أتذكر في عام 1987 حينما كنت مبتعثًا في بريطانيا وكان الأستاذ عبدالله الناصر للتو باشر بأول عام له كملحق ثقافي هناك، وبقيت فيها لعشرة أعوام أكمل جميع مراحل دراستي متنقلاً بين مدن منها كارديف وما نشستر، وكنا نعتبره الأخ الأكبر الذي يسمع لنا ويتجاوب معنا، ولم تكن بذلك الحين هناك تقنية التواصل المباشر، ولكن كان قلبه مفتوحاً بتواصله وروحه المغدقة على الجميع، وكانت زياراته المتواصلة والمتكررة على أندية الطلاب وقربه منهم لها أثرها وقيمتها على نفوسنا كمبتعثين. وقد أعجبني من كثير أفكاره إنشاؤه مجلة ثقافية تابعة للملحقية، وكان يستكتبنا فيها نحن كطلاب، وكانت حين تأتينا رسالة من الملحق الثقافي طلبًا للكتابة نشعر بالفخر والسعادة بأن هناك نافذة نتنفس فيها، ونعبّر فيها عن مشاعرنا وأحاسيسنا المتعددة، وكانت مجلة رائعة يكتب فيها كتّاب وأدباء وروائيون عَرب. والنقطة الأهم التي أعجبتني في أستاذنا عبدالله الناصر أنه كان لديه علاقات وثيقة بالجامعات والمعاهد ومدراء الجامعات حينما كان ملحقًا ثقافيًا في بريطانيا، ولكنه لم يفكر ولو لمرة واحدة أن يستثمر منصبه لإكمال دراسة الدكتوراه، وكنت أؤمن أنه يستطيع إكمالها ولكنه ربى بنفسه وترفع عنها؛ كي لا تحسب عليه بأنه أخذها كونه ملحقاً ثقافياً؛ وهذا عظيم الترفّع، والأمانة، والمسؤولية، والتمسك بمبادئه العظيمة التي ربيّ عليها، وعلَّمنا من خلالها دروسًا لا تزال وستظل لنا كمرجع نعلِّمه ونورِّثه لأجيالنا القادمