كان الغرب يعد العالم بالرفاهية والاستقرار، وبعالم لا يسمع أزيز آلة الحرب ولكن خلافا للتوقعات افتتح القرن الجديد بتلك الحرب العمياء الظالمة التي أصبح فيها هو الخصم والحكم ضد شعب أفغانستان المسلم. وقد صدرت التصريحات المسؤولة تتحدث عن استهداف مواقع أخرى، ربما تصل إلى ستين موقعا في العالم.وهاهي الحرب كما توقعنا سابقا تلتف على عنق الشعب العراقي المسلم العريق من خلال هذا التحالف العسكري والاستخباراتي القائم على الجور والعسف والاستعباد، فيجب على المسلمين جميعا ان يوحدوا صفهم لصد العدوان ورده عن بلادهم. ان المسلمين جميعا يدينون هذه الضربات التي تستهدف شعبا اعزل بريئا، وتحصد المدنيين وغيرهم، وهاهي الأصوات الاسلامية تتنادى في كل مكان وتطالب بممارسة الضغوط لمنع الحرب وصد خطرها، بل هاهي الاصوات الشعبية في سائر بلاد العالم تنظم المسيرات الحاشدة الرافضة لقانون الحرب وشريعة الغاب، يحدث هذا في انحاء اوروبا وامريكا واليابان والدول الشرقية والغربية. ولكن كما قيل: ودعوى القوي كدعوى السباع من الناب والظفر برهانها فقد عودتنا اسرائيل انه اذا جرح جندي على الشريط الحدودي ردت اسرائيل بغزو لبنان. وكما يقول صاحب «فكرة امريكا»: ومن جورج واشنطن إلى جورج بوش فالنهم الامريكي لسفك الدماء يخلق لديهم ابداً ذهنية المأزق. ويقول أحد المؤرخين: انهم مثل اليهود مسكونون دائما بهاجس الخطر الذي يهدد وجودهم وثروتهم، انه خطر الهنود، وخطر الكاثوليك، وخطر الاسلام وخطر الايديولوجيات الخارجية وخطر المهاجرين الغرباء. وهم يعلقون دائما على صدور الجثث: لقد كنا في حالة دفاع عن النفس. ان لديهم فلسفة أمنية تقتل حتى على مجرد الظن، وفي تراثهم المقدس فضاء واسع من الاستعارات العمياء التي قد تتصل ولو على سبيل المصادفة بحادثة معينة أو شخص مغاير ليصبح سفك الدم عملا مقدسا. ولا اعتقد ان الدافع لاذكاء نار الحروب هو مجرد الخوف الحقيقي على النفس بقدر كون النظام الرأسمالي يعاني بطبيعته انسدادا وأزمات لا يخرج منها الا بحرب يعد لها بين عقد من الزمان وآخر، وقد يتم من خلال الحرب ترحيل بعض مشكلاته أو استئصالها. اضافة إلى تحقيق الاهداف التوسعية والوصول إلى مناطق النفوذ في جهات كانت تشرئب اليها الأعناق. ان هذا يعد جزءا من استثمار الغرب للحدث وتوظيفه لمصالحهم. فهم سيقومون بمراجعة وتصفية عدد من الملفات القديمة العالقة امنيا وعسكريا. وسيراجعون الوضع الاستراتيجي من الناحية الأمنية والاقتصادية والسياسية. وسيعملون على اعادة البناء بسرعة «فهم اسرع الناس كرة بعد فرة»، وبحجم الخسائر الهائلة التي تحيق بهم الا انهم يعملون على تحويلها إلى مكاسب، ويقومون بتحويل الفواتير إلى جهات تتولى سدادها. وسيملأون الآذان حديثا عن الديموقراطية والحرية وحقوق الانسان. ولقد علمنا القرآن الكريم كيف نستفيد من الاحداث، واكد ائمة الاسلام ان الله لا يخلق شرا محضا، ولابد في النوازل