* ويقول سبحانه وتعالى: {وّأّذٌَن فٌي النّاسٌ بٌالًحّجٌَ يّأًتٍوكّ رٌجّالاْ وّعّلّى" كٍلٌَ ضّامٌرُ يّأًتٌينّ مٌن كٍلٌَ فّجَُ عّمٌيقُ} *الحج: 27* وجاء في السنة المطهرة وفي أحاديث كثيرة صرحت بفريضة الحج، منها ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بُني الإسلام على خمس، على أن يوحد الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان والحج، فقال رجل: الحج وصيام رمضان. قال: لا. صيام رمضان والحج هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم). * والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، والحج هجرة إلى الله تعالى استجابة لدعوته وتقربا إليه فتصفو النفوس فيلتقي المسلمون على المودة ويربط الايمان والإسلام بينهم رغم تباعد الأقطار، وقد ذكر الشيخ وحيد الدين خان أن الحج هو اجتماع الدعوة السنوي للمؤمنين برسالة الاسلام في كل أنحاء العالم لكي يقيموا علاقتهم بالله تعالى، ويعملوا على تقوية أواصر الوحدة بين المسلمين، والحج عبادة جامعة، ففيه إنفاق المال ومشقة الجسد وذكر الله، والتضحية في سبيله. كما أن الحج أفضل الأعمال بعد الإيمان والجهاد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله. قيل: ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيل الله. قيل ثم ماذا؟ قال: حج مبرور. أخرجه البخاري. وعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإن متابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد). * وقال سبحانه وتعالى: {إيَّاكّ نّعًبٍدٍ وّإيَّاكّ نّسًتّعٌينٍ} *الفاتحة: 5*. * ، ومما لا شك فيه أن الحج فريضة تقوم على التجرد لله سبحانه وتعالى وإخلاص العبادة له، كما ذكر أن من مقاصد الحج تقوى الله وحبه والشوق إليه تعالى، وتجديد للصلة بخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام إمام الملة الحنيفية والمحافظة على إرثه. يقول سبحانه وتعالى:{مٌَلَّةّ أّبٌيكٍمً إبًرّاهٌيمّ} *الحج: 78* . وبما أن في مكةالمكرمة بيت الله الحرام لذا ابتدأت الدعوة الحنيفية في مكة بإمام الهداية إلى الله تعالى إبراهيم عليه السلام، فقال سبحانه وتعالى: {إنٌَي جّاعٌلٍكّ لٌلنَّاسٌ إمّامْا} *البقرة: 124* ، واختتمت في التاسع من ذي الحجة من العام العاشر الهجري حيث ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة تفصيلية تعرف بخطبة حجة الوداع. ولذا نجد أن كثيراً من علماء السلف تلقوا العلم أثناء الحج حيث يلتقي العلماء وطلاب العلم الشرعي وتم تصحيح أفكارهم ومعتقداتهم ورووا عنهم بأسانيدهم في الحج لأنه موسم عظيم للعلم والدعوة الى الله سبحانه وتعالى، فقد رأينا في إندونيسيا - على سبيل المثال - كثيراً من العلماء الذين دعوا إلى صحيح المعتقد قد التقوا بعلماء في مكةالمكرمة أثناء الحج وتأثروا بهم مثل الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - وغيره من أئمة السلف. كما أن الحج تجديد للدعوة والتعاليم الإسلامية وتقوية عواطف المسلمين الدينية، وشحن قلوبهم بالحماسة والتضحية نتيجة الآثار التي يشاهدونها، والذكريات التي تثيرها في نفوسهم، والتوجيهات