن جبير: لما فرغ ابراهيم من بناء البيت، أوحى الله إليه: أن أذن في الناس بالحج فخرج فنادى في الناس: يا أيها الناس، إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجّوه, فلم يسمعه حينئذ من إنس ولا جنّ ولا شجرة ولا أكمة ولا تراب، ولا جبل ولا ماء ولا شيء، الا قال: لبيك اللهم لبيك، وقد علّم الله ابراهيم عليه السلام مناسك الحج، عن طريق جبريل عليه السلام, فقد روى سعيد بن المسيب عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه قال: لما فرغ ابراهيم من بنائه البيت، قال: قد فعلت ياربّ، فأرنا مناسكنا؟, أبرزها لنا، وعلمناها، فبعث الله جبريل عليه السلام فحج به، حتى إذا رأى عرفة، قال: قد عرفت، وكان قد أتاها قبل ذلك مرّة، قال:فلذلك سميت عرفة، حتى إذا كان يوم النحر، عرض له الشيطان، فقال: أحصب, فحصبه بسبع حصيات، ثم اليوم الثاني والثالث، فسدّ مابين الجبلين يعني ابليس فلذلك كان رمي الجمار، قال: اعل على ثبير، فعلاه فنادى: يا عباد الله أجيبوا الله، ياعباد الله أطيعوا الله فسمع دعوته من بين الأبحر السبع، ممن كان في قلبه مثقال ذرة من الايمان، فهي التي اعطى الله ابراهيم، في المناسك ،قوله: لبيك اللهم لبيك، ولم يزل على وجه الارض سبعة مسلمون فصاعداً, فلولا ذلك هلكت الارض ومن عليها. ان استجابة المسلمين لحج بيت الله الحرام في كل عام, بأعداد كبيرة، وأفواج من سائر اقطار الدنيا, رجالاً وركباناً، يأتون من كل فج عميق، إنما يحدوهم الإيمان، يدفعهم تلبية واستجابة، الرغبة في اداء ما فرض الله عليهم من تأدية لهذا الواجب العظيم ولله على الناس حج البيت، من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين (97آل عمران). فالناس يأتوك في استجابتهم مردّدين: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك, أي جئنا سراعاً بعد ان تيسّرت لنا نفقة الحج، وتيسّرت اسبابه، وهيأ الله لحماية بيتك والقيام عليه حكومة اسلامية تخدمه وتهتم بشؤونه، وترعى مصالح قاصديه: أمناً وسلامة طريق، وراحة وخدمات متعددة، وتوسعة للمسجد الحرام، ورعاية للمشاعر المقدسة,. فلا عذر لنا يارب: فأتيناك استجابة بعد استجابة، وطاعة تلو الطاعة، مستجيبين لأمرك، ومتّبعين لسنة رسولك صلى الله عليه وسلم,, نرجو رحمتك، ونخشى عقابك. لم يكن عدد الوافدين لبيت الله الحرام في سابق الازمان، بمثل العدد كثرة ومسارعة، مثل ماهو الحال في هذه الأزمنة، حيث يتكاثر عددهم عاماً بعد عام، منذ أن فتحت مكة والمدينة قلبيهما ورحب اهلهما بمقدم الملك عبدالعزيز، ملكاً توحّدت به البلاد، وفرح بمقدمه المسلمون في كل عام,. وما ذلك الا انهم كانوا يعانون الأمرّين في أداء هذه الشعيرة، من كافة الوجوه، ويعتبر من يعود إلى بلده سليماً كالخارج من لجّة البحر، الذي يقال فيه: داخله مفقود، والخارج منه مولود. لقد شعروا بالأمان على انفسهم وأموالهم، وشعروا بالاطمئنان وهم يؤدون واجبهم منذ السنة الاولى لتسلّم الملك زمام الامور في الحجاز، فكان نعمة من الله ساقها للمسلمين، وكان حريصاً على المحافظة على حجاج بيت الله الحرام، وزائري مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأمين ما يريحهم منذ تطأ اقدامهم أرض هذه البلاد، حتى يغادروها لبلادهم, وهم يحملون الذكر الحسن، والبشرى لبني جلدتهم,, وكان من معالم ذلك ان برزت الآثار بتكاثرهم عاماً بعد عام,, مما حدا بعبد العزيز رحمه الله ثم بنيه من بعده، واحداً بعد الآخر، إلى الاهتمام بالمسجدين الشريفين والمشاعر المقدسة، وبالمدينتين اللتين لهما مكانة في قلوب المسلمين في مشارق الارض ومغاربها: