تختلف النظرة العامة إلى جهود المحافظة على الحياة الفطرية والبيئة الطبيعية في المملكة العربية السعودية بين الناس اختلافاً كبيراً بما في ذلك المثقفون والمفكرون، أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرون، المتعلمون والأميون، البادية والحضر. ولا تخرج النظرة عن واحدة من ثلاث فمنهم من يرى أنها ضرورة حتمية لحياة الإنسان، ومنهم من يعدها ترفاً لا مبرر له، ومنهم من يعدها جرياً وراء سراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً. وبذلك فهي تمثل أيضاً جهوداً غير مبررة ما دامت لن تحقق شيئاً. والحق أن المحافظة على الحياة الفطرية والبيئة الطبيعية هي محافظة على بيئة الإنسان وصحته، بل واستمرار حياته وحياة شركائه من المخلوقات الحية الأخرى على كوكب الأرض، ومن هنا فهي ضرورة حتمية، كلفنا الخالق سبحانه وتعالى بها عندما استخلفنا على الأرض وأمرنا أن نصلح فيها ولا نفسد. فقد خلق الله الحياة على سطح الأرض لتعمل من خلال نظم بيئية طبيعية متوازنة منتجة تضم أنواعاً شتى من المخلوقات الفطرية يأتي على رأسها الإنسان. هذه النظم البيئية الطبيعية المتوازنة هي التي تدعم الحياة بأن تتيح للإنسان وغيره من المخلوقات استيفاء احتياجاتهم الضرورية للحياة، وتخلصهم من نفاياتهم وفضلاتهم، وذلك من خلال قيامها بما يسمى بالوظائف الإيكولوجية الضرورية للحياة والتي تتلخص في: 1- قيام النباتات باستخدام الطاقة الشمسية وثاني أكسيد الكربون لانتاج الغذاء اللازم للإنسان وجميع المخلوقات. 2- قيام النباتات بانتاج غاز الأوكسجين اللازم لتنفس جميع الأحياء بما فيهم الإنسان. 3- تخليص الجو من غاز ثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري والمحافظة على درجة حرارة مناسبة للحياة. 4- اتمام دورات العناصر الجيوكيماوية ودورة المياه وتنظيم الرياح وحركة السحب والأمطار وتوزيعها على سطح الأرض طبقاً للنظام الإلهي الذي سنه الخالق عز وجل. 5- المحافظة على ثبات الغلاف الغازي المحيط بكوكب الأرض وحماية سطح الأرض من حدوث الظواهر الطبيعية المدمرة من أعاصير عاتية وفيضانات كاسحة. إلى جانب ذلك تقدم النظم البيئية الطبيعية للإنسان الموارد الطبيعية المتجددة، وهي أنواع الأحياء الفطرية النباتية والحيوانية، التي يستخدمها في الغذاء والكساء وخامات التصنيع والمواد الأولية ولا سيما الأدوية والعقاقير والأصباغ والتوابل والألياف والمشروبات.. الخ. ولا يكاد يمر يوم إلا ويكتشف الإنسان أهمية اقتصادية لنوع من الأنواع الفطرية لم يكن يعرفها قبلاً والأمثلة على ذلك كثير. إن المحافظة على الحياة الفطرية تعني المحافظة على البيئة الطبيعية التي تنعكس بالضرورة على المحافظة على صحة الإنسان، وتقلل من احتياجه الى الرعاية الصحية والعلاج الطبي، وتخفض من التكاليف الهائلة التي تنفق على ذلك. ومن الثابت بالدليل العلمي القاطع أن العائد الاقتصادي من المحافظة على الحياة الفطرية يفوق بعدة أضعاف العائد الاقتصادي الناتج عن اهمالها، واحلال الأنواع المستأنسة محلها، وتحويل أراضي المراعي والغابات الى مزارع، ولكن الناتج من النظم البيئية الطبيعية يتوزع على جميع أفراد المجتمع فلا يحس به أحد بشكل خاص بينما الناتج من تحويل النظم البيئية الى مزارع وغيرها من الأنشطة الاقتصادية يتجمع في ايدي مجموعة محدودة من أفراد المجتمع فيشعرون به ويقدرون قيمته بينما يتحمل التكلفة والخسارة المحققة باقي أفراد المجتمع جميعهم. دور المحميات في المحافظة على البيئة الطبيعية بعد أن تنبه العالم إلى أهمية