خلال سبعة أيام مضت، دارفي فضائية المستقلة، حوار حول الوهابية، والصراع بين الحق والباطل قديم، ولن يتوقف، لأن أصحاب البدع يطلقون نعوتاً عديدة، على من ينكر عليهم، وحديثاً أطلقوا الوهابية تنفيراً من العقيدة الصحيحة، وتثبيتاً لبدعهم، وألبسوها أثواباً مستعارة، يكتوي بهذا كل سلفي في العالم، ويكفيني نموذج واحد في شمال أفريقيا،إذ في العدد الثالث من صحيفة الصراط التي تصدرها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين برئاسة عبدالحميد بن باديس الصادر في 5/6/1352ه أي منذ 71 عاماً، كتب وزير المعارف بالمغرب الأقصى دفاعاً عن السلفيين، وكانوا في ذلك الوقت يسمون كل سلفي وهابياً.. وكانت هذه الصحيفة تدافع عن السلفيين، وفي صراع مع أهل البدع والصوفية، فقال الوزير المغربي: أبو عبدالله محمد بن عبدالوهاب التميمي النجدي، إمام الوهابية والزعيم الأكبر، ولد في العيينة من اقاليم العارض بنجد عام 1106ه وتربى في حجر والده، ثم انتقل إلى البصرة لإتمام دراسته، فبرع في علوم الدين واللسان، وفاق الأقران، واشتهر هنالك بالتقوى والصدق والتدين. عقيدته السنّة الخالصة، على مذهب السلف المتمسكين بمحض القرآن والسنّة، لا يخوض في التأويل والفلسفة ولا يدخلها في عقيدته، وفي الفروع مذهبه حنبلي، غير جامد على تقليد الإمام أحمد ولا من دونه، بل إن وجد دليلاً أخذ به، وترك أقوال المذهب، فهو مستقل الفكر في العقيدة والفروع معاً، كان قوي الحال، ذا نفوذ شخصي، وتأثير نفسي، على أتباعه يتفانون في امتثال أوامره غير هيّاب ولا وجل، لذلك كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وقد بدأ دعوته عند عشيرته في البصرة، فتآمروا على قتله، ففر إلى العيينة، اجتذب قلوب قبيلته، بالوعظ والإنذار، والحجة ووضوح المحجة، فالتفوا حوله، وقوي حزبه، وأصبح من الزعماء، لكن لم يخل من أضداد، كما هو الشأن فنسبوا إليه قتل امرأة ظلماً، فنفاه أمير الأحساء إلى الدرعية، وكان له بها أتباع أيضاً لشيوع مذهبه. فقبله أميرها محمد بن سعود، وأمره بنشر مبادئه التي أسسها الإمام أحمد بن تيمية الحراني، وأصهر إلى الأمير ابن سعود بابنته وهي أم الأمير عبدالعزيز بن محمد بن سعود، الذي ظهر بمظهر الناشر لمذهبه الناصر لفكره، وهو نبذ التعلق بالقبور وعدم نسبة التأثير في الكون للقبور. بل منع التوسل بالمخلوق وهدم الأضرحة التي تم تشييدها بسبب هذه الفكرة، وفصلت ذلك في رسالتي: «بيان مذهب الوهابية» وفي كتابي «برهان الحق» وأعظم خلاف بينهم وبين أهل السنّة هو مسألة التوسل، وتكفيرهم من يتوسل بالمخلوق، فالخلاف ليس في الحقيقة، في الأصول التي ينبني عليها التكفير، أو التبديع، وإنما هو في أمور ثابتة ثانوية، وأهمها هذه. ومن جملة مبادئهم التمسك بالسنّة وإلزام الناس بصلاة الجماعة، وترك الخمر وإقامة الحدود على متعاطيها، ومنعها كلياً في مملكتهم، بل منع شرب الدخان ونحوه مما هو من المنبهات، ومذهب أحمد بن