التي تقع على الامة من جوانب خير ومصلحة تخفى على قوم وتبين لآخرين، وقد تظهر اليوم أو غدا، وان غدا لناظره قريب، ومن الخير ان تفتح الاحداث ابوابا من المقاومة بكل معانيها ودلالاتها، وان تربي المخلصين والجادين على الرقي بالنظر والتفكير والعمل إلى مستوى افضل، وعلى التوجه نحو الاهتمامات الفاضلة والمقاصد العليا بدلا من الاسترسال وراء الجزئيات ومواطن الخلاف. وكانت الآيات تنزل في مناسباتها، حربا أو سلما، نصرا أو هزيمة، حادثة فردية أو جماعية، أو حتى أسرية أو شخصية لتربي المسلمين من خلال الحدث، كما في الآيات في آل عمران تعقيبا على هزيمة احد، وفي الانفال تعقيبا على بدر، وفي الاحزاب تعقيبا على تحزب طوائف الكفر وملله ضد المسلمين، بل وفي المجادلة تعقيبا على مشكلة عائلية خاصة، فهذا منهج قرآني، وفي سورة الحشر تعقيبا على احدى المعارك مع اليهود يقول تعالى: {فّاعًتّبٌرٍوا يّا أٍوًلٌي الأّبًصّارٌ} وفي قوله تعالى: {إنَّ مّعّ العٍسًرٌ يٍسًرْا } تصريح بقانون يقول بأن كل ازمة أو نكبة فهي في الوقت ذاته فرصة جيدة اذا احسن استخدامها، واليسر هنا «مع» العسر، وليس «بعده» كما يقول بعض الناس، و«لن يغلب عسر يسرين» ومن اليسر ان ينهمك الناس في حركات تصحيحية جادة على الصعيد الفردي والاسري والجماعي والشعبي والحكومي، ربما كان متعذرا في وقت ما، لكن يبدو ممكنا عند حدوث الزلزال الذي يهيىء النفوس للتغيير. وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «ان قامت الساعة وبيد احدكم فسيلة فاستطاع الا يقوم حتى يغرسها فليغرسها» رواه الامام احمد في مسنده عن انس بن مالك رضي الله عنه. ان البعض قد يضيق من انخراط الناس وانهماكهم في اعمالهم الصالحة وفي اعمالهم الدنيوية وقد يظن ان هذا يتنافى مع احتدام الشعور بالحزن أو الغضب على ما يجري، والواقع ان هذه وصفة نبوية، فالحياة مستمرة، والدعوة قائمة، والجهاد قائم، والعلم قائم، والناس عاملون، هذا في دنياه، وهذا في اخراه، وهذا في زرعه، وهذا في بره، وهذا في بحره، وهذا في فضائه، وهذا في ميدانه {قٍلً كٍلَِ يّعًمّلٍ عّلّى" شّاكٌلّتٌهٌ} حتى يأذن الله بخراب الكون وخطابنا يجب ألا يركز على النواح بقدر ما يركز على العمل، والعمل الجاد، وهذا هو التوظيف الاول للحدث توظيفه باتجاه الاعمال الجادة النافعة على قاعدة «فليغرسها». الثاني: توظيفه باتجاه بناء الوعي، ولهذا جاء في القرآن الكريم {الم«1) غٍلٌبّتٌ الرٍَومٍ}. يجب ان يثمر الحدث وعيا وادراكا سليما وتصورا جيدا. ان وسائل الاعلام قد تؤدي دورا جيدا اذا احسن استثمارها وقد تساهم في قتل الوعي وتغييبه، وقد يقرأ الانسان خبرا صغيرا في زاوية لا يعلم مصدره ولا مصداقيته ثم يبني تصوره كله عليه ويظن انه ادرك ما فات الآخرين، بينما هو يعيش في عصر المعلومات، ويملك ان يحصل على أدق المعلومات من مصادرها في بضع ثوان، وان يحصل على معلومات كافية ودقيقة، وليس مجرد معلومة