المحافظة على الحياة الفطرية وجد أن إنشاء المناطق المحمية التي تحافظ على نظم بيئية طبيعية كاملة تقوم بوظائفها الايكولوجية في دعم الحياة، هي افضل الطرق للمحافظة وأقلها تكلفة اقتصادية. وقد أصدرت المنظمات الدولية المسؤولة عن المحافظة «الاستراتيجية العالمية للمحافظة» عام 1980م. التي اقرت انشاء المناطق المحمية كأهم وسيلة للمحافظة على الحياة من خلال محافظتها على النظم البيئية الطبيعية واتاحتها لها القيام بوظائفها الايكولوجية الداعمة للحياة، إلى جانب امكانية استثمارها اقتصادياً باستثمار مواردها الفطرية الحية بشكل مستدام، في السياحة البيئية والترويح والتعليم والتوعية البيئية والبحث العلمي والتقني واكتساب المعرفة. وقد بلغ عدد المناطق المحمية في العالم حتى الآن ما يزيد عن 000 ،12 منطقة محمية تبلغ مساحتها الكلية ما يربو على بليون هكتار (عشرة ملايين كيلو متر مربع) تمثل حوالي 7% من المساحة الكلية لسطح الأرض. ويقدر متوسط النسبة المئوية الواجب حمايتها من أراضي كل دولة بحوالي 10% من مساحتها الكلية. وتختلف النسب المئوية للمساحة المحمية في دول العالم من أقل من 1% في أفغانستان إلى حوالي 94% في جزيرة سيشل، التي تعتبر محمية بكاملها. وفي سلوفاكيا حوالي 73% ، وجرينلاند 45%، والدانمرك 33%، وألمانيا 26% ، والاكوادور 25%، ونيوزيلندا 24%، والدومنيكان 22%، وشيلي 19%، وفي الجزائر 5% حيث تبلغ المساحة المحمية نحو 12 مليون هكتار، أما في المملكة العربية السعودية فإن المساحة المحمية حالياً تقل عن 4% حيث لا تصل إلى تسعة ملايين هكتار. دواعي الحماية: تسببت الرفاهية الاجتماعية التي سادت المملكة خلال الربع الأخير من القرن العشرين الميلادي، إلى جانب تضاعف عدد السكان لأكثر من أربعة أضعاف، في زيادة الضغط البشري على الموارد الطبيعية الفطرية وتدهور البيئة الطبيعية وفقدان النظم البيئية واختفاء الأنواع بمعدل متسارع مما يستدعي سرعة المحافظة على النظم البيئية الطبيعية المتبقية وانشاء عدد من المناطق المحمية يكفل حماية عينة ممثلة لكل النظم البيئية الرئيسة والفرعية في المملكة إلى جانب حماية أنواعها الفطرية النباتية والحيوانية مما يستدعي رفع نسبة المساحة المطلوب حمايتها إلى 10% خلال أقرب وقت ممكن، وذلك وفقاً لمنظومة المناطق المحمية للمملكة العربية السعودية التي قامت الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وانمائها باعدادها، بالتعاون مع خبراء الاتحاد العالمي للمحافظة عام 1990م، وتضم 103 منطقة محمية مقترحة برية وبحرية تكفل حمايتها المحافظة على عينة ممثلة لكل النظم البيئية الطبيعية في المملكة إلى جانب تنوعها الاحيائي. إنجازات عظيمة شهدت بها المنظمات العالمية ودول العالم: وحظيت على جوائز وشهادات تقدير ومع كل المعوقات والصعوبات التي واجهت جهود حماية الحياة الفطرية والبيئة الطبيعية في المملكة، فإنه بفضل من الله ثم بدعم حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين وبفضل التوجيه السليم لصاحب السمو الملكي رئيس مجلس الإدارة وصاحب السمو الملكي العضو المنتدب للهيئة والجهود المخلصة التي يبذلها العاملون في الهيئة والتعاون الذي تجده من الهيئات والأجهزة الحكومية الأخرى ذات العلاقة، استطاعت الهيئة تحقيق انجازات مشهودة في مجال المحافظة حققت للمملكة العربية السعودية الريادة على غيرها من الدول المجاورة في هذا المجال الحضاري الهام. فإلى جانب 15 منطقة محمية أقامت الهيئة ثلاثة مختبرات لبحوث الحياة الفطرية والاكثار تحت الأسر