باتت قضية الجدار العازل الذي تقيمه إسرائيل، في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من أهم القضايا التي تفسد مسار التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بعد قضيتي المعتقلين و الاستيطان، وتشير كافة التوقعات الى أن هذا الجدار قد يودي بخطة «خريطة الطريق»، في حال أصرّت إسرائيل على الاستمرار ببنائه، وفق مخططاتها الحالية. والمعروف انه تم أخيرا الانتهاء من أعمال بناء المرحلة الاولى من هذا الجدار الفاصل وهي المرحلة الممتدة على طول 128 كيلومتراً من منطقة سالم في المثلث الشمالي حتى مستوطنة الكناة قرب قلقيلية، فيما تستمر اعمال البناء في المرحلة الثانية من الجدار التي من المتوقع الانتهاء منها بعد شهر ونصف الشهر. ولقد اعترفت الاوساط السياسية والامنية الاسرائيلية بأنه لن يتم الاحتفال بهذه المرحلة من أجل العمل علي عدم اثارة الموقف الامريكي الذي أبدى عدة تحفظات وطالب اسرائيل باجراء تعديلات في مسار الجدار، وكذلك بهدف عدم اثارة الرأي العام الفلسطيني الذي أبدى معارضته الشديدة لذلك،وعدم إغضاب المجتمع الدولي والاوروبي،خاصة وان العديد من الهيئات الدولية مثل هيئة الاممالمتحدة والبنك الدولي بالاضافة الي جماعات السلام وحقوق الانسان الدولية ابدت تحفظها من اقامة هذا الجدار. وقد حذر تقرير صادر عن الاممالمتحدة والبنك الدولي في السادس عشر من شهر يونيو الماضي من التغييرات الجوهرية التي قامت بها اسرائيل من خلال اقامة الجدار وبالتحديد في العديد من الامور الاخرى المرتبطة بة مثل مساره الذي أحدث العديد من التجريفات في العديد من المناطق وتحديداً في منطقة جنين، وتجاوزات عديدة تمحورت حول توغل مسار الجدار الى حوالي 12 كيلومتراً شرق حدود الرابع من يونيو. وأشار التقرير الى الاضرار والخسائر والاخطار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والجغرافية التي تلحق بالفلسطينيين من جراء شق الجدار،بحيث ان حوالي 12الف فلسطيني في 15 قرية فلسطينية وجدوا انفسهم داخل كنتونات واقعة ما بين الخط الاخضر والجدار الفاصل وفقدوا عشرات آلاف من الافدنة التي كانت تشكل مصدر رزقهم الوحيد وانقطعوا عن أبناء شعبهم الآخرين في مختلف المناطق الاخرى و حتى العالم الخارجي، ولن يسمح لهم الحصول على اي خدمات وهو ما يعني انهم سيكونون بمثابة رهائن تحت سيطرة اسرائيل. الجدار الفاصل والمعروف ان الجدار الفاصل الذي تعمل الحكومة الإسرائيلية بنشاط على بنائه، منذ أكثر من عام، يبلغ ارتفاعه ثمانية أمتار، ويتضمن منطقة عازلة على جانبيه، عرض كل منهما حوالي 50 مترا، بحيث ان كل كيلو متر من الجدار يحتل نحو 50 ألف متر مربع الا ان المشكلة الأخطر، بالنسبة للفلسطينيين، أن الجدار يأخذ مسارين، أحدهما غربي الضفة الغربية ويمتد على مسافة طولها 300 كلم (أنجز نصفها تقريبا)، ويهدف لعزل الضفة عن إسرائيل. والثاني شرقي الضفة، وطوله حوالي 700 كلم، وهو يهدف لعزل الضفة عن غور الأردن والبحر الميت. وفي بعض المواقع يتّخذ الجدار شكل أسلاك شائكة معزّزة بخنادق بعمق أربعة أمتار من الجانبين، مع أسلاك كهربائية ومجسّات الكترونية وكاميرات، ودوريات حراسة مخولة بإطلاق النار، وكلها مرتبطة بمحطات مراقبة، تبعد عن بعضها البعض 200 متر. وخطورة هذا الجدار، أنه ليس جداراًً أمنياً، فحسب، على ما تدّعي إسرائيل، فهو يختلف جوهريا عن خطة «الفصل من طرف واحد»، التي يتبناها بعض القياديين الإسرائيليين، إذ إنه إنه أكثر وأخطر من هذا وذاك، فهو، أولا، بمثابة ترسيم واقع سياسي جديد، تحاول إسرائيل، من خلاله، استباق نتيجة التفاوض على الحدود، مع الفلسطينيين، من طرف واحد، وبما يتعارض مع مبدأ إنهاء الاحتلال الذي بدأ في العام 1967 فالجدار. في كلا الحالين، أي في قاطعه الشرقي أو الغربي، يقتطع أراضي فلسطينية بعرض 8 - 12 كلم، وهو ما يشكل مساحة قدرها 25 بالمئة من مساحة الضفة الغربية؛ وهو أمر يرفضه الفلسطينيون ومعظم القوى الدولية ثانيا، أن هذا الجدار لا يأخذ مسارا طوليا مستقيما، على طول الحدود المفترضة بين إسرائيل والضفة فقط إذ انه في كثير من الحالات يأخذ خطا متعرجا الهدف منه ضم العديد من المستوطنات التي تتوغّل في عمق الأراضي الفلسطينية، ولا سيما في مناطق نابلس ورام الله والقدس وبيت لحم. ويعني ذلك أن هذا الجدار لا يهدف إلى حماية إسرائيل من عمليات المقاومة الفلسطينية، بحسب ما تروّج إسرائيل لتبرير اغتصابها مزيداً من أراضي الفلسطينيين، وإنما هو يهدف، أيضا، إلى ضمّ المستوطنات والأراضي المحيطة بها، ما يغيّر الواقع السياسي والجغرافي والديمغرافي في الضفة الغربية. ثالثا: يشكّل هذا الجدار عائقا حيويا أمام التواصل الطبيعي بين المدن الفلسطينية، وهو يصعّب عيش الفلسطينيين من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، أما من الناحية السياسية فإن هذا الوضع من شأنه أن يجعل الكيان الفلسطيني المفترض أشبه بدولة معزولة وغير قابلة للحياة. رابعا: إن هذا الجدار لا يقدّم كثيرا في مسألة حماية إسرائيل، كما بينت التجربة، وبالعكس من ذلك فإنه سيجعل الاحتكاكات العدائية، بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مستمرة وربما أكثر ضراوة، حتى بعد قيام الدولة الفلسطينية المفترضة، في حال بقي في مساره الحالي. خامسا: ثمة هدف سياسي على غاية من الأهمية لهذا الجدار وهو يتمثل بإبقاء الكيان الفلسطيني، المفترض، تحت رحمة السيطرة الإسرائيلية، من مختلف النواحي، ولا سيما لجهة منع التواصل بينه وبين دول الجوار (الأردن وربما مصر أيضا).سادسا، ربما أن إسرائيل تحاول من وراء التهديد الذي يمثله هذا الجدار، خلق المزيد من الضغوط على القيادة الفلسطينية لإجبارها على التجاوب مع التصورات الإسرائيلية المتعلقة بحل قضايا اللاجئين والقدس والحدود، المعنى أنه من المؤكد أن لهذا الجدار وظيفة تفاوضية، بالنسبة لإسرائيل، التي اعتادت على خلق مثل هذه الوقائع في سياق صراعها التفاوضي مع الفلسطينيين. على ذلك فإن معضلة الجدار هي معضلة عملية التسوية ذاتها، فإسرائيل تتصرف في كل القضايا (اللاجئين والقدس والمستوطنات والحدود والأحوال المعيشية والأمنية)، وكأنه ليس ثمة شريك لها، أو كأن التسوية شأن يخصها لوحدها! والواقع ان بناء الجدار، بشكله الراهن، هو فرصة مناسبة لكشف فظاعة السياسات التي تنتهجها اسرائيل على حقيقتها أمام الرأي العام العالمي، بوصفها دولة عنصرية واستعمارية، شبيهة بنظام الفصل العنصري (السابق) في جنوب أفريقيا؛ وهو ما يتعارض مع الصورة التي تحاول إسرائيل تقديم نفسها بها إلى العالم، باعتبارها دولة ديمقراطية تنتمي إلى الحضارة الغربية. بناء الجدار معارضة دولية وحتى اسرائيلية كبيرة. فالرئيس الاميريكي جورج بوش الابن ولدى استقباله محمود عباس، دعا إسرائيل إلى التخلي عن مخططاتها في بناء الجدار الذي شبّهه بالثعبان، مبديا معارضته له. وكانت مستشارة الأمن القومي الاميركي كونداليسا رايس حثّت إسرائيل على وقف بناء الجدار، مبدية انزعاج الإدارة الأمريكية من هذه الخطوة التي تخلق واقعا سياسيا مشبوها، على حد قولها. وهناك العديد من القوي السياسية الاسرائيلية التي تعترض علي اقامة هذا الجدار وهي القوي التي لم تقتصر فقط علي اعضاء الاحزاب اليسارية ومؤيدي السلام فقط بل اعضاء الاحزاب اليمينية الاخرى مثل عضوة الكنيست ناعومي بلومنتال من الليكود التي اشارت إلى انها تعتقد بأن بناء الجدار هو بمثابة عودة إسرائيلية إلى عهد الجيتو.