مجتزأة أو ناقصة وربما كانت مجرد اشاعة. ان الوعي هو الذي يجعل الأمة تستشعر قضاياها وتعيش مشكلاتها، ولقد سمعت خبرا مدهشا ثم خرجت إلى الشارع فرأيت شبابا يرفعون الاعلام على سياراتهم فقلت: وحزين يتسلى بحزين.. فاذا هم يهتفون للنادي الرياضي بحرارة! انه حقا عصر المعلومات، ومن الخطورة ان يكون عقلاؤنا وذوو الرأي فينا غائبين أو معتمدين على شائعات تطلق هنا أو هناك. الثالث: توظيفه باحياء المفاهيم الشرعية الغائبة، كمفهوم الولاء للمسلمين وما يترتب عليه من محبتهم والفرح بنصرتهم والوقوف معهم، ومفهوم البراءة من الكافرين على حد قول الخليل عليه السلام: { إنَّا بٍرّآءٍ مٌنكٍمً ومٌمَّا تّعًبٍدٍونّ مٌن دٍونٌ اللَّهٌ كّفّرًنّا بٌكٍمً وبّدّا بّيًنّنّا وبّيًنّكٍمٍ العّدّاوّةٍ والًبّغًضّاءٍ أّبّدْا حّتَّى" تٍؤًمٌنٍوا بٌاللَّهٌ وحًدّهٍ } وفي مثل هذه المناسبات يكون الطرق والحديد ساخن، كما في قوله تعالى: {يّا أّيٍَهّا الذٌينّ آمّنٍوا لا تّتَّخٌذٍوا بٌطّانّةْ مٌَن دٍونٌكٍمً لا يّأًلٍونّكٍمً خّبّالاْ ودٍَوا مّا عّنٌتٍَمً قّدً بّدّتٌ البّغًضّاءٍ مٌنً أّفًوّاهٌهٌمً ومّا تٍخًفٌي صٍدٍورٍهٍمً أّكًبّرٍ }. وقد سمعنا مالا نعتبره فلتات لسان، بل تيار غالب في وسائل الاعلام الغربية، وفي كثير من التصريحات الرسمية التي تدين الاسلام وثقافته وعقيدته وتاريخه وأهله وتهددهم وتوعدهم، وهي تحضر اليوم لضرب العراق كحلقة ثانية في مسلسل الحرب على الارهاب.. والله وحده يعلم اين تكون ضربتها الثالثة! قضينا من تهامة كل وتر وخيبر ثم اجممنا السيوفا نخيرها ولو نطقت لقالت قواطعهن: دوسا أو ثقيفا في الشدائد نحتاج إلى قيم الصبر والحلم والتلاحم والتفاؤل والبر. الرابع: توظيفه باتجاه الفاعلية والايجابية، فيجب ان نحدد أولا: ماهي الواجبات التي يتحتم علينا فعلها؟ ثم نحدد: ماهو الممكن من هذا الواجب؟ ماذا نستطيع ان نفعل تجاه انفسنا وتجاه اخواننا المسلمين؟ ان تحولنا إلى منظرين نوزع المسؤوليات والتبعات على الآخرين ليس حلا، ولا يزيدنا الا فرقة، وليس من حكمة الشريعة ولا من سواء العقل ان نلقي باللائمة حينا على امريكا، وحينا على اليهود، وحينا على الشيطان، وحينا على الحكام، وحينا على الشعوب، وحينا على قادة الفكر والعلم والرأي، ونخرج نحن دون مسؤولية وكأننا لسنا من هذه الامة، بينما النص القرآني يقول: {ّهٍوّ مٌنً عٌندٌ أّنفٍسٌكٍمً } لنحاول المستطاع المقدور عليه، ومن ذلك الاغاثة والنزول فيها بقوة دون ان نشعر اننا متهمون أو نتقبل التهمة. ومنه استثمار الحدث للدعوة، فقد نتمكن من تواصل كان مقطوعا مع اخواننا في العراق، وقد تفتح لنا آفاق في المجاهدة والاصلاح الاعلامي والاجتماعي والتعليمي والسياسي لم تكن متاحة من قبل، وقد قيل: اذا هبت رياحك فاغتنمها فعقبى كل عاصفة سكون الخامس: توظيفه باتجاه كسر الحواجز مع افراد الامة وشبابها، فهم ميدان الدعوة، والدعوة وظيفتنا، وهؤلاء