التي يتلقونها من العلماء والدعاة والثقافات المطلوب تعلمها في الحرمين الشريفين وفي عرفات ومنى وفي رمي الجمار، من خلال الدروس والمحاضرات والندوات التي تقيمها رابطة العالم الإسلامي ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد عن طريق التوعية الإسلامية، والحج مؤتمر خلقي لتدريب النفوس على الاخاء والمساواة والبساطة في المأكل والملبس. وفي الحج تتجلى مظاهر الوحدة الاسلامية إذ يتجه حجاج بيت الله الحرام على اختلاف ألوانهم وجنسياتهم وأهدافهم الى معبود واحد يأتمرون بأمره وينتهون لنهيه ويعتصمون بحبله، وهذه أجلُّ مظاهر الوحدة والترابط. كما ذكر الشيخ الندوي كذلك أن الحج مركز دائم للهداية والرشاد يجتمع حوله العالم الاسلامي كل عام ويطوف حوله أعظم العلماء والعقلاء، والزعماء والعظماء، والملوك والأمراء، والأغنياء والفقراء، يثبتون أنهم مجتمعون على تفرق، متحدون على تعدد، متركزون على انتشار، أغنياء على الفقر، أقوياء على الضعف. ومن المنافع التي يشهدها المسلمون في الحج بالنسبة للدعوة الى الله هي تبصيرهم بأمور دينهم وتصحيح عقيدتهم وبيان البدع والخرافات التي علقت بأذهانهم وبمعتقداتهم ووجوب التخلص منها بإخلاص العبادة لله وحده، فالحج من أكبر الوسائل الدعوية للإسلام، حيث يجتمع أكبر عدد من المسلمين في مكان واحد، وهو فرصة عظيمة للدعاة الى الله بتذكير المسلمين بواجباتهم والنهوض بهم وتزكية روح الاسلام فيهم، حيث تتجمع كل وسائل الدعوة والمظاهر الإعلامية مكثفة جهودها لخدمة ضيوف الرحمن. وهو فرصة للتطبيق العملي للدعوة الى الله ونشر العلم الشرعي والمفاهيم الصحيحة حيث يختلط الدعاة والعلماء بالحجاج فيشهد الحجاج عن قرب السلوك العملي للدعاة وتطبيقهم لشرع الله، مما يكون له أكبر الأثر في نفوس المسلمين وتثبيت قواعد ومبادئ الدعوة وترسيخها في أذهانهم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يعتبر الفرد صحيحاً نفسياً وسلوكياً متى ما كان متوافقا مع الذات والآخر، مادام أنه ناجح في سلوك التفاعل ومجيد في الاتصال القائم فيما بينه وبين من سواه من المنتظمين في شبكة العلاقات الاجتماعية. وكم يتأثر كبار السن شأنهم في ذلك شأن باقي فئات السن المختلفة بما وعته واختزنته الذاكرة من مهارات وخبرات على مر حياتهم، خاصة تلك المواضع الحياتية الضاغطة، أو المواجهة الصعبة مع ما في الحياة من معضلات تصادف الفرد ولا يجد حيالها الا حتمية الدخول في دائرتها والتعامل معها، وربما يجد صيغة آمنة إلى حد ما لإمكانات التعامل الصحيح مع هذه المعضلات، وقد يوفق في ذلك وقد لا يوفق حسبما تكون عليها من درجات الشدة، وهي قد تتجاوز قدراته وإمكاناته، وحينئذ لا يجد سبيلا الا اللجوء في طلب العون من إخصائي في الصحة النفسية يجيد استخدام فنون وآليات التوجيه والإرشاد النفسي. مع الوضع في الاعتبار أن سلوك الشخص يتحدد وفقا لما تمليه عليه دوافعه. ويجدر التنويه إلى أن هذه الدوافع تدور حول نمطين من الدوافع هما: دوافع أساسية وهي فطرية بمعنى أن الإنسان لا يكتسبها تعلماً أو ممارسةً بل إنها قد وجدت بوجوده وتدعمت على مدار سني حياته، وتبعث