مكةالمكرمة والمدينة المنورة. فكان الإصلاح، وكان التعمير، وكانت الخدمات العديدة بمرافقها ومتطلباتها، تزداد عاماً بعد عام يرى هذا كل حاج، ووافد الى الديار المقدسة، ويدرك الجهد كل من اعاد الكرة في حجة او زيارته, فهم شهود عيان تكبر في أعينهم الاعمال المقدمة للحرمين الشريفين، وتتمكن من أفئدتهم المشاريع التي تخدم الحاج اينما اتجه. كل هذا من أجل خدمة ضيوف الرحمن الذين وفدوا من اصقاع الارض، على اختلاف اجناسهم ولغاتهم، جاؤوا ركباناً ورجالاً، قادمين من كل فج عميق، ليشهدوا في مكة وما حولها من اماكن ومشاعر، منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات، وفدوا مستجيبين ليكبّروا ربّهم ويعظّموه، خلال ايام الحج، حيث بدأوا بالتلبية استجابة لله جل وعلا قولاً لسانياً، وتحركاً فعليا، ليؤدوا ماجاؤوا من أجله وهم بملابس الإحرام متجرّدين من زينة الحياة الدنيا, ومتوحّدين في مظهرهم وزيّهم، في مشهد يذكّرهم بمشهد من مشاهد يوم القيامة: إحراماً، وتواضعاً وخشوعاً ورقّة قلوب: رغبة فيما عند الله وطمعاً في رضاه وجنته. تتحرك هذه الجموع المستجيبة من موقع الى موقع، متّحدة في الهدف، وحريصة على حسن المقصد في المسيرة حيث تراهم العين متحدين في اللباس الابيض، حاسري الرؤوس ذلّة وصغاراً أمام الله, تاركين للزينة وأسبابها, منتظمين في مسيرتهم، دون ان يحتاجوا لقائد يدربهم ويوجههم,. لقد بدأوا بالإحرام من الميقات بالغسل والتهيؤ، ولبس الاحرام الموحّدومدة الطريق وهم يرفعون الاصوات بالتلبية ويرددون الادعية لله بأن يغفر لهم، وأن يقبل حجهم وسائر اعمالهم، وبعد وصولهم مكة يطوفون ببيت الله الذي كانت تحيتهم له ساعة وصولهم طواف القدوم بالكعبة المشرفة سبعة اشواط,, واستكمال مناسك العمرة في بيت الله الحرام، الذي جعله الله مثابة للناس وأمناً، فعلاوة على أنهم يتجهون في حجهم وعمرتهم الى بيت الله فإنهم قد ألفوا الاتجاه اليه وهم في بلادهم في عباداتهم، بقلوبهم وأجسامهم ونياتهم، في كل وقت من أوقات صلواتهم الخمس في اليوم والليلة استجابة لأمر الله جل وعلا، في قوله الكريم: وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره أي جهته (144 البقرة). وهكذا يسيرون في حجهم وعمرتهم، بانتظام وطواعية، لما اخذوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم علماً طبقوه عبادة وعملاً حيث قال المصطفى عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع خذوا عني مناسككم ، ويقول عليه الصلاة والسلام عن الصلاة :صلوا كما رأيتموني أصلي , فها هم بعد أن طافوا بالكعبة عند قدومهم سبعة اشواط، وأدّوا بعدها ركعتي الطواف يتجّهون للصفا، ليسعوا بين الصفا والمروة سبع مرات، حيث تكمل بذلك عمرتهم بعد الحلق او التقصير,, والتقصير لمن يريد الحج افضل، حتى يؤخر الحلق بعد رمي جمرة العقبة في يوم العيد. والعمرة قال عنها بعض العلماء انها الحج الاصغر، حيث يتحلّل منها الحاج، حتى يأتي اليوم الثامن، ليقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى منى بعد الإحرام، وإن احرم في منى او اجّله الى يوم عرفة فلا بأس ، لكنه ترك السنة التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعملها في حجة الوداع. فالحج الذي يسير فيه المسلم خطوة خطوة ، هو نظام وارتباط، اكثر صلة بالنفس، وحرصاً عليه من اي نظام دنيويّ، والعلماء الذين حمّلهم الله امانة التبليغ، يحرصون على بيان الاحكام وتحديد المواقيت وأعمال كل مشعر من المشاعر، وما يجب على الحاج ان يعمله في كل موقف: هيئة وعملاً، وتحديداً وتتابعاً، حتى يسير الحاج في