ضمن الاحتفالية الثقافية السعودية ألقى الدكتور سعد البازعي أستاذ الأدب الانجليزى محاضرة قيمة عن الإسهام السعودي في صناعة الموسوعات.. وبالطبع هي صناعة « ثقافية» ثقيلة تحتاج الى تضافر جهود الأفراد والمؤسسات وأحياناً الدول. باعتبارها -كما قال البازعي - جزءاً أساسياً من التكوين الثقافي لأي دولة وحضارة. عرف د. البازعي الموسوعة في أبسط مفاهيمها بأنها تضم عدداً من الكتب أو الأجزاء تحتوي على عدد وافر من المعلومات وتتسم بالشمولية، وأحياناً تكون هذه المعلومات متنوعة بصورة تفقدها الصلة بعضها ببعض، وشتات من المعرفة ينتقل من موضوع جاد إلى آخر هازل.. ومن المؤلفات الموسوعية في الثقافة العربية تاريخ الملوك للطبري والأغاني للأصفهاني والحيوان للجاحظ. أشار الى أن لفظ موسوعة يعود الى الفرنسيين مع بداية حركة التنوير وقيام عدد من العلماء بجهد جماعي يهدف الى تبويب المعرفة وتقديمها بطريقة سهلة وميسرة للقارىء وكان فولشير يطلق على هؤلاء العلماء لقب «الموسوعيين».. وفي الثقافة العربية الحديثة نجد أن بعض الكتاب سعى إلى نمط من التأليف الموسوعي مثل البستاني والعقاد وطه حسين. أكد البازعي - في محاضرته- أن كم المعلومات ليس هو الشرط الرئيسي لكي نصف كتاباً ما بالموسوعة، وإنما الأساس هو الرؤية المعرفية والفلسفية التي تقف وراء المشروع وتهدف الى اضاءة القارىء وإيصال رسالة تعتمد على خلفية تاريخية ونظرية متماسكة. وبالنسبة إلى المشروعات الموسوعية بالمملكة تحدث البازعي عن الجهود الجماعية التي بذلت في هذا الاتجاه خاصة في السنوات العشر الأخيرة وضرب عدة أمثلة منها «الموسوعة الثقافية التقليدية» وتعني بالموروث الشعبي وهي موسوعة متخصصة ظهرت منذ عامين في ثمانية أجزاء وشارك فيها عدد من الباحثين المتخصصين وتهدف الى جمع أكبر عدد من المعلومات المتعلقة بالموروث الشعبي في الجزيرة العربية وليس في المملكة فقط لأن المعرفة إرث شامل والموروث هنا شامل أيضاً. كذلك «موسوعة الأدب العربي السعودي» التي ظهرت قبل أشهر قليلة في 10 مجلدات تلم شمل الأدب الحديث خلال مائة عام وهي في حقيقتها مختارات من الأدب العربي في المملكة، وفي المجلد الأول _ أصغر الأجزاء _ تعريف للقارىء بالموسوعة وكيفية الدخول اليها وقام عليها عدد من الباحثين بمبادرة سخية من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز. وحرص القائمون عليها - كما يشير البازعي- الى تأكيد صفة العربة قبل «السعودي» في دلالة واضحة على فلسفة المشروع وأن هذا الأدب ليس منفصلاً عن أدب العرب في أي زمان ومكان. قال البازعي إن البعض انتقد الموسوعة لأنها عبارة عن «مختارات» وهذا ليس عيباً أو دليلاً على فشل العمل، مع التأكيد أن الموسوعة تختلف عن المختارات في كونها تتسم بالإحاطة الشاملة وتقدم مداخل معلوماتية حول معلومات متعددة. ولاشك أن العلاقة بين الموسوعة والمختارات تثير إشكالية مهمة على مستوى العريف وطبيعة كل منهما. النموذج الثالث هو «الموسوعة الشاملة» وضرب البازعي مثلاً بالموسوعة العربية الشاملة التي ظهرت عام 1996 في ثلاثين مجلداً حوالي 17 ألف صفحة وهي الموسوعة الوحيدة في اللغة العربية التي تشمل جميع المعارف وتحتوي على 3 مجلدات عبارة عن فهارس وقوائم المواد وقاموس للموسوعة كلها. تحدث في البداية عن محاولة ترجمة موسوعة كاملة عن ثقافة أخرى والصعوبات التي صادفت هذا المشروع، وخص بالذكر ترجمة الموسوعة الأمريكية «world book» التي تمتاز بحداثتها وسهولتها حيث أنها كتبت لطالب الثانوية أو القارىء المتوسط، ورغم أن النواحي المادية لم تكن كافية إلا أنه تم العثور على حوالي 1000 مترجم وباحث من مختلف الدول العربية للمشاركة في العمل وكانت الأجزاء المطلوب ترجمتها تصل إليهم في بلادهم ليقوموا بالترجمة ثم إرسالها فيما بعد ووفر صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز كامل الدعم المادي والمعنوي للمشروع. وتمثلت أهم الصعوبات التي صادفت المشروع في الفروق بين الثقافة المحلية الأمريكية وبين الثقافة العربية الإسلامية، فمثلاً لايمكن أن نكتب عن تاريخنا الإسلامي وشخصياته من منظور الموسوعة الأمريكية وبنفس الاقتضاء الشديد كذلك نجد أن مدينة أمريكية متوسطة الأهمية يتم عرضها في عشرين صفحة من الموسوعة في حين أن مدينة مثل القاهرة لا يزيد الحديث على صفحتين. وما يقال على المستوى الجغرافي يقال على مستوى الموسيقى والفنون وغير ذلك. فإذا كان القارىء الأمريكي للموسوعة لايهمه أن يعرف عن الجمل سوى نصف صفحة لا أكثر فإن القارىء العربي يهمه أن يعرف الكثير عنه.. لهذه الأسباب تم تغير فكرة المشروع بدلاً من الترجمة الكاملة للموسوعة الأمريكية أو تأليف موسوعة عربية خاصة، وهذا أيضاً أمر بالغ الصعوبة، تم المزج بين الفكرتين.. أي ترجمة أجزاء من الموسوعة الأمريكية وتأليف أجزاء أخرى في الموسوعة العربية العالمية والمشروع القائم الآن هو وضع هذا الكم الهائل من المعلومات على شبكة الانترنت حتى يتاح للجميع، وهو مشروع يحتاج الى تكلفه عالية وتقنيات متميزة لوضع وترجمة حوالي 700000 صفحة من صفحات شبكة الانترنت. وأشار د. البازعي إلى حرص القائمين على الموسوعة على سد النقص في المعلومة المترجمة وإزالة التشويه فيما يتعلق بالدين والشخصيات مع الحرص على أمانة الترجمة والتوازن بين الترجمة والتأليف.. وأضاف أن المهم هو توفير نسخة شعبية أو على اسطوانات لتكون متاحة للجميع.