تتبارى القنوات الإعلامية العربية في جلب واستضافة الخبراء الاستراتيجيين والمحللين الذين يتبارون في تفسير الاحداث وتوضيح المستجدات وتوقع غيبيات المستقبل التي لا يعلم بها إلا الله وحده. والقاسم المشترك بين هؤلاء - الذين يقرأون ما وراء الأحداث - هو أنهم يسوّقون آراء وأفكاراً بعينها تقع في نطاق مخططات الآخر. ولا أدري الى متى ستبقى أمتنا أمة يتميز شعبها بالسذاجة والركون إلى الأماني، يصدق أناسها الشعارات والعبارات التي تلامس رغباتها وأمانيها حتى وإن كانت بعيدة عن المصداقية والعقلانية وقابلية التطبيق. هي أمة هلّلت وكبّرت مع بيانات احمد سعيد في إذاعة صوت العرب عام 1967م، تلك الشعارات والعبارات التي صورت الطيور وكأنها لا تجد لها مكاناً للطيران في الفضاء نتيجة لمزاحمة طائرات العدو التي تسقط الواحدة تلو الأخرى لينبلج الصباح ويسكت أحمد سعيد عن الكلام المتاح وتنكشف حقيقة النكسة التي أردنا لها أن تكون عابرة لتبقى خمسا وثلاثين سنة تتوج بمضاعفة الخسارة وغياب بوابة الشرق واحتلال العراق. ويبدو ان أمتنا لم تتعلم كيفية البحث عن الحقيقة طوال الخمس وثلاثين سنة الماضية ودليل ذلك هو انسياقنا وتصديقنا لتلك العبارات التي تدغدغ مشاعر النصر والانتصار. فبمجرد أن أطلق محمد سعيدالصحاف أنه لا يمكن للعلوج والأوغاد وحثالة القوم الانتصار هللنا لذلك وصدقناه، وبمجرد أن توعد بحفر قبورهم وجعلهم ينتحرون على أسوار بغداد كبّرنا لذلك، وعندما نفى الواقع المشاهد وأنكر الحقائق المعلنة صدقناه وكذّبنا ما تراه أعيننا. وأمة لا تتعلم الدروس من ماضيها وتستمر في إلغاء العقل والانسياق وراء الشعارات ستبقى أمة يوجهها من هو أقدر منها على استخدام العقل واستنتاج العبر والإصرار على تغيير الواقع والبحث عن مستقبل مختلف، وهي أمة لا يمكن لها - والحال كذلك - أن تغيّر أو تتغير.