للأنواع الفطرية المنقرضة والنادرة على مستوى عالمي إلى جانب مختبر للوراثة الجزيئية هو الوحيد من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ونجحت في اكثار المها والحبارى والغزال بنوعيه واعادة توطينها، واكتسبت خبرة عالمية في مجال انشاء المناطق المحمية وادارتها حتى اصبحت تُستشار في ذلك بعد أن كانت تطلب المشورة والمساعدة، وكانت النتيجة ان اختيرت الهيئة مقراً للمركز المرجعي للمناطق المحمية لاقليم وسكان «غرب ووسط آسيا وشمال إفريقيا» الذي يضم 26دولة تمتد من المغرب العربي على المحيط الأطلسي حتى كازاخستان في الشرق، ويقوم هذا المركز بتوجيه حركة انشاء المناطق المحمية وادارتها وبذل المشورة العلمية لكل دول الاقليم، ويديره خبراء الهيئة. وقد نالت المملكة العربية السعودية ممثلة بالهيئة عدداً من الجوائز العالمية وشهادات التقدير الدولية لنجاحها الملحوظ في مجال المحافظة على الحياة الفطرية ولله الحمد والمنة. نشاط الهيئة في مجال الإعلام والتوعية البيئية إن التوعية البيئية عامل أساسي لرفع مستوى الوعي والإدراك لدى جمهور المواطنين من بادية وحضر حتى المثقفين منهم ومتخذي القرارات، ولتبصيرهم بالحقيقة التي لا يمكن اغفالها، وهي أن عملية المحافظة على البيئة الطبيعية والحياة الفطرية هي أساس للمحافظة عليهم وعلى أبنائهم وأحفادهم، على صحتهم ورخائهم ومستوى معيشتهم في المدى البيعد، وأنه مهما أُنفقت الأموال على المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية والتعليم وغيرها فلا طائل من وراء هذا الانفاق إلا إذا تم تدعيمه بالمحافظة على البيئة الطبيعية والحياة الفطرية، التي هي أساساً محافظة على حياة الإنسان وبقائه على سطح الأرض. ومن هذا المنطلق يمثل نشاط التوعية البيئية أحد المحاور الأربعة الرئيسة لعمل الهيئة، وتبذل الهيئة جهداً خاصاً في هذا المجال منذ انشائها، وقد كان لها ولا يزال، حضور ملحوظ في الوسط الاعلامي خلال الفترة السابقة نذكر هنا جانباً منه: 1- إصدار مجلة الوضيحي وملحقها للأطفال وهي المجلة الوحيدة للبيئة والحياة الفطرية، تصدر فصلياً، وقد صدر منها حتى الآن 24 عدداً، وهي أداة تثقيفية توعوية فعّالة لكل قطاعات المجتمع، وتعتبر بحق مجلة لكل أفراد الأسرة. 2- تنظيم مسابقة فنية للرسم والتلوين والبحث العلمي لطلاب المدارس بالتعاون مع وزارة المعارف. 3- تنظيم معسكرات دورية لطلاب المدارس في عدد من المناطق المحمية المختلفة بالمملكة خلال عطلة نهاية الأسبوع على مدار العام. 4- التنسيق مع وزارة المعارف لتحديث المناهج بإضافة الموضوعات والقضايا المتعلقة بالحياة الفطرية والبيئية في المناهج التعليمية، وتنظيم دورة تدريبية لمخططي المناهج بوزارة المعارف. 5- التعاون مع برنامج رعاية الموهوبين بوزارة المعارف واستضافة الموهوبين في إحدى المناطق المحمية للدراسة والتعليم بشكل سنوي. 6- استقبال مركز الزوار والتوعية البيئية لآلاف الطلاب الذين يفدون في رحلات يومية لزيارة المركز على مدار العام، حيث يوفر لهم المعلومات اللازمة عن البيئة والحياة الفطرية. 7- المشاركة في أسبوع الشجرة مع وزارة الزراعة والعمل على إحلال الأنواع الفطرية الشجرية محل الأنواع الدخيلة التي كانت تستخدم سابقاً، والتوعية بأهمية التركيز على الأنواع المحلية. 8- تنظيم مسابقة الأمير سلطان لخدمة البيئة بالتعاون مع عدد من الجهات، وتضم عدداً من الأنشطة البيئية المتميزة، ولها مردود توعوي جيد على الشباب. 9- التعاون مع رئاسة الشباب في عضوية لجنة الرياضة والبيئة، وهي إحدى اللجان الأولمبية السعودية. 10- تنظيم ملتقى شباب دول الخليج العربي بالتعاون مع الرئاسة العامة لرعاية الشباب. 11- تنظيم دورات تدريبية سنوية للمشرفين التربويين والمشرفات التربويات بوزارة المعارف في مجال التربية البيئية لجميع مراحل التعليم العام وذلك في مركز التدريب التابع للهيئة. 12- وقد استطاعت الهيئة الحصول على دعم مالي من شركة سابك لانتاج عدد من الأفلام التوعوية يتم حاليا العمل في انتاجها وتشمل عشرة أفلام توعوية في مجال المحافظة على البيئة والحياة الفطرية. نشاط الهيئة في منع التعديات والمخالفات لأنظمة الحماية: تثار في كثير من الأحيان نقطة تشدد الهيئة في مسألة القبض على المخالفين وتطبيق العقوبات بشأنهم وأنها تتبع أسلوباً بوليسياً لا ينبغي الأخذ به، وأنه لابد من التدرج في تطبيق العقوبات والا يصل الأمر الى مصادرة السيارات، والواقع ان الهيئة تتبع أسلوباً هو أقرب الى الرفق منه الى التشدد فالجوالون أولاً غير مسلحين وكثيراً ما يتعرضون للعدوان من جانب ضعاف النفوس من المخالفين المسلحين، والهيئة إنما تعمل على تنفيذ أنظمة أصدرتها الدولة أعزها الله من أجل ان تُنفَّذ لما فيه الصالح العام. وتعتبر العقوبات الواردة في نظام المناطق المحمية من أسهل العقوبات التي وردت في الأنظمة المشابهة على مستوى العالم،ولم يتم مصادرة السيارات إلا في حالة مخالف واحد تكررت منه المخالفات ولم يرتدع منذ تم ضبطه لأول مرة. والحق انه يجب إحكام تنفيذ الأنظمة الصادرة في المملكة التي ترشد استخدام الموارد الطبيعية والفطرية مثل المراعي والغابات والصيد البري والبحري والطيور المهاجرة، إذ إن عدم إحكام تنفيذ هذه الأنظمة يجعلها بدون قيمة تذكر في جهود المحافظة على الحياة الفطرية ويساهم في إهدار الأموال والجهود الوطنية. ولعلنا لا ننسى قول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام:«إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن». والأنظمة إنما سنتها الدولة أعزها الله لكي يتم تنفيذها مع الأخذ في الاعتبار أهمية التوعية والتثقيف البيئي التي تأتي في المقام الأول ثم تنفيذ الأنظمة بشكل تدريجي لا يفاجئ الناس. الحاجة الماسة إلى التعامل مع أهم أسباب تدهور البيئة الطبيعية في المملكة: تعتبر جميع الأنشطة البشرية التي تتسبب في ازالة الغطاء النباتي الرعوي والشجري من أهم اسباب تدهور البيئة الطبيعية في المملكة، وما يستتبعها من تعرية التربة وانجرافها ومن ثم فقدان أراضي المراعي والغابات لانتاجيتها وتصحرها. إن مشكلة الرعي الجائر والاحتطاب المفرط وقلع الأشجار الحية يجب أن يتم التعامل معها بحسم وحكمة وأن يتاح الرعي في المراعي المملوكة للدولة فقط لتلك الفئة من أهل البادية التي تملك أعداداً محدودة من المواشي الأهلية وتعتمد عليها كلية في تدبير معايشها وأمور حياتها، ونظراً لمحدودية أراضي المراعي، فمن المناسب ان يُمنع الرعي في هذه المراعي على الشركات وكبار المربين وغيرهم ممن يستطيعون تعليف حيواناتهم التي يحققون من ورائها أرباحاً هائلة خاصة في ضوء الإعفاء الضريبي الذي يتمتعون به. وتأكيد للقيمة النسبية للموارد الطبيعية فقد يكون من المستحسن النظر في تقدير تكلفة الموارد الطبيعية التي تستخدم مواد خاماً للتصنيع أو الانتاج، والتي تتاح حالياً للمنتجين بلا مقابل، بحيث تُستوفى منهم كُلفتُها كاملة أو البعض منها، وعليهم احتسابها ضمن عناصر تكلفة الانتاج، ومن ثم تُستخدم حصيلة ذلك في دعم جهود المحافظة على الحياة الفطرية والبيئة الطبيعية وحماية البيئة.