مما لا شك فيه أن الانسان في هذه الحياة يحتاج إلى راحة وفترة نقاهة ما بين الفينة والأخرى حيث إنه لا يمكن أن يستمر على حالة واحدة في هذه الحياة فهو ليس آلة يحركها صاحبها متى ما شاء وفي هذه الراحة والاجازة يحتاج الانسان إلى تغيير نمط حياته وكسر الروتين الممل الذي كان يؤديه أثناء يومه العملي ويحتاج كذلك إلى مراجعة حساباته وفحص عاداته، وينطلق المسلم في هذا الفحص والمحاسبة من ثوابت شرعية لا يمكن الاخلال بها مهما كانت الظروف ومن متغيرات يحكمها بالثوابت ويتأمل معها وفق ما ينفع أو يكون وسيلة للنفع. وحيث إننا نستقبل في هذه الأيام اجازة نهاية العام الدراسي، وفيها يقوم الكثير من الناس بقضاء هذه الاجازة بالسفر لأنه يرى أن السفر من لوازم حياته وضرورة لا تنفك عنه أريد أن أذكّر أخي القارئ ببعض آداب السفر التي أسأل الله العلي العظيم أن ينفع بها ومنها: 1 أن يرد المظالم والودائع إلى أصحابها إذ السفر مظنة الهلاك. 2 أن يعد زاده من الحلال، وأن يترك نفقة من تجب عليه نفقته من زوجة ووالد وولد. 3 يستحب للمسافر أن يودع أهله وقرابته واخوانه وأن يدعو بهذا الدعاء لمن يودعهم «أستودع الله أمانتكم وخواتيم أعمالكم ويقول له المودعون: زودك الله التقوى وغفر ذنبك، ووجهك إلى الخير حيث توجهت» لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «إن لقمان قال: إن الله تعالى إذا استودع شيئاً حفظه» رواه النسائي بإسناد جيد. 4 أن يخرج في رفقة ثلاثة أو أربعة بعد اختيارهم ممن يصلحون للسفر معه، والسفر كما قيل مخبر الرجال، وقد سمي سفراً لأنه يسفر عن أخلاق الرجال، والرسول أمر بالرفقة في السفر وعدم الوحدة لقوله صلى الله عليه وسلم «الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب» رواه أبو داود والنسائي وقوله: «لو أن الناس يعلمون من الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده» رواه البخاري. 5 أو يؤمِّر الركب المسافرون أحداً منهم بتولي قيادتهم بمشورتهم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم :«وإذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمِّروا أحدهم» حيث إنه يسوسهم ويأمرهم بما فيه مصلحتهم وعليهم الطاعة والاتباع ما لم يأمر بمعصية الله. 6 عدم اصطحاب الكلب والجرس في السفر لأن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن ذلك فقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس» رواه مسلم وأحمد والترمذي وسبب النهي عن الجرس لأنه مزمار الشيطان وأما الكلب فلأن الكلب منهي عن اقتنائه إلا كلب ماشية أوصيد وقيل لكونه نجساً. 7 أن يصلي قبل سفره صلاة الاستخارة لترغيب الرسول عليه الصلاة والسلام في ذلك. 8 ان يقرأ دعاء السفر عند مغادرته المنزل: بسم الله توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك أن أَضل أو أُضل أو أَزل أو أُزل أو أَجهل أو يُجهل عليّ» وإذا ركب قرأ دعاء السفر وهو: «بسم الله وبالله والله أكبر، توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ما شاء الله الله كان، وما لم يشأ لم يكن، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إني أسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا سفرنا هذا، واطو عنّا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل والمال، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل والولد» رواه أبو داود. 9 يستحب السفر يوم الخميس أول النهار لقول الرسول صلى الله عليه وسلم :«اللهم بارك لأمتي في بكورها» ولما جاء عند أحمد «قل ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إذا أراد سفراً إلا يوم الخميس» رواه البخاري. 10 ان يكبر على كل شرف «مكان عال» لقول أبي هريرة أن رجلاً قال يا رسول الله إني أريد أن أسافر فأوصني قال: عليك بتقوى الله والتكبير على كل شرف» رواه الترمذي. 11 إذا خاف ناساً قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك. 12 أن يدعو الله تعالى في سفره ويسأل من خير الدنيا والآخرة إذ الدعاء في السفر مستجاب لقوله عليه الصلاة والسلام:«ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده» رواه مسلم وأصحاب السنن. 13 أن يدعو إذا نزل منزلاً حيث يحتاج المسافر إلى النزول من مركوبه للنوم أو الأكل أو قضاء الحاجة والبرية فيها من الهوام والسباع والشياطين ما الله به عليم، فكان من نعمة الله علينا أن شرع لنا على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مانقوله يحفظنا بإذن الله من شر كل مخلوق وقول: «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق». كما جاء في حديث خولة بنت حكيم رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك» رواه مسلم. 14 انه إذا قارب الوصول إلى مدينة يقول:«اللهم اجعل لنا بها قراراً، وارزقنا فيها رزقاً حلالاً اللهم إني أسألك من خير هذه المدينة وخير ما فيها وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء. 15 أن يعجل الأوبة والرجوع إلى أهله وبلاده إذا هو قضى حاجته في سفره لقوله عليه الصلاة والسلام: «السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه فإذا قضى أحدكم نهمته حاجته من سفره فليعجل إلى أهله». 16 أن يكبر ثلاثاً عند رجوعه ويقول: «آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون» ويكرر ذلك لفعله صلى الله عليه وسلم متفق عليه. 17 ان لا يطرق أهله ليلاً، وأن يبعث إليهم من يبشرهم حتى لا يفاجئهم بمقدمه عليهم، فقدكان هذا من هدي النبي عليه الصلاة والسلام. وفي الختام: أخي القارئ أرجو أن لا أكون قد أطلت وانني أدعو الله لك بالسفر الآمن المباح وأوصيك أن يكون سفرك ايجابياً بسماع الأشرطة المفيدة وقراءة الكتب النافعة واستغلال المواقف الطارئة للتوجيه والارشاد وزيارة الأقارب والتفكر في بديع صنع الله، والله أسأل أن ينفعنا بما نسمع ونقول والله من وراء القصد.