آمن والدها بموهبتها ودافع عنها، وأصر أن تكون فنانة لا شيء آخر ثم رحل، ولم يشاهد تلك الطفلة وهي تكبر وتقتحم عالم الفن رغم ما فيه من صعوبات، فنية واجتماعية، لكن تلك القوة التي اكتسبتها منه منحتها أجنحة تحلق بها عالياً. لذلك لم ترغب أن تكون فقط فنانة ترسم بالريشة والألوان، دخلت عالم النحت واشتغلت على نفسها بيدها تصنع تماثيل وبعقلها تفكر، وتقرأ لإيمانها الراسخ أن الفنان لم يكن أن يتقدم خطوه واحدة إلى الأمام دون كتاب، فالفن بالوعي يتعمق، ويقوى ويصنع المعجزات. لذلك هي تبتكر كل يوم ومن مواد بسيطة عالماً من السحر والجمال نتأمله نحن فيمنحنا الحب والأمل. تحاورت معها «الجزيرة الثقافية» وهي تشارك في معرض فضاءات ملونة بالرياض بمشاركة فنانين من الدول العربية. * نراك تقفين أمام لوحاتك وتقرئين لزوار المعرض، هل ذلك لسبب عدم قدرة المتلقي على قراءة العمل الفني والإلمام به؟ أم ماذا! - المتلقي عندما ينجذب إلى لوحة من اللوحات يرغب بمعرفة قصة تلك اللوحة، من الفنان نفسه ونحن عندما نتكلم عن اللوحة نتحدث عن مدخل لا عن تفاصيل التفاصيل، لا نفرض عليه رؤيتنا بقدر ما تكون تلك الرؤية شبه لمدخل لعالم اللوحة، تساعده على قراءة اللوحة. وأعطيه شيء من إحساسي بعملي، إحساس صادق. ومن خلال تجربتي أجد أن تلك اللوحات التي قمت بشرحها مطبوعة في ذهن المتلقي، ويحدثني عنها عندما التقيه بالمعارض الفنية. لذلك ربما شرح اللوحة يساعدها على البقاء أكثر في عقل المتلقي، ويساعد ذلك على تراكم الثقافة الفنية التي بدورها تسهم في رفع الوعي الفني. وأنا أقول دائما هناك جانبان أو شقان، لا يوجد شيء خطأ مئة بالمئة أو صح مئة بالمئة، فرقم تسعة ممكن تشاهده رقم تسعة ممكن ترى رقم ستة، كلا الإجابتين صحيحة. البعض يقول أنا لا أشرح لوحاتي، ولكن هناك فنانين يستمتعون بشرح لوحاتهم، لأن لهم إلى جانب اللون كلمة. لذلك نحن نتشابه في جانب ونختلف في جانب آخر. * حضور المرأة في لوحاتك وأنتِ امرأة وهذا الإصرار على تجسيدها وفي كل مرة وبقوالب وأفكار مختلفة لماذا؟ - هناك أسباب مختلفة، دائماً نحن نتغزل بشعر والرسم بجمال المرأة، لذلك أقول لنفسي لماذا لا أعبر عن المرأة، وأنا أقرب إلى فهمها من الرجل، لذلك أُسأل لماذا لا أعبر عن الرجل؟ وهل أنا أفهم الرجل كما هو يفهم نفسه؟ ولماذا الرجل يرسم المرأة ولا يرسم نفسه؟ ولماذا لا يعبر عن الرجل الآخر؟ هو يفهم الرجل لذى يحب أن يعبر عنه؟ ونحن في الساحة الفنية لدينا نقص وعدم توازن، لأن المرأة والرجل كليهما يعبران عن المرأة، وجانب الرجل مبهم؟ لم يتم اكتشافه، فقط المجتمع الذكوري يصرح له كل شيء؟ ولكن كيف يفكر الرجل وكيف يحس وكيف يتكلم وكيف يرى الأشياء ذلك مهم جداً للساحة الفنية. * نفس السؤال وجه إلى الفنان التشكيلي العراقي جابر علوان فقال إن جسد المرأة يغري أكثر بسبب كثرة التحولات فيه، وهي التي تستدعيك لتقف وتفكر وتعمل عليه. - ما نلاحظه نحن في فناني عصر النهضة، وهل اكتفوا فقط برسم المرأة؟ لا فهناك منحوتات تفصيلية عن جسد الرجل، يعني القضية هنا ليس جمال جسد المرأة، وكثرة المنحنيات فيه، أو التحولات، ولكن بقدر ما أرى الفن علاقة إنسانية بين المرأة والرجل، علاقة تكاملية، فإذا كلنا عبرنا عن المرأة فأين التكامل والانسجام وأين الذكر والأنثى. * كل فنان يعمل على الهاجس الذي يسكنه، وعلى المخزون الثقافي الذي يملكه؟ - ممكن كثرة الأسئلة التي أسأل عنها تدعوني أن أفكر بها وأحملها معي لبيتي، وأفكر فيها وأفلسفها واعيد قراءة واقع الساحة التشكيلي ما طرح وما لم يطرح، فأجد أن المرأة عبرت عن حالها أكثر لتدعو الآخر لفهمها، أما الرجل لا يوجد نصوص أدبية أو تشكيلية عبرت عنه بما يكفي. * مهدية آل طالب من أين تأتي بأفكارها، هل هي نتيجة قراءة معينة، أم طبيعة عاشتها؟ - أنا دائما أقول كل شيء للفنان ملهم وخاصة لي، كل شيء، قد يكون حجراً بالطريق، قد يكون حرفاً مكتوباً على جدار عتيق بطريقة عفوية، أو فوضوية يلهمني، أو موقف حياته، أو كتاب وربما نقد كما حدث لي في المعرض هذا «فضاءات» من أحد الزوار الذي رأى لوحة من لوحاتي وقال إنها لوحتنا وليست واحدة، دعاني ذلك وبشكل مباشر أن أعيد التأمل والتفكير فيها وذلك ليس له معنى إلا الإلهام. * هل الحضور بالمعارض التشكيلية نخبوي؟ وهل الفنون الأخرى تكون حاضرة؟ يعني هل يحضر الروائي، الشاعر، الموسيقي، الفنان المسرحي؟ - الحضور متنوع ثقافي من كل المجالات الثقافية من أدب، مسرح، تصوير، أو عام لين بالمجال الإعلامي أو كاتب مشاغب، ونحن الفنانين محتاجون لحضورهم، كي يشاغبونا ويخلقوا حواراً حول أعمالنا، نستفيد منها في تطوير أدواتنا، لذلك أنا في أكثر معارضي أكون صامتة أستمع فقط. إلا إذا وجدت أحدهم يحتاج منى مساعدة لفهم اللوحة أتدخل. * الحوار الثري هو من يشد المتلقي ليجلس ويستمتع بالكلمة والمكان وينسط أكثر كي يفهم، لماذا لا يصاحب المعارض التشكيلية ندوات نقدية لرفع الوعي التشكيلي للعامة من الناس؟ - كانت المعارض التشكيلية في فترة من الفترات تصاحبها ندوات نقدية. لكن خذ الكلام مني وعلى مسؤوليتي، النقد الفني لدينا آراء شخصية فقط، وليست مدروسة ومع الأسف نحن في مجال الفن التشكيلي تطورنا تطوراً كبيراً، أما الناقد الفني لم يتزحزح عن مكانه منذ عشرين عاماً. فكيف أطلب منه أن يصاحبني في معرض، المشاركون فيه يتقدمون عليه بالرؤية والتصور. * هذا يطرح سؤالاً آخر لماذا لا يقوم بعض الفنانين التشكيليين بدور النقد وتوصيل الأفكار للمتلقي وذلك سيساعد على إثراء الحركة الفنية والنقدية معاً؟ - حتى النقد يحتاج إلى قراءة يحتاج إلى دراسة، بحر كبير النقد. فكيف يترك الفنان همه الأساسي وحبه الأساسي ويتوجه للنقد. نحن نقرأ كتب النقد والجمال ونستوعبها لتطوير أنفسنا وفهم عالمنا الخاص. * ولكن أنتِ لستِ فنانة تشكيلية فقط بل تمارسين النحت، ما سر هذه المواهب المتعددة؟ ومتى بدأت الحكاية؟ - بدأت فكرتي بالنحت عندما شاركت في معرض تشكيلي في مصر عام 1999م، وتوقف أمام لوحتي ناقد وفنان كبير وقال هذه اللوحة صاحبتها نحاته واللوحة لم ترسم بل نحتت نحتاً. كلام الناقد جعلني أبحث عن معلومات تخص النحت وعام 1999 لم تكن المعلومات متاحة كما اليوم، ما هو الخط المنحوت فوجدت فعلاً أن الخط المنحوت خاص بالفنان التشكيلي، وأن الرسام لا يمكن أن يرسم خطاً منحوتاً إلا أن يكون نحاتاً أصلاً، فأخذت طيناً واشتغلت عليه فاكتشفت أني أصنع تمثالاً جميلاً، فتذكرت الطفولة عندما كانوا يعيدون ترميم بيتنا، فأخذت بقايا جبس وسكين ومطرقة وكانت تلك هي أدواتي الأولى، ولكن بعد ذلك تكسر التمثال على يد أمي التي اتهمتني بصناعة التماثيل والأصنام، ورمت التمثال من فوق سطح منزلنا، بعد ذلك بحثت عن نحاتين قريبين مني، في منطقة الخليج العربي، فذهبت إلى البحرين إلى الفنان خليل الهاشمي، وهو دارس في روسيا فن النحت ومتمكن منه، كنت أدرس ثلاث حصص في الأسبوع، لمدة ثلاثة أشهر، وآتي بمنحوتاتي من البحرين، شاركت بعد ذلك في عدة معارض، وكان البعض لا يرغب بالمشاركة في معارض يوجد بها نحت، لأنها تغطي على اللوحات وتشوه العرض حسب كلامهم، وفن النحت أصلا أبو الفنون، وبعد ذلك يأتي الرسم لأن من الصعوبة النحت على كتلة مربعة أو دائرية ونخرج منها عنصراً جمالياً دقيقاً، خاصةً بالنحت. التشكيل سهل أن تعيد أي عنصر تم حذفه لكن النحت صعب أن ترجع شيئاً تم تحطيمه. * من أكثر شخص في بيتكم آمن بموهبتك ودافع عنها؟ - لأرجع معك إلى أيام الطفولة في المرحلة الابتدائية، بدأت تتكشف موهبتي بالرسم فكان أبي رحمه الله يقول لي إذا انتهيت من المرحلة الثانوية سوف أبعث بك إلى مصر لدراسة الفن وكان إخواني يقولون له الكويت أقرب وهو يقول لهم بل سأرسل مهدية إلى إيطاليا لو حتم الأمر، في ذلك الوقت وأنا طفلة وأسمع ذلك النقاش بين أبي وإخواني كان الأمر صعباً عليه. * المعارض الجماعية ماذا تضيف للفنان؟ ومعرض اليوم بمشاركة الدول العربية ماذا أضاف إلى مهدية آل طالب؟ - المعارض الجماعية تثري الفنان في بداياته، لكن المعارض الجماعية لو كانت محلية لن تضيف شيئاً للفنان وكأنها معرض شخصي، لأننا حفظنا تجارب بعضنا البعض، لذا لا بد من استقطاب فنانين من الخارج ليرتفع مستوانا الفني بتلاقح أفكارنا وتجاربنا مع الآخر ولنكسب نحن تجارب وثقافات من مدارس مختلفة عنا، وذلك يسهم في إثراء الحركة الفنية لدينا، حتى لو كنا أصحاب تجربة طويلة، لأن الإنسان يتعلم ويتطور بالاحتكاك. * الرجوع دائما إلى حديثك وأخذ الأسئلة منه؟ تصفين معاناتك في بداية النحت وكيف كان المجتمع مغلقاً؟ الآن والمجتمع مفتوح ماذا أعطى ذلك للفنان؟ - يعطي شغفاً، وحضوراً أقوى، ويعطي طاقة للاستمرارية، فمعرضنا اليوم تم افتتاحه من قبل مديرة هيئة الفنون البصرية الأستاذة دنيا أمين، امرأة في مركز مهم بالدولة، تفتح معرضنا ماذا يعني؟ نحن نعيش في عصر المرأة، المرأة البطلة، حتى المرأة المسالمة في بيتها سوف تتغير، أتوقع الكثير من المفاهيم والقيم تتغير، بإعطاء حق للمرأة، المجتمع زمان كان نصفه مغطى، الآن المجتمع بكل فئاته نساء ورجالا ظهروا بارزين للعيان والتنافس متاح للعموم، كما أتوقع أن المملكة الحبيبة خلال السنوات الثلاث القادمة سوف ترتفع عالمياً والكثير من الدول ستغار منها وتحذو حذوها.