هم درء الاسلام وحرسه وحماته، ولذا لابد من تحقيق التواصل مع كافة افراد الأمة، مهما اختلفنا معهم في الآراء والمواقف والاجتهادات، ومهما فصلت بيننا وبينهم الاهتمامات والتوجهات. السادس: توظيفه باتجاه تحقيق وحدة الامة بكافة اطيافها والقضاء على التنازع والخصام، انه ليس من حق الاسلام ولا من حق المعركة ان ينشغل المسلمون بعضهم ببعض لا باللسان ولا بالسنان. ومن الخطورة بمكان ان يتأول احد في قتل اخيه المسلم بتأويل أو غيره، وفي الحديث: «اذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» {ومّن يّقًتٍلً مٍؤًمٌنْا مٍَتّعّمٌَدْا فّجّزّاؤٍهٍ جّهّنَّمٍ خّالٌدْا فٌيهّا}الآية، وعند البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما» وعند ابي داود عن ابي الدرداء رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال المؤمن معنقا صالحا ما لم يصب دما حراما فاذا اصاب دما حراما بلّح» وعنه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل ذنب عسى الله ان يغفره الا من مات مشركا أو مؤمن قتل مؤمنا متعمدا» وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قتل مؤمنا فاعتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا» قال خالد بن دهقان سألت يحيى بن يحيى الغساني عن قوله: اعتبط بقتله قال: الذين يقاتلون في الفتنة فيقتل احدهم فيرى انه على هدى لا يستغفر الله يعني من ذلك قال ابو داود: فاعتبط يصب دمه صبا. السابع: الانخراط في النقد والاصلاح داخل اطار المجموعات الاسلامية والتخلص من نمطية الفرد والرمز، إلى روح الشورى والمراجعة والتصحيح والتدارس، وهكذا داخل مؤسسات المجتمع الرسمية، وغير الرسمية، والازمة تنبعث من داخلنا، وحلها هو من عند انفسنا لا غير. الثامن: الانخراط في النقد والاصلاح داخل المجتمعات الاسلامية باتجاه العودة الصادقة إلى الله والتوبة من المنكرات والذنوب الفردية والجماعية، الاقتصادية منها والاعلامية والادارية والسعي الجاد في التصحيح. التاسع: احياء القضية الكبرى قضية فلسطين، وهنا فرص كبيرة لربط الاحداث بها، وانه لن يحصل سلام الا اذا عاد الحق لاصحابه.ان من اهداف الحملة الامريكية على العراق حماية امن اسرائيل، وتدشين السلام على الشروط اليهودية في ظل انكسار عربي نهائي كما يظنون ويقدرون، فعلينا ان نصر على حقنا، وان نقف وراء المدافعين عن الحوزات، الحارسين للحرمات من ابطال فلسطين الاشاوس. العاشر: الحذر من امتداد اللعبة إلى مواقع اخرى في كشمير أو الشيشان أو منطقة الخليج والجزيرة واليمن، وما اسهل ان يفتح ملف التسليح السوري أو الايراني، أو ملف حماس وحزب الله، أو ملف الاقليات وحقوق المرأة وقضايا التعليم وربطه بالارهاب في هذا البلد أو ذاك، وان تقحم الاممالمتحدة في الامر لاعداد التقارير والمتابعة والتهديد ثم الحصار.. ثم.. والله غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون.