شيء جميل أن يكثر عدد الجامعات في بلادنا، وأن تكون موزَّعة على جميع مناطق المملكة، لأن الجامعات مصادر علم ومعرفة وثقافةٍ وعمل، ومصانع إعداد عقولٍ واعيةٍ قادرة على التفكير السليم، ولأنها منشآتٌ علميةٌ تستوعب أعداد الطلاب المتزايدة، وتفتح لهم أبواب العلم في مختلف التخصصات، وتمكن أصحاب الطموحات العلمية والعملية من تنمية مهاراتهم، وإعداد أنفهسم إعداداً قوياً واستثمار أوقاتهم استثماراً صحيحاً.ولأن وجود الجامعة في أي بلدٍ تُفْتَتح فيه من أهم عوامل تطوره ونمو اقتصاده واستقرار سكانه، ومن الأساليب الناجحة للحد من الهجرة القوية من القرى والأرياف والمدن الصغيرة، إلى المدن الكبيرة التي تحتضن الجامعات والمعاهد العليا والمؤسسات التعليمية والتدريبية المختلفة. شيء جميل أن يكثر عدد الجامعات، وأن يُعنى بها عناية خاصة، فهي التي يمكن ان تحتضن آلاف الشباب الذين يتخرجون في المرحلة الثانوية، فلايجدون أمامهم إلا مدارس الفراغ التي لا نظام لها، ولا ضوابط لمن يلتحقون بها، تلك المدارس التي تتخذ من الأرصفة والمقاهي، والمتنزهات العامة والخاصة مواقع لها تتلقف شباباً في عمر الزهور، تحرق أوقات فراغهم بنيران اللعب واللهو والاهمال، وتسوقهم إلى خنادق الغفلة والكسل وعدم الجد في الحياة، إن الجامعات وسيلة من أهم وسائل المعالجة لهذه الظواهر الاجتماعية التي تهدد المجتمع في ثروته البشرية التي تعد أهم ثروة وأغلاها.شيء جميل أن نرى في الطائف، والقصيم جامعتين جديدتين قائمتين على ما فيهما من كليات، وان نرى بعدهما جامعات في المنطقة الشمالية، وجازان، ونجران والباحة وغيرها من مناطق المملكة، فإن ذلك يتيح فرصة لأهالي هذه المناطق للاستقرار فيها بدلاً من الهجرة إلى مقر الجامعات حرصاً على إكمال أولادهم للتعليم ويرتقي بمستوى التعليم في تلك المناطق، ويحميها من آثار الهجرات العائلية التي أصبحت ظاهرة تقض مضاجع أهل تلك المناطق، ويريح نفوس أولياء الأمور الذين يبعثون بأولادهم إلى الجامعات في المدن الكبيرة مع حاجتهم إلى وجودهم معهم.كانت خطوة طيبة تلك الخطوة التي أسعدت أهل الطائف والقصيم بجامعتين جديدتين تستحق منا التقدير.كل ذلك جميل ولكن الأجمل منه أن تكون العناية بالإعداد العملي والتدريب في مقدمة اهتمامات هذه الجامعات، وان تكون هنالك خطط عاجلة لإنقاذ المستويات العلمية والعملية لخريجي الجامعات من مظاهر الضعف المقلقة التي نشاهدها جميعاً، فالتعليم الجامعي ليس للتلقين فقط، وليس الهدف منه «حمل الشهادات» للحصول على الوظائف، وإنما هو تعليم وتدريب وتأهيل قوي للحصول على المعلومة، وطريقة تطبيقها في الحياة، ومعرفة أفضل الطرق لتحويلها إلى واقع عملي معاش. ولاشك ان عناية جامعاتنا بالعلوم الشرعية، وعلوم اللغة العربية يجب ان تبقى سمة بارزة فيها، لما لها من أهمية كبيرة في تكوين الشخصية المسلمة الفاعلة التي لاترى في العلوم التطبيقية «انقطاعاً» عن العلوم الشرعية وعلوم لغة القرآن وآدابها وإنما تراها مكملة لها، محققة لتقدم الحياة المادية التي لاتجد من ديننا إلا العناية والاهتمام المناسبين. هنالك ضعف واضح في المستوى العلمي، والتطبيقي العملي عند كثير من خريجي الجامعات وهذا الضعف يحتاج إلى دراسات علمية جادة للتخلص منه، والحيلولة دون انتشاره، فليست العبرة بكثرة المدارس والمعاهد والجامعات، وإنما العبرة بالمستوى الممتاز الذي تستطيع ان تحققه لطلابها، والملتحقين بها، حتى لا تكون الشهادات مظاهر وجاهةٍ، ووثائق تُثبت لمن يحملها صفة العلمية التي تغطي بعض جوانب ضعفه، وتغش به المجتمع المحتاج إليه. إشارة بعض العباد له ذكرى معطرة