قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: وأما مفسدات القلب الخمسة فهي التي اشار اليها من كثرة الخلطة، والتمني، والتعلق بغير الله، والشبع، والمنام، فهذه الخمسة من أكبر مفسدات القلب. فأما ما تؤثره كثرة الخلطة: فامتلاء القلب من دخان أنفاس بني آدم حتى يسود، ويوجب له تشتتا وتفرقا وهما وغما، وضعفا، وحملا لما يعجز عن حمله من مؤنة قرناء السوء، وإضاعة مصالحه، والاشتغال عنها بهم وبأمورهم، وتقسم فكره في أودية مطالبهم وإراداتهم. فماذا يبقى منه لله والدار الآخرة؟ هذا وكم جلبت خلطة الناس من نقمة، ودفعت من نعمة، وأنزلت من محنة، وعطَّلت من منحة، واحلت من رزية، وأوقعت في بلية، وهل آفة الناس إلا الناس؟ * وقال تعالى: {الأّخٌلاَّءٍ يّوًمّئٌذُ بّعًضٍهٍمً لٌبّعًضُ عّدٍوَِ إلاَّ المٍتَّقٌينّ} *الزخرف: 67*.، وقال خليله إبراهيم لقومه: {وّقّالّ إنَّمّا اتَّخّذًتٍم مٌَن دٍونٌ اللّهٌ أّوًثّانْا مَّوّدَّةّ بّيًنٌكٍمً فٌي الحّيّاةٌ الدٍَنًيّا ثٍمَّ يّوًمّ القٌيّامّةٌ الكًفٍرٍ بّعًضٍكٍم بٌبّعًضُ وّيّلًعّنٍ بّعًضٍكٍم بّعًضْا وّمّأًوّاكٍمٍ النّارٍ وّمّا لّكٍم مٌَن نَّاصٌرٌينّ } *العنكبوت:25*، وهذا شأن كل مشتركين في غرضك يتوادون ما داموا متساعدين على حصوله، فإذا انقطع ذلك الغرض، أعقب ندامة وحزنا وإثما وانقلبت تلك المودة بغضا ولعنة، وذما من بعضهم لبعض. والضابط النافع في أمر الخلطة: ان يخالط الناس في الخير كالجمعة والجماعة، والأعياد والحج، وتعلّم العلم، والجهاد، والنصيحة، ويعتزلهم في الشر وفضول المباحات. فإن دعت الحاجة الى خلطتهم في الشر، ولم يمكنه اعتزالهم: فالحذر الحذر أن يوافقهم، وليصبر على أذاهم، فإنهم لا بد ان يؤذوه إن لم يكن له قوة ولا ناصر، ولكن أذى يعقبه عز ومحبة له، وتعظيم وثناء عليه منهم، ومن المؤمنين، ومن رب العالمين، وموافقتهم يعقبها ذل وبغض له، ومقت، وذم منهم، ومن المؤمنين ومن رب العالمين، فالصبر على اذاهم خير وأحسن عاقبة، وأحمد مآلاً. وإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في فضول المباحات، فليجتهد أن يقلب ذلك المجلس طاعة لله إن أمكنه.