أعماله التعبدية كما يجب، بدون خلل او نقصان. فلايصح أن يقدم الوقوف بعرفة عن يومه المحدّد، وهو اليوم التاسع، من ذي الحجة، ولايصح ان يخرج من عرفات قبل غروب الشمس، ولايقدّم المبيت بمزدلفة على الوقوف بعرفة، لان وقته بعد الخروج من عرفة مساء يوم تسعة، يصلي الحاج المغرب والعشاء في مزدلفة جمعاً وقصراً، ويبيت فيها حتى يسفر جداً بعد صلاة الفجر، إلا أنه قد رخص للضعفة من النساء والعجائز وغيرهم وذويهم بالانصراف إلى منى بعد منتصف الليل، ولا يجوز المبيت في غير منى ايام التشريق، الا لمن لم يجد مكانا لأن الله يقول: فاتقوا الله ما استطعتم . ذلك ان الحجاج الذين التأم شملهم في هذه البقاع الطاهرة، إنما جاؤوا لأداء العبادة كاملة، ولذا يجب عليهم سؤال العلماء الذين بثتهم الحكومة السعودية في العديد من الاماكن والمواقيت، عن كل ما يجهلون من احكام الحج، كما يجب عليهم التقيّد بالامكنة والأزمنة التي هي من مشاعر الحج، ومرّ بها أبو الانبياء ابراهيم الخليل عليه السلام وابنه اسماعيل في حجهما بعد بناء البيت الحرام. والحجاج ها هم اليوم يسيرون في حجهم متأسِّين برسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما حج وحج معه المسلمون في حجة الوداع حيث اتجه عليه الصلاة والسلام من اليوم الثامن الى منى ملبياً بالحج، ومن هذا اتفق العلماء على انه يسن للمحلين بعمرة، ومن بمكة او قربها: الإحرام بالحج يوم التروية، وهو الثامن من ذي الحجة سمي بذلك لان الناس يتروون فيه الماء لحاجتهم، ونحن الآن نحمد الله في زماننا ان كفينا مشقة التروية في حمل المياه وتجميعها، لما عملته الحكومة وفقها الله وأعانها بالبطانة الصالحة الناصحة، من جهود في توفير المياه وتوزيعها على الحجاج في مساكنهم بدون مشقة في منى وعرفة، وفي مزدلفة وداخل مكة، وبكميات وافرة عذبة منقّاة، حيث يجب مع هذا، تفرغ الحجاج للعبادة والذكر، وشهود المنافع التي ذكرها الله في كتابه الكريم,,ليشهدوا منافع لهم . ويسن ان يكون احرام الحاج في ذلك اليوم، قبل الزوال، حيث يصلي الظهر بمنى مع الإمام، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ان حدد المواقيت :ومن كان منزله دون الميقات فمهله من أهله، حتى اهل مكة يهلّون من مكة , قال ابن القيم رحمه الله: وأحرم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من منازلهم، ومكة خلف ظهورهم، ولم يدخلوا المسجد ليحرموا منه. ويستحب للحاج، ان يفعل عند احرامه بالحج من داخل مكة، ما يفعله عند الاحرام من الميقات: من الغسل والتنظّف، والتجرّد من المخيط، واجتناب محظوارت الاحرام التسعة وهي: حلق الشعر من جميع البدن بدون عذر، وتقليم الاظافر، او قصها من يد أو رجل بلا عذر، وتغطية الرأس للذكر دون المرأة، ولبس المخيط، واجتناب الطيب، وقتل صيد البرّ واصطياده، وعقد النكاح، لأن المحرم لا ينكح ولا يُنكح كما في الحديث، واجتناب الوطء،وقد فسر ابن عباس: الرفث بالجماع,, وكذا المباشرة دون الفرج والفرق بين هذا وما قبله: ان الجماع يفسد الحج مع الجزاء والإعادة من قابل، ولذا يرى بعض العلماء، التفريق بين الزوجين في الحج القابل، حتى تنتهي مشاعر الحج، والمباشرة دون الفرج، لا تفسد الحج، لكن فيها الجزاء، فإن انزل فبدنة،وإن لم ينزل فشاة، وتوسّع في ذلك ، وفصّل صاحب حاشية الروض المربع (4:38): وإحرام المرأة كالرجل، إلا في لباس المخيط، وتغطية الرأس،وتجنب البرقع والقفّازين، وتغطية الوجه الا عند مرورها بالرجال، او مرورهم بها. وفي اليوم التاسع يخرج الحاج من منى الى عرفة، حيث يجتمع شمل المسلمين في صعيد عرفات، في مشهد