إن مما يبرز مكانة التوسعة السعودية والدور الكبير الذي أُدي لحرم الله في هذا العهد ما سوف نلمُّ به في هذه المقالة وما بعدها بقدر ما يسمح به الحيّز، وكمدخل لذلك نسير مع الشريف محمد آل عبدالله في كتابه الزيادات في الحرم المكي الشريف من العصر النبوي إلى العصر السعودي (8ه 1416ه),, بالمقارنة التالية: في العهد النبوي: كان المطاف في الصحن الذي يحيط بالكعبة المشرفة، والذي تقدر مساحته من 1490 2000م2 تقريباً المسجد الحرام القديم ، ويحيط به بيوت القرشيين، وأبواب تلك الدور متجهة نحو الكعبة. الزيادة الأولى قام بها عمر بن الخطاب، فقد أحاط المسجد بجدار دون القامة، وجعل هل أبواباً، وأما المساحة للمسجد فلا تزيد عن محاذاة المقامات الأربعة التي تحيط بالمطاف، وأبطلها الملك عبدالعزيز عام 1343ه لاجماع العلماء على أنها بدعة تعدد الجماعات، ومن أسباب الفرقة، ثم أزيلت في التوسعة الأولى، وتقدر المساحة ب2350م2. الزيادة الثانية قام بها عثمان بن عفان، حيث هدم الدور المحيطة بالمسجد وأدخل أرضها فيه، وجعل له أروقة، وكان هو أول من اتخذ الأروقة، حيث كان قبل ذلك متسعاً فسيحا، فأصبحت المساحة للمسجد تساوي 4390م2. الزيادة الثالثة قام بها عبدالله بن الزبير بن العوام، سنة 65ه,، حيث زاد المسجد من الناحية الشرقية وبشيء من الجنوبية، والشمالية، ويقال إنه سقف المسجد، وجعل له أعمدة من رخام، وتقدر مساحة المسجد في زمنه ب8440م2 تقريبا. الزيادة الرابعة قام بها الوليد بن عبدالملك عام 91ه، زاد في المسجد من الناحية الشرقية، وعمره عمارة متينة محكمة، وهو أول من جاء بأعمدة الرخام من مصر والشام، وسقفه بالخشب الساج المزخرف، وهو أول من زين المسجد الحرام بالفسيفساء وجعل للمسجد سرادقات مثل المظلات أو الخيام، وتقدر المساحة للمسجد في عهده بحوالي 10740م2. الزيادة الخامسة قام بها أبو جعفر المنصور عام 137ه، فقدر زاد المسجد من الجهة الشمالية والغربية، وعمل منارة في الركن الغربي من الجانب الشمالي، وأضاف رواقاً واحداً بأساطين الرخام، دائراً على صحن المسجد، وكان أول من ألبس حجر إسماعيل بالمرمر من داخله وخارجه وأعلاه، وتقدر المساحة في عهده بحوالي 15440م2. الزيادة السادسة قام بها محمد المهدي العباسي عام 160ه، وقد زاد في الجهة الشرقية والشمالية، وقد بلغت مساحة المسجد في عهده 23390م2 تقريبا. الزيادة السابعة وهي الثانية في آخر عهد المهدي عام 164ه، في عهد ابنه الهادي، رأى أن الكعبة ليست واقعة في وسط المسجد بعد الزيادة الأولى فأمر بالزيادة من الجهة الجنوبية، حتى تكون الكعبة في الوسط، وقد أنشأ ثلاث منائر على باب السلام، وباب علي وباب الوداع، وتقدر المساحة بعد هذه الزيادة ب25750م2 تقريبا. الزيادة الثامنة قام بها المعتضد العباسي عام 284ه، ضم الباقي من دار الندوة، من الجهة الشمالية، وأضاف بابا جديدا، وقد رمم وجدد المسجد بأكمله، وتقدر المساحة بهذه الزيادة ب27000م2. الزيادة التاسعة قام به المقتدر العباسي عام 306ه، وفي زيادته هذه جعل للمسجد ثلاثة أروقة شمالية وشرقية وجنوبية، وتقدر مساحة