ما وصلت إليه ديناميكة حركة النص بدءاً بالكاتب وانتهاءً بالقارئ، يمكن وصفها بقصة الكتابة التكنولوجية، لما شهدته كتابة النص في سائر الفنون الإبداعية من تحولات في العقدين الأخيرين تحديداً، دخل ضمنها الوسيط ركناً رئيساً، بعد أن تجاوز دوره نقل النص إلى أن يكون فاعلاً في إنتاجه، لينضم إلى مجموعة مؤلفي النص فيما يمكن تسميته أيضاً بدورة «السلسة القرائية»، التي أصبح جميع طبقات قرائها منتجين للنص، وأصبح النص فيما وصل إليه ضمن هذه السلسلة (محتوى)، جعلتنا نتحدث عن الفنون الأدبية (الرقمية)، التي تعد القصيدة، والرواية، في مقدمة ركب شواهد هذه التحولات! لذلك فنحن اليوم أمام مجال عام، تكتنفه مفاهيم، وتغشاه سمات وخصائص، فيما نعيشه في مرحلة ما بعد الحداثة، التي تعد (السيولة)، أول سماتها، بدء بسيولة أدوات كتابة النص، إذ دخلت منذ قرابة العقدين وسائط الكتابة ما وصفه الباحثون حينها بالتزواج، لتنجب لنا أجيالاً، تكاد تكون أحدث تطبيقات إنتاج المحتوى اليوم هي من أحفاد الجيل العاشر، إذ لا يكاد بعض أجيالها يتجاوز العام الواحد، دون أن يظهر جيل جديد آخر، ضمن تداعيات ثورة مرقمنة، ذات جينات يسعى العلم عبر العلوم الإنسانية المختلفة، إلى تفسيرها من خلال أدواته، التي يعد أبرزها بناء النظرية المفسرة للظاهرة. إذن نحن لم نعد أمام المد، الذي نعرف وجهته، وخطية اتجاهه، لنتعقب نتائجه، واستقراء أثره على المدى القريب أو البعيد! بل نحن في دوامة كوكبية شبكية، قادرة على إفراز الكثير من الظواهر المتنامية على مدار الساعة، ما جعل من نقل هذه المنتجات من قارعة الطريق التي نظّر لها الجاحظ، إلى شبكية بصرية، هي مسالك النص والقراء، فلا تكاد تميز فيها الواقعي.. من الافتراضي.. من كائنات رقمية.. أصبحت مكوناً ضمن هذه سلسلة منتجي المحتوى الرقمي! ما يعيدنا إلى التساؤل عن موقع الناقد ضمن هذه السلسة، ودوره التشبيكي، بين المرسل، والنص، والوسيط، والمستقبل، وقدرته على قياس الأثر. *عُزْلة الناقد.. اعتزال! ** **