حنبل مبني على سد الذرائع، كما لا يخفى، ونحو هذا من التشديدات، التي لا يراها المتساهلون أو المترخصون، وكل هذا لا يخالف السنّة. وهذا المذهب مؤسسه في الحقيقة ابن تيمية، ولكن حاز الشهرة محمد بن عبدالوهاب، وإليه نسبوه، حيث توفق لإظهاره بالفعل، ونشره بالقوة، وتمكن من إحلاله محلاً مقبولاً في قلوب النجديين الذين قاتلوا عليه، فأصبح ابن عبدالوهاب ذا شهرة طبَّقت العالم الإسلامي وغيره، معدوداً من الزعماء المؤسسين للمذاهب الكبرى، والمغيِّرين بفكرهم أفكار الأمم، ومن المصلحين والمجددين لنقاوة الإسلام، وأن ابن سعود توصل بنشر هذا المذهب لأمنيته، وهي الاستقلال، والتخلص من سيادة الأتراك. والنفس العربية ذات شمم، فقد بدأ أولاً بنشر المذهب، فجرّ وراءه قبائل نجد، وأكثرية عظيمة من سيوف العرب، إذ العرب لا تقوم لهم دولة إلا على دعوة دينية، ولما رأى الأتراك ذلك، ووقفوا على قصده، نشروا دعاية ضده في العالم الإسلامي العظيم، الذي كان تابعاً لهم، وشنع علماؤهم عليه بالمروق من الدين، وهدم مؤسساته، واستخفافهم بما هو معظم بالإجماع، كالأضرحة، وتكفير المسلم واستحلال دمه و إلى غير ذلك، مما يقف عليه القارىء في غير هذا، وشايعهم جمهور العلماء في تركيا والشام ومصر، والعراق، وغيرها.. وانتدبوا للرد عليهم بأقلامهم وخالفهم المولى سليمان سلطان المغرب، فارتضى مبادئه.. وغيره من سلاطين المغرب. حتى مدحه شاعره وأستاذه حمدون بن الحاج، وتوجهت القصيدة مع نجل الأمير المولى إبراهيم حين حج عام 1226ه مما تقف على ذلك في تارينا لأفريقيا الشمالية، منقولاً عن أبي القاسم الزياني، وغيره ثم حصحص الحق، وتبين أن المسألة سياسية لا دينية، فإن أهل الدين في الحقيقة متفقون على صحة وسلامة هذه الدعوة، وإنما السياسة نشرت جلبابها، وأرسلت ضبابها، وساعدتها الأقلام بفصاحتها فصارت هي ألغاز الخانق، فتجسمت وهي غير جسيمة، ولعبت السياسة دورها على مسرح أفكار ذهب رشدها، فسالت الدماء باسم الدين على غير خلاف ديني وإنما هو سياسي. وقد جردت تركيا له الكتائب فكسرها، واستولى على الحرمين الشريفين، وغيرهما من الأقطار الحجازية، فاستنجدت بأمير مصر محمد علي باشا، فجهز جيشاً عرمرماً تحت امرة ولده إبراهيم، فطردهم من الحرمين الشريفين، وأسر الأمير ابن سعود، وحصرهم ضمن بعض نجدهم، وتتبع ذلك في تواريخ الشرق، وعاد اليوم لهم ظهور وانتشار، ووقع التفاهم مع علماء الإسلام، وزالت غشاوة كل الأوهام، وعلم كل فريق ما هو حقّ، وما حاد فيه عن الطريق، وكادت ألا تبقى نفرة، بين علماء نجد وبقية علماء الآفاق، ولاسيما بوجود الملك عبدالعزيز آل سعود، ملك نجد والحجاز، وملحقاتها، هذا الملك الحالي الذي ظهرت له كفاءة تامة، ونصرة للسنة، بعد العهد بها، من لدن أهل الصدر الأول، مع حرص على الاعتدال في الأفكار، واهتمام بنشر الأمن، ووحدة الإسلام، والغيرة العربية والعدل في الأحكام، فهو في هذا الزمان، من أفذاذ ملوك الإسلام العظام، ذوي السياسة الإسلامية القويمة، والكعب المعلى في الصراحة والحزم، والشدة في الرفق والعزم قبل «الضيق». وهو حريص على السير على سنن السلف، بما شهد له به محبّو العدل.. أكثر الله في الإسلام أمثاله، وأطال عمره «الصراط العدد 2 ص 3، يوم الاثنين 5 جمادى الآخرة عام 1352ه قسنطينةالجزائر». وكان المستعمر يؤجج الخلافات بين المسلمين، فيوعز لأصحاب البدع والجهلة أن كل مسلم ملتزم بدينه فهو وهابي، حتى يكبر الخلاف بينهم، وتزداد النفرة، وينشغلوا عن المستعمر والدفاع عن دينهم، بالخلافات فيما بينهم، وهذا ما أدركه وزير المعارف بالمغرب الأقصى بهذه الكلمة، وعلّق رئيس التحرير قائلاً: كتب معالي الأستاذ الحجري فصلاً، قيماً عن الوهابية والوهابيين، أردنا أن نتحف به قراءنا، ليطلعوا على ما يقوله العلماء الأعلام في الوهابية، وعلى ما يتمنون لها من سعة الانتشار، ونحن ننشر هذا كردّ على لفظ المشاغبين المغرضين الذين يرموننا بأننا وهابية. فتح بيت المقدس ذكر ابن كثير في تاريخه، ضمن حوادث عام 15ه: أن أبا عبيدة لما فرغ من دمشق، كتب لأهل إيليا يدعوهم إلى الله، وإلى الإسلام أو يبذلون الجزية، أو يؤذنوا بحرب، فأبوا أن يجيبوا إلى ما دعاهم إليه، فركب إليهم في جنوده، واستخلف على دمشق سعيد بن زيد، ثم حاصر بيت المقدس وضيّق عليهم، حتى أجابوا إلى الصلح، بشرط أن يقدم إليهم، أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.. فكتب أبو عبيدة بذلك فاستشار عمر الناس، فأشار عثمان ألا يركب إليهم، ليكون أحقرلهم، وأشار علي بالمسير إليهم، ليكون أخف وطأة على المسلمين في حصارهم. فهوى ما قال علي، ولم يهو ما قال عثمان وسار بالجيوش نحوهم، واستخلف على المدينة علياً.. وسار بالجيوش نحوهم، والعباس على مقدمته. فلما وصل الشام تلقاه أبو عبيدة، ورؤوس الأمراء، ثم سار حتى صالح نصارى بيت المقدس، واشترط عليهم إجلاء الروم إلى ثلاث، ثم دخلها إذْ دخل المسجد من الباب الذي دخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، فصلى فيه تحية المسجد بمحراب داود، وصلى بالمسلمين فيه صلاة الغداة من الغد، فقرأ في الأولى بسورة «ص» وسجد فيها والمسلمون معه، وفي الثانية بسورة بني إسرائيل، ثم جاء إلى الصخرة، فاستدل على مكانها من كعب الأحبار، وأشار عليه كعب أن يجعل المسجد من ورائه، فقال: ضاهيت اليهود، ثم جعل المسجد في قبلي بيت المقدس، وهو العمري اليوم، ثم نقل التراب عن الصخرة في طرف ردائه وقبائه، ونقل المسلمون معه في ذلك. وقد كانت الروم جعلوا الصخرة مزبلة، لأنها قبلة اليهود، حتى ان المرأة كانت ترسل خرقة حيضها من داخل الحوز لتلقى في الصخرة، وذلك مكافأة لما كانت اليهود عاملت به القمامة، وهي المكان الذي كانت اليهود، صلبوا فيه المصلوب، فجعلوا يلقون على قبره القمامة، فلأجل ذلك سمي ذلك المكان القمامة، وقد انسحب هذا الاسم على الكنيسة التي بناها النصارى هنالك «البداية والنهاية 7: 69068».