فيه القدرة على الاحتواء للمواقف والأزمات. ومما يجدر ذكره أن هذا النمط الفطري من الدوافع له تأثير بالغ في كل من أعضائه وكذلك في سلوكه. فهاكم الجوع مثلا الذي يشعر الإنسان معه بالتوتر نتيجة خواء معدته، ويبقى مضطربا ريثما يحصل على الغذاء ومن ثم يتناوله، وحينئذ يخف التوتر الذي أحدثه الجوع، ومن الممكن أن يتكرر هذا التوتر مع العطش والرغبة في الدفء أو النوم... الخ. أما النمط الآخر من الدوافع فهو ما يعرف بالدوافع المكتسبة وهي التي يتشربها الشخص في نفسه من خلال عملية التعلم من البيئة الاجتماعية أو الطبيعية وما يقدم من سبل التحفيز، وكذلك يمكن أن يتعلمها الشخص عن طريق ما يندمج فيه من منظمات أو ما يندرج فيه من أنساق مختلفة وماتمثله هذه المنظمات والأنساق من ضغوط تعتري الإنسان خلال مسيرته الحياتية عموما وما ينتقل إليه من إتجاهات تقدمها له أنساق أخرى كالإعلام، والمسجد، والنادي، والجيرة والأقارب. ولما كانت هذه الدوافع مكتسبة بالتعلم أو بالاحتذاء حذو الآخرين، أو امتثال نموذج أو مثل أو قدوة، فيمكن والحالة هذه أن يتم التأثير فيها سلبا وإيجاباً حيث يمكن العمل على تعديلها وتوجيهها صوب السواء السلوكي المعياري المرغوب فيه، في الوقت نفسه يمكنه انحرافها نحو اللا سواء القيمي. كما أن هذا النمط من الدوافع يتشربه الإنسان نتيجة استدخاله في ثقافة المجتمع، ومن هنا يهيمن على التكوين النفسي للفرد وربما أيضا يسيطر على منظومة الفكر الذي يؤثر بدوره في سلوك التفاعل الاتصالي. وأيضا يؤثر في نمط المعيشة وأسلوب الحياة وفي مفهوم الذات وإرادة التغيير، والنيل من المبررات والذرائع لقبول هذه الدوافع، وهو أمر يدفع إلى بروز دوافع جديدة باعتبارها مطلبا حتميا للتوافق مع الواقع المعاش ومكوناته الموقفية أو الظرفية. هذا التوافق تتباين شدته وفاعليته حسب نمط الشخصية مع الوضع في الاعتبار أن كبار السن الذين صقلتهم المعارك مع تيار الحياة فأكسبتهم خبرة التواصل الجيدة ينطلقون بمدرك الاستعدادات ووعي الاتجاهات نحو سلامة التكوين النفسي، وحسن الملكات العقلية حيث انهم يمتلكون مساحة طيبة من قدرة على الصمود والتحمل والمواءمة مع الذات والآخر، والتفاعل السوي مع البيئة المحيطة، وعلى طرف آخر نجد جمعا من كبار السن نتيجة لما يلاقونه من عنت في وتيرة الحياة الصعبة وحتمية المعايشة مع نمط حياتي يتسم بصعوبة التوافق مع المتغيرات المستحدثة وتعارضها مع ما سبق اكتسابه من اتجاهات، ومفهومات، بل سلوكيات قد تكون عاملا مسببا أو مهيئا للإصابة بالانعزالية، والاكتئاب والانفصام... وغيرها من علل ترمي به للخروج من دائرة الصحة النفسية وتدخله دائرة اللاسواء في سلوك الاتصال، الأمر الذي يضطره للجوء طواعية إلى اخصائي العلاج النفس عساه يخفف من حدة ما آل اليه حاله، وما اعترض طريق الصحة النفسية. ومن هنا لزم على الدولة أن تنشىء من المؤسسات ما يتعلق بالصحة النفسية لكبار السن. وحيث ان هذه المؤسسات قائمة وتشرف عليها وزارة العمل والشئون الاجتماعية فلزم العمل على دعمها ومساندتها كي تؤدي دورها المنشود بما هو أفضل في المناهج والطرق التي تتناسب وكبار السن.