يقرّب مشاهد القيامة وحشر الناس لرب العالمين، ويجب ان يراعي الحاج حدود عرفة، فيبتعد عن بطن عرنة، لأنها ليست موقف بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:عرفات كلها موقف وارفعوا عن بطن عرنة , ويصلي الحاج في عرفة الظهر والعصر جمعاً وقصراً بأذان واحد وإقامتين، ويحسن بالحاج الاكثار من الدعاء والضراعة الى الله سبحانه في ذلك اليوم الذي يباهي الله بعباده ملائكته، ويشهدهم انه غفر لهم، فما يرى عدوّ الله ابليس في موقف بأخزى منه، وأحقر من يوم عرفة، حيث يحثو على نفسه التراب لما يرى من الرحمات التي ينزلها الله على عباده، لأنه يوم تسكب فيه العبرات، وتقال العثرات، وتغفر الذنوب. رؤيا أفزعت كسرى: جاء في كتاب الوفا بأحوال المصطفى لابن الجوزي: أنه لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ارتجس ايوان كسرى، وسقطت منه اربع عشرة شرفة، وغاصت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك، بألف عام، ورأى الموبذان، قاضي قضاة المجوس إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها, فلما اصبح كسرى افزعه ما رأى ، فصبر عليه تشجّعاً، ثم رأى ألا يكتم ذلك وزراءه ومرازبته. فلبس تاجه، وقعد على سريره، وجمعهم اليه، فلما اجتمعوا عنده قال: أتدرون فيم بعثت اليكم؟ قالوا: لا إلاّ أن يخبرنا الملك, فبينما هم كذلك، ورد عليهم كتاب بخمود النيران، فازداد غماً الى غمه, فقال الموبذان: وأنا اصلح الله الملك، قد رأيت في هذه الليلة رؤيا، وقص عليه الرؤيا في الابل,, فقال كسرى: أي شيء يكون هذا ياموبذان؟ قال: حادث يكون من عند العرب، فكتب عند ذلك: من كسرى ملك الملوك، الى النعمان بن المنذر أما بعد فوجّه الي رجلاً عالماً بما أريد ان اسأله عنه, فوجّه اليه عبدالمسيح بن عمرو بن حيّان بن بقيلة الغسّاني,, فلما قدم عليه قال له: هل عندك علم بما اريد ان أسالك عنه؟, قال: ليخبرني الملك عما أحبّ، فإن كان عندي منه علم وإلا اخبرته بمن يعلمه. فأخبره بما رأى فقال: علم ذلك عند خالٍ لي، يسكن مشارف الشام, يقال له سطيح, قال: فاته فاسأله عما سألتك عنه، وائتني بجوابه, فركب عبد المسيح راحلته حتى قدم على سطيح، وقد اشفى على الموت، فسلم عليه وحيّاه فلم يحر جواباً فانشأ عبدالمسيح بالقول: أصمَّ أم يسمع غطريفُ اليمن أم فاد فازلم به شأوالعنن يا فاصل الخطة اعتب مَن ومَن اتاك شيخ الحي من آل سنن وأمه من آل ذئب بن حجن ابيض فضفاض الرداءوالبدن رسولُ قيل العجم يسري للوسن لايرهب الوغد ولاريب الزمن فلما سمع سطيح شعره،رفع رأسه وقال: عبد المسيح، على جمل شيح اتى الى سطيح، وقد اوفى على ضريح، بعثك ملك بني ساسان ،لارتجاس الايوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، رأى ابلاً صعاباً، تقود خيلاً عراباً، قد قطعت دجلة، وانتشرت في بلادها. ياعبدالمسيح، اذا كثرت التلاوة،وبعث صاحب الهراوة، وفاض وادي السماوة ، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، فليست الشام لسطيح بشام، يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات، وكل ماهو آت، آت,. ثم قضى سطيح مكانه، فثار عبدالمسيح الى راحلته قافلاً، فلما قدم عبدالمسيح على كسرى، اخبره بقول سطيح فقال: إلى أن يملك منا اربعة عشر، قد كانت امور، فملك منهم عشرة، في اربع سنين، وملك الباقون الى خلافة عثمان رضي الله عنه. وكان سطيح لحماً على وضم، لم يكن فيه عظم ولا عصب، الا الجمجمة والكفين، ويُطوى من ترقوته الى رجليه، كما يطوى الثوب، ولم يكن منه شيء يتحرك الا لسانه، وكان يحمل على وضمة, (الوفاء بأحوال المصطفى: 165168)