يحتفل المسلمون في أرجاء العالم بعيد الفطر المبارك بعد شهر حافل بالصلاة والصوم والزكاة والخشوع والتعبد إلى الله ليكون صومنا وصلاتنا ودعاؤنا مقبولا، وإن يهدي الله المسلمين إلى سواء السبيل. ففي العيد لابد ان يذكر الناس اخوانهم المجاهدين في فلسطين الذين ضحوا وما زالوا يضحون من أجل دحر الاحتلال الصهيوني عن الأراضي الفلسطينية ووقف تدنيس المقدسات ورفع الظلم والمعاناة عن هؤلاء المجاهدين. وفي العيد يبتهج المسلمون بأنهم قضوا شهرا حافلا بالتعبد، ضارعين إلى الله ان يعيد عليهم هذه المناسبة باليُمن والإقبال. فعن أنس رضي الله عنه أنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال صلى الله عليه وسلم أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر. فهذان العيدان نهاية بفرحة لمرحلة ممارسة روحية سامية.. الفطر بعد ثلاثين يوما من مجاهدة النفس بالخشوع والتهجد.. والأضحى بعد مجاهدة الحج. فمناسبة عيد الفطر تعني أيضاً نهاية موسم طاعة وبداية طاعة أخرى كصلاة العيد، بنحو يبدو معه الإنسان في استجمام روحي مستمر، فالفرح الحقيقي إنما هو بالتوفيق لأداء الفريضة، فيعبر المسلم عن شكره لله عبر صلاة العيد. وما وجوب وجود خطبة العيد إلا دليل على تجديد الولاء والبيعة مع الله على سلوك النهج المستقبلي الذي يرضاه. وعن الإمام الحسين أنه قال في بعض الأعياد: (إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى رضوانه، فسبق فيه قوم ففازوا وتخلف آخرون فخابوا، فالعجب كل العجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون ويخيب فيه المقصِّرون). وعيد الفطر موعد التزين بذكر الله تكبيرا وتحميدا وتهليلا وتقديسا، وساعة رضا واطمئنان لنعم الله. قال سويد بن غفلة: دخلت على علي يوم عيد فإذا عنده، خوان عليه خبز الحنطة وصفحة فيها خطيفة ملبنة فقلت للإمام: يا أمير المؤمنين، يوم عيد وخطيفة؟ فقال: (إنما هو عيد من غفر له). فالعيد الحقيقي لهكذا رجال، حينما يؤدون التكليف الإلهي ويهجرون الذنوب، ويجاهدون أعداءهم من نفسهم إلى أعداء دينهم والعيد في نظر الإسلام أيضا مهرجان فرح وموسم سرور وفرار من ضنك الحياة وشقائها إلى مستقبل اريحي زاهر، فحرمة الصوم في عيد الفطر تأتي مؤكدة، فلأن الله يحب ان يأنس الناس بتناول كل طيب حلال عبر التزاور بين أسرهم، وادخال الفرح لأفراد الأسرة باعتباره يوم سعادة يجب ان يقترن بالطعام والثياب الحسنة ومظاهر أخرى لا يُعصى الله فيها. وهذا هو العيد بمعناه الروحي الذي أرادته السماء وقررته الشريعة السمحة. ومما يؤسف له أن هكذا أعياد لم يألفها البعض، فتراهم يجعلونها موعداً للهو واللعب الطائش والغفلة عن ذكر الله وتناول المأكولات اللذيذة التي حرمت عند الفقراء وكما عبر أحد البلغاء: «ليكن عيدنا عيد الفكرة العابدة وليس عيد الفكرة العابثة». والعيد بمعناه السماوي والحضاري ذو ترويح وتنفيس وشفافية تشف عن العمق الإنساني للمناسبة التي تحتك بهموم الأمة وقضاياهم وآمالهم، وهو محطة حضارية ومستقبلية لحياة الأمة، فالمعنى الأعم والأهم للعيد هو عندما تهجر الأمة واقعها المريض إلى واقعها الأفضل، فتنتقل من الظلام إلى النور ومن الشقاوة إلى السعادة ومن الضنك إلى الهناء ومن القلة إلى البحبوحة ومن التفكك إلى الاتحاد ومن التخالف إلى التعاطف ومن الجهل إلى العلم، هذا هو عيد الأمة الواقعي. وإذا افتقدنا مقومات العيد المتجاوبة مع الأفكار السليمة أصبح عيدنا هزيلا وهجينا وعقيما، ليس له الأداء المطلوب الا عند أهل النفوس الصغيرة والضعيفة. ولنحاول في العيد أيضاً ان تمس رحمتنا وعطفنا وحناننا كل طفل يتيم وكل أرملة عجوز وكل إنسان وإنسانة نسيها الناس، فنحن أمة واحدة في أحزاننا فلمَ لا نكون أمة واحدة في أفراحنا وأعيادنا، ولماذا نجهل الذين لا مال ولا حال لهم، وما عرفوا الابتسامة طوال عمرهم وكم هو مناسب دفع مقدار من المال للفقراء لانعاشهم واسعادهم مشاركين الناس عامة الفرحة الكبرى، والاهتمام بالأقارب الفقراء أولى. وكم هو جميل ان يشعر كل بيت بفرحة العيد أو نمطر إخواننا بالقبلات، فالقبلة البريئة والخالصة صدقة وحسنة وهي التي تصنع الجمال وتزيل التجاعيد عن الوجوه وتجدد الحياة الشابة. ومن أعراف العيد هذه العبارة الحلوة والثمينة (أسعد الله أيامك) فإذا قيلت لأخينا المسلم فإنها تمسح من القلوب كل غضب وكدر وخصام، إنها مجاملة صغيرة لكنها مصالحة ومصاهرة كبيرة، لن ترهقنا، بل تسعدنا وتفتح أمامنا الأبواب الكبيرة والقلوب المغفلة. ما أحرانا إلى التدبر بمعاني هذا العيد.. وقد أنعم الله علينا بصيام شهر كامل.. كانت السمة السمحة في الإيمان تختلج قلوبنا، والتهليل والتكبير والتقديس يملأ جنبات المساجد.. ضارعين إلى الله ان يعيد هذه المناسبة والأمة الإسلامية تشهد تحرير المقدسات الإسلامية من براثن الصهيونية ورفع معاناة المسلمين في جميع اصقاع العالم. فعلينا التدبر بأحكام الله.. وان نجعل كل أيامنا خشوعا وتهجدا وتعبدا لا ان نحرص عليها أيام رمضان وننساها في الأيام الأخرى. وكل عام وأنتم بخير. [email protected]