المسجد في عهده ب27850م 2 . يراجع هذا الكتاب ص 938[. وجاء في كتاب: (الحرمان الشريفان التوسعة والخدمات خلال مائة عام)، الذي أصدرته الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي: أن المسجد القائم قبل التوسعة السعودية، شيده السلطان سليمان العثماني الذي بدأ العمل فيه عام 980ه. وبعد وفاته أتمّه ابنه السلطان مراد سنة 984ه، ولم يتغير خلال أربعة قرون، ولم يطرأ عليه شيء سوى بعض الترميمات الصغيرة، جرت في أوقات مختلفة، وكانت مساحته 29100م2 ]ص3132[. ويقول رشدي الصالح ملحس المحقق لكتاب (أخبار مكة) للأزرقي في الملحق 5 عن التوسعة السعودية للمسجد الحرام: وقفت مساحة المسجد الحرام عند الحد الذي بلغته بعد زيادة المقتدر منذ أكثر من ألف وسبعين عاما، ولكن البناء حوله لم يقف عن حد، بل ظل يزحف إليه، حتى اتصلت به المنازل. وهكذا كانت الحال بالنسبة للمسعى، فقد فصلت المباني الخاصة بينه وبين المسجد الحرام، وأصبح على مرّ العصور طريقا ضيقا، تقوم على جانبيه الحوانيت، تملؤها السلع المختلفة، وترتفع فوقها المساكن طبقات. هذه المساحة التي ظل المسجد محدوداً فيها - إن كانت تتسع في الماضي لبضع عشرات من ألوف الحجاج في كل موسم أيام لم تكن للسفر وسائط غير الحيوان وسفن الشراع فإنها بدأت تضيق بالوافدين، منذ تغيرت تلك الوسائط إلى بواخر سريعة, وطائرات وسيارات، فازداد بهذا التغيير الاقبال على الحج، وأصبح عدد الوافدين في كل موسم يزيد عن سابقه، وبدأت أروقة المسجد الحرام، ورحابه تضيق بهم في أوقات الصلاة، وخاصة في أيام الجمع حيث يضطر كثير منهم لأداء فريضتها في الطرقات، والأزقة المحيطة بالحرم، وكلما مرت الأعوام، وازداد العدد كثرة، والزحام اشتدادا، ازداد من في مكة ، سكانها وحجاجها، شعورا بالضيق، وارتفعت أكفهم بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى، بأن يهيىء لبيته المشرف من يقوم بتوسعته وتجديد عمارته، ولكن أحداً من ملوك المسلمين أو أمرائهم لم يفكر في زيادة شبر في مساحته، بعد زيادة المقتدر ]أخبار مكة للأزرقي 2:330[. وقد نسي الزيادة العثمانية والبناء الذي لم تغيره الحكومة السعودية في التوسعة الكبرى للمسجد الحرام، والإشارة إليه. - وقد أعطى ملخصا، بعد الحديث عن مراحل التوسعة السعودية، لمساحة المسجد الحرام بعد التوسعة، وذلك في عام 1382ه وهي السنة التي بدأت فيها المرحلة الثالثة، في مشروع التوسعة,, وقال: كانت مساحة المسجد الحرام قبل التوسعة 29127م مسطحاً، سيزاد عليها: أ - مساحة التوسعة الجديدة، الطابق الأول والثاني من الأروقة 31306م 2 ، فتصبح 60436م 2 . ب مساحة المسعى، بعد أن ضمت إلى المسجد الحرام، وأصبحت جزءا منه 10172م 2 ، فتصبح مساحة المسجد الحرام، الدور الأول من الأروقة والمسعى 70608م 2 . ج, مساحة الدور الثاني بما فيه المسعى الطابق الثاني 60560م 2 . د, مساحة طبقة البدرومات التي تحت أروقة التوسعة كلها 29000م 2 ,, ليصبح مجموع مساحة المسجد الحرام بطابقيه وبدروماته بعد التوسعة 160168م 2 ,, وهي مساحة تتسع لأكثر من 300 ألف من المصلين، في وقت