في يوم الأحد الموافق السابع والعشرين من شهر الله المحرم من عامنا الحالي أشرقت علينا شمس صحيفة الجزيرة بخبر مفاده «طالب يخترع جهازاً لمراقبة المعلم وفضحه». هكذا عنوان الخبر وهكذا سولت للطالب نفسه، فيا ليتني لم أقرأ الخبر ويا ليتني بعد قراءته لم أفهمه، وحمدت الله على أني تقاعدت قبل أن يأتي أحد طلبتي ليقول مثل هذا الطالب: فهل وصل الحد بأحد الطلبة الذي يحترق فيه المعلم لينير له الطريق ويشقى ويتعب المعلم ليرتاح طالبه يدور في خلده وقرارة نفسه كيف يفضح معلمه أعاذنا الله وأعاذ كل معلم من الفضائح وستر الله علينا، وعلى كل معلم يحب الستر، وكأن المعلم في نظر هذا الطالب ارتكب إثماً عظيماً يجب عليه أن يفضحه ويشهر به «وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان» كيف تجرأ هذا الطالب وكيف سولت له نفسه أن يقول: «إن ما لاحظته هو تأخر المعلمين عن الحصص حتى شعرت أن أجد الفكرة في انضباطهم داخل الفصل وعدم خروجهم إلا للضرورة» هكذا صار الطالب عندنا ينظر إلى معلمه وهكذا نصب الطالب نفسه لمراقبة المعلم في الفصل دخولاً وخروجاً وانضم إلى زمرة المديرين والمشرفين التربويين. ليت شعري كيف تبلورت هذه الفكرة في ذهن الطالب وكيف نمت وترعرعت واشتد عودها، فإذا وصل الحد بالطالب أن يراقب معلمه ويشك فيه ليفضحه علينا وعلى تعليمنا السلام، لأن الثقة وحسن الظن بالمعلم حل مكانها الترصد بالمعلم وفضحه. فلو قال لنصحه لكانت برداً وسلاماً على قلوبنا، ولقلنا رحم الله امراً اهدى لنا عيوبنا ولقلنا كلنا خطاؤون وخير الخطائين التوابون، أما أن يكون الهدف من هذا الاختراع الإساءة للمعلم فلا بورك في هذا العمل، ولا بورك في أولئك الذين أعانوا عليه، نعم لسنا ضد ابتكار الطالب واختراعه بل يسرنا ويفرحنا ويشفي صدرونا ولكن أن يساء للمعلم فلا وألف لا، فإذا كنا نعلم طلبتنا عدم التجسس وعدم الترصد فكيف نأتي ونبارك له مثل هذه الخطوات. ألم يقل الشاعر: لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم وكيف نأتي ونصرف الطالب عن متابعة معلمه في درسه ونجعله يقوم بعمله ويكون رقيباً عليه في الفصل لماذا لا نتحرى الدقة في التربية والتعليم ونقطع دابر مثل هذا الصنيع لأننا إذا باركنا صنيع هذا الطالب فالأيام حبلى بطلبة يراقبون ويترصدون لأعمال المعلم في الفصل ويكون شغلهم الشاغل ليكون لهم مثل هذا الطالب من التشجيع والإطراء، فكم نسمع مثل هذا إلا بعد أن خرج علينا اجتماع «ماذا يريد التربويون من المجتمع وماذا يريد المجتمع من التربويين» لأن هذا الاجتماع أو بعده يرى أن المعلم عليه أن يقسم وأن المعلم لا بد أن يعقد له اختبار بين الحين والحين لاختبار كفاءته، وهذا الطالب عرف بأريحيته أن التقصير في التعليم رمي به المعلم فاخترع جهازاً يقوم به المعلم ومن شابه أباه فما ظلم.