اقترن الإرهاب - وهو إحدى صور التطرف الديني عبر العصور بالعنف الدموي وقد ازدادت خطورته واشتعلت جذوته في الأيام الاخيرة، ولعل الفرصة مازالت سانحة للدعوة الى حملة وطنية لمواجهة الفكر المتطرف، واذا ادركنا حقيقة ما نحن فيه وتوصلنا إلى جذور الاحداث التي نعيشها ونعانيها امكننا اتخاذ خطوات جادة وفورية على هذا الطريق الشاق والطويل. يقول الدكتور/ جلال الدين عبدالخالق والدكتور/ السيد رمضان في كتابهما عن الجريمة والانحراف لو اردنا تفسير مفهوم التطرف لوجدنا بأنه «الجناح فكراً وسلوكاً الى اقصى اليمين.. او الى اقصى طرف اليسار.. وهو ينشأ من التناقض في المصالح او القيم بين اطراف تكون على وعي وادراك لما يصدر منها مع توافر الرغبة لدى كل منهما للاستحواذ على موضع لا يتوافق بل وربما يتصادم مع رغبات الآخرين مما يؤدي الى استعمال العنف الذي يؤدي الى تدمير الجانب الحضاري في الكيان البشري». فالتطرف والتعصب والطائفية جميعها في اللغة تفرق ولا تجمع، وانعزال عن المجتمع، لا تفاعل مع حركة الحياة تلك الحياة التي من مقوماتها الاساسية أن تؤدي كل الموجودات مهمتها منها كما ارادها الله سبحانه وتعالى. وبذلك يتضح أن هناك عدة معالم وجب أن نقف عندها تحدد لنا ملامح التطرف واهمها ما يلي: 1- ينبت التطرف في التنظيمات التي يسود فيها نفاد الصبر وقصر النظر في كسب ثقة المواطنين بوسائل ديمقراطية. 2 يحاول الارهاب دائماً اخفاء اعماله الاجرامية بثياب وطنية او دينية. 3 لا تحسن التنظيمات الارهابية تقدير خطورة ردود الفعل الحكومية التي تدفع الى اتخاذ اجراءات قد تقلل من الحرية المتاحة للناس وتصيب هذه التنظيمات بأضرار وخسائر شديدة. 4- ينحسر الارهاب والتطرف عند مواجهته مواجهة حاسمة من كافة الطوائف وفئات المجتمع التي تتعرض للخطر الى جانب اجهزة الدولة. 5- عجز الارهاب مهما بلغت ضراوته عن هز قواعد الدولة ودليل ذلك فشله في إحداث اي تغيير بطلقات الرصاص او انفجار القنابل او القتل والترويع الذي قد يتعرض له الأبرياء. وهناك اشكال عديدة للتطرف في الاسلام فقد جاء في تصريح لفضيلة شيخ الازهر المرحوم الدكتور/ محمد عبدالرحمن بيصار ان مظاهر السلوك التي تسمى اليوم تطرفاً تنحصر في الامور التالية: 1- التسوية بين الفروض والسنن والمندوبات لا في التمسك بها ولكن في اطلاق الحكم الشرعي عليها ولا يحدث هذا إلا بحكم الجهل او سطحية المعرفة بأحكام الشرع او فقدان المنهج الفقهي الصحيح في تناول هذه الامور. 2- التسرع في جني ثمار الدعوة ومرجع ذلك شدة الشوق الى الرجوع الى الاسلام وهو شعور محمود ولكنه في نفس الوقت يتسم بالجهل بحركة التاريخ وقوانين التغير الاجتماعي والنفسي والجهل على وجه الخصوص بسيرة الدعاة وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وما انتجه في بناء الدين والمجتمع والدولة يقول الشيخ محمد الغزالي «ان الرسول صلى الله عليه وسلم ما فكر حتى في عمرة القضاء ان يمس وثناً من أوثان الكعبة وإنما هدمها في السنة الحادية والعشرين من بدء الدعوة، اما هؤلاء المتطرفون فيبغون الدعوة الى التوحيد في الصباح وشن حملة لتحطيم الاصنام في الاصيل والنتيجة لا محيص عنها مصارع متتابعة ومتاعب متلاحقة ونزق يحمل الاسلام مع مغارمة دون جدوى». 3- استعمال العنف عند رؤية المنكر. 4- الجرأة على تكفير العصاة او اخراجهم من دائرة الإيمان وهذان المظهران هما بيت الداء ومصدر القلق على مسيرة المجتمع والاسلام على السواء. وهنا نصل إلى دور الفرد نفسه طفلاً ومراهقاً وشاباً وكهلاً وشيخاً في الوقاية من التطرف وعلاجه: لقد لوحظ ان التطرف لا يتخذ شكلاً واحداً فقد يكون تطرفاً دينياً او مذهبياً او غير ذلك كأن يتخذ شكلاً لفظياً عقائدياً فقط وقد يتخذ شكلاً فعلياً عملياً كالاشتراك في اعمال التحريض او التخريب او المعارضة وفيما يتعلق بالدور الذي يتعين على الفرد القيام به حيال نفسه وحيال اسرته ووطنه ومجتمعه فإنه مطالب بأن يتوخى الحقيقة الموضوعية وان يبحث عن وجه الحقيقة الصادقة وان يطلع بنفسه على مصادر المعرفة والمعلومات والنظريات حتى لا يكون نهباً للشائعات المغرضة او التعاليم الدينية المغرضة او المذاهب السياسية الهدامة وحتى لا يكون فريسة لدعوات اليأس والاستسلام والقنوط والسخط واللامبالاة وانما عليه ان يتحقق بنفسه ويكون عقيدته متحرراً ومستقلا عن تأثير ارباب السوء وعليه ان ينخرط في المناشط الاجتماعية والاقتصادية والفكرية ويمارس الهوايات والانشطة الحرة وينظم وقت فراغه فيما يعود عليه بالنفع العام لا يستمع الى ابواق الدعاية المغرضة وان يلم بالحقائق الموضوعية ويؤسس حكمه عليها وعليه ايضا ان يرسم برنامجاً لحياته وان يحدد اهدافه وأن يتواضع في هذه الاهداف فلا يشتط او يبالغ فيها كأن يرغب في الحصول على عمل مرموق وعلى الزواج واقتناء سيارة وفيلا والحصول على درجة الدكتوراه وما الى ذلك بحيث يصر على تحقيق هذه الاهداف في لمح البصر وانما لابد من الصبر والتدرج عليه وان يوازن بين امكاناته الحقيقية وقدراته وأهدافه فلا يغالي فيها حتى لا يفشل في تحقيقها ثم يصاب نتيجة لذلك بالفشل ومرارة الاحباط ويصب بعد ذلك فشله على المجتمع كله وعلى الفرد ان يعود نفسه على تحقيق الرفعة والرقي لا يأتي من تلقاء نفسه او بمجرد الاماني والاحلام والرغبات وانما لابد من الكفاح والصبر والسهر والجد والاجتهاد والمثابرة والالتزام والطاعة واحترام النظام واحترام حقوق الغير وعليه ان يقدر امكانات الدولة وما تقدمه له من خدمات تعليمية مجانية وطبية ومواصلات واسكان وما تدفعه من دعم للسلع الضرورية وما تقدمه من جهود في تعيين آلاف الشباب للحصول على العمل وان يقدر الجهود التي تبذلها الدولة في سبيل تحسين المستوى المعيشي للمواطنين فإذا لجأ الشاب بعد ذلك الى العنف او التطرف فانه ولاشك هو المسؤول الاول عن هذا التطرف وما يصدر بحقه من عقاب اللهم ارنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ونسأل الله تعالى أن يتولانا برحمته وان يدلنا على طريق الخير والرشاد.