واحد، يؤدون صلاتهم في سعة واطمئنان، وفي إمكانهم مشاهدة الكعبة المشرفة مهما بعدت أماكنهم ]أخبار مكة للأزرقي 2:337338[. وكان الملك قد أمر بتوسعة المسجد النبوي، قبل توسعة المسجد، وفعلا تم هذا، وكانت نيته - رحمه الله - توسعة المسجد الحرام، حيث بدأ عدد الحجاج يتكاثر، كما قال المؤرخ حسين بن عبدالله باسلامه، بأنه في عام 1345ه كثر عدد الحجاج، كثرة عظيمة، حتى بلغ عدد الواردين منهم من جهة البحر مائة وأربعين ألفا، ومن جهة البر ما يربو على ثلاثمائة ألف، وهذا العدد سواء كان من جهة البحر أو البر، يندر وقوعه، في مواسم الحج الأخرى، ولذلك ضاق المسجد بالمصلين ]كتاب التاريخ القويم لمحمد طاهر كردي 5:192[, وسوف نلمُّ إن شاء الله بمعلومات عن تلك التوسعة. ثم ذكر الكردي عن اللجنة التنفيذية لتوسعة المسجد الحرام ما يلي: بعد أن انتهت الحكومة العربية السعودية من توسعة المسجد النبوي بالمدينة المنورة في سنة 1374ه، عزمت على توسعة المسجد الحرام بمكةالمكرمة، فأمرت بتأليف لجنة لذلك، لبدء العمل فيه من أول سنة 1375ه، فتألفت هذه اللجنة من فضلاء البلاد وسميت اللجنة التنفيذية لتوسعة المسجد الحرام وأعضاؤها كما يأتي: 1 معالي الشيخ عبدالله بن عدوان وزير المالية والاقتصاد الوطني. 2 سعادة أمين العاصمة. 3 سعادة مدير الأوقاف. 4 سعادة مدير عين زبيدة. 5 سعادة مدير الأمن العام. 6 مندوب من وزارة الداخلية. 7 محمد طاهر الكردي المكي الخطاط. مؤلف هذا التاريخ يريد كتابه هذا واسمه الكامل: كتاب التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم . ولقد دام العمل في توسعة المسجد الحرام، عشر سنوات، ولم ينته العمل فيه إلى اليوم يريد وقت كتابة تاريخه، لأنه طبع الطبعة الأولى عام 1385ه. ثم قال: ثم امتد العمل من توسعة المسجد الحرام، إلى توسعة شوارع مكة المشرفة، بما لم يسبق له مثيل في العصور القديمة أبداً، وقد صرفت الحكومة في هذه الأعمال العظيمة مبالغ طائلة لا تنحصر، بل لقد امتد العمل في العمران، إلى جميع المدن الكبرى في المملكة العربية السعودية، فسبحان الكبير المتعال، مغير الحال والأحوال، لا إله إلا هو العزيز الغفار، ثم بعد سنوات تغير بعض أعضاء اللجنة التنفيذية، وصار رئيسها هو صاحب السمو الملكي الأمير مساعد بن عبدالرحمن وزير المالية والاقتصاد الوطني ]كتاب التاريخ القويم 5:193[. وهذه ليست هي كلها التوسعة السعودية، مع اننا سنخصص - بإذن الله - الحديث القادم للتوسعة السعودية، وهي التي قسمها الشريف محمد بن مساعد آل عبدالله، في كتابه (الزيادات في الحرم المكي الشريف)، من العصر النبوي، إلىالعصر السعودي، إلى قسمين: الأول سماه الزيادة التاسعة سنة 1375ه التوسعة الأولى، زيادة الملك سعود بن عبدالعزيز، والثاني سماه الزيادة الثانية في العهد السعودي، سنة 1409ه توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - حفظه الله -. فعن التوسعة الأولى سنة 1375ه قال: جاءت التوسعة السعودية بعد أن ظل المسجد الحرام 1069عاما، بدون أي زيادة في مساحته، حتى أدى ذلك إلى التصاق البيوت بالمسجد الحرام، لدرجة أن انفصل المسعى عن المسجد وبات مجرد طريق تقوم المساكن والدكاكين على جانبيه. ومن اهتمامات الملك عبدالعزيز رحمة الله عليه، مؤسس المملكة العربية السعودية الاهتمام بشؤون الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وراحة الحجاج، فما لبث أن أمر بالترميم، من ترخيم وتجديد للأصبغة، وإصلاح الأبواب، والأرضيات للأروقة بالكامل. وهو أول من رصف شارع المسعى من الصفا إلى المروة، بالحجر الصوان المربع، وجدد مظلة المسعى، وقد كان أول من عمل مظلة، على شارع المسعى، هو الملك الحسين بن علي سنة 1339ه وكانت مسقّفة من الخشب المصفح بالتوتوه الزنك ,, ولقد كانت بداية التوسعة السعودية الأولى في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز، حيث تم هدم البيوت التي بجانب المسعى لبناء المسعى بطابقين، وجعل في الطابق الأول حاجزا، يفصل بين الصفا والمروة، وجعل للطابق الأول 16 باباً ومدخلين للطابق الثاني، أحدهما عند الصفا والثاني عند المروة، ثم هدم المباني من الناحية الجنوبية، وتمت التوسعة ببناء وتسقيف الرواق الجديد، بطابقيه الأول والثاني، وبناء طبقة من البدرومات تحت التوسعة، تحت المسعى. وكذلك فعل في الجانب الغربي والشمالي، حيث أتت العمارة السعودية قوية، ومتينة يكسو جدرانها المرمر وسقوفها وعقودها الحجر الصناعي، ليضيف ضخامة وبهاءً. وأصبح عدد الأبواب واحداً وخمسين باباً، ما بين صغير وكبير، وأنشئت سبع منائر عوضا عن المهدومة في التوسعة، وقد بلغت المساحة الاجمالية للمسجد الحرام 180850م2, وتكون الزيادة السعودية الأولى قد بلغت مساحتها 153000م2، أي أن المسجد قد تضاعف حوالي 6 مرات المساحة القديمة ]ص3940[. ثم تحدث عن التوسعة الثانية عام 1409ه التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز فقال: لقد تألفت مشروعاته من نوعين، الأولى: تحسين وتجميل وتجهيز، والثانية: زيادة في مساحة المسجد الحرام من الناحية الغربية للحرم، وهي تمتد من باب الملك عبدالعزيز إلى باب العمرة، وذلك ببدروم وطابقين، مع استخدام سطحها مع كامل المسجد للصلاة فيه وأضيف مبنيان للسلالم الكهربائية المتحركة، وقد ضمت التوسعة مدخلا رئيسيا، وهو باب الملك فهد، و14 مدخلا فرعيا، ومدخلين للبدروم، وطاقمين مع استخدام السلالم الكهربائية, وعرفت هذه الزيادة الغربية باسم زيادة الملك فهد، خادم الحرمين الشريفين التي تميزت بالتكييف والجودة . وقد أضيفت مئذنتان جديدتان تتشابهان في شكلهما مع المآذن السبع، فيصبح عدد المآذن الحالية، للمسجد الحرام، تسع مآذن، وقد بلغت مساحة الزيادة 76000م2,, وبذلك تبلغ مساحة المسجد الحرام، بعد التوسعة بقسميها 256850م2، بحيث أصبح أكبر مسجد في العالم بأسره، وهذه من المفاخر للدولة السعودية، التي يسجلها التاريخ,, وعلى هذا تكون الزيادة السعودية الثانية - توسعة خادم الحرمين الشريفين - وقد ضاعفت المسجد الحرام القديم تقريبا حوالي ثلاث مرات، وعليه تكون التوسعة السعودية في قسميها الأول عام 1375ه بأمر الملك سعود رحمه الله، وعام 1409ه بأمر خادم الحرمين الشريفين أمد الله في عمره، قد ضاعفت مساحة المسجد الحرام، 9 مرات عن المساحة القديمة تقريباً، التي تمثل مساحة الحرم الشريف حتى الزيادة الثامنة. وفي الحديث القادم إن شاء الله سوف نلمُّ ببعض التفصيلات، ومقدار الاستيعاب للمصلين، بارك الله في تلك الجهود، وأعان ولاة الأمر على كل خير، وضاعف لهم الأجر ومدّهم بتوفيقه. أدب التوبة: ذكر محيي الدين بن عربي في كتابه (محاضرات الأبرار، ومسامرات الأخيار) حكاية عن إبراهيم الخليل عليه السلام، فقال: قرأنا في الخبر الأول: أن الخليل عليه السلام، اتفق له قضيتان متعارضتان: أدب في الواحدة، وشكر في الأخرى، فإن الله تعالى هو متولي أدب عباده الصالحين، أما التي شكر عليها في هذا الباب، وذلك أنه عليه السلام نزل به رجل من عبدة الأوثان، فأضافه الخليل، وأكرمه، فضجّت الملائكة في السماوات، وقالوا: ربنا خليلك يضيّف عدوك فقال لهم: جلّت قدرتي يا ملائكتي، أنا أعلم بخليلي منكم، ثم أمر جبريل عليه السلام، فنزل وعرض عليه قول الملائكة. فبكى إبراهيم عليه السلام، وقال له: يا جبريل قل لمولاي، منك تعلمت الكرم، يشير إلى حكاية الأدب التي أسوقها بعد هذه إن شاء الله تعالى، رأيتك تحسن إلى من أساء إليك، فتعلمت منك. وأما حكاية الأدب، فنزل به عليه السلام، رجل من عبدة الأوثان، فاستضافه، فقال له إبراهيم: لا أضيّفك حتى تسلم، فأبى عليه وانصرف، فأمر الله جبريل، أن ينزل على إبراهيم عليهما السلام، فقال له: يا إبراهيم يقول لك ربك استضافك عبدي، فشرطت عليه أن يترك دينه، من أجل لقمة يأكلها عندك، وأنا أرزقه منذ ثمانين عاماً على شركه، فلما أبى تركته، قال: فبكى إبراهيم، ثم قام يقفو أثر الوثني، إلى أن لحق به، فعرض عليه الرجوع، فأبى عليه، أو يخبره بسبب ذلك، فقال له إبراهيم عليه السلام: إن الله عاتبني فيك، وقال لي كذا وكذا, فبكى الوثني وقال: يا إبراهيم أسلمت لرب العالمين,, فأسلم الوثني هذا، نتيجة الكرم. وفي هذا المعنى أنشد بعضهم: أطعمتني بالجود حين بدأتني أفلا أومّل نعمة الإتمام حاشا الكريم إذا تفضل منعماً مما يشين محاسن الأنعام وأورد في هذا توبة أبي نواس، قال: حكى لنا بعض شيوخنا: أن الحسن بن هانىء وهذا هو اسمه، الشهير بالمعاصي، رآه بعض أصحابه في النوم، وهو على حاله، حسنة، فقال له، وقد أنكر في نفسه ما رآه من حسن حاله، مع ما يعرفه من خبث سيرته: ما فعل الله بك يا أبا نواس؟, قال: غفر لي، وصيّر حالي إلى ما ترى، قلت: فهل تعرف لذلك سبباً سوى جوده سبحانه؟, فقال: يا أخي من جود الله وعظيم منّته أن وفقني قبل أن يقبضني، إلى أبيات عملتها، في حالتي بقلب منكسر، وحسن ظن بمن لجأت إليه في وقت ضرورتي، فقبل ذلك مني، وغفر لي, فقلت: أنشدني إياها, قال: تراها تحت وسادتي فاستيقظت، وجئت البيت، واستأذنت فرفعت الوسادة، فإذا بالرقعة تلوح فتناولتها فإذا فيها: يا رب إن عظمت ذنوبي كثرةً فلقد علمتُ بأن عفوك أعظم إن كان لا يرجوك إلا محسنٌ فبمن يلوذ ويستجير المجرم أدعوك ربِّ كما أمرت تضرعاً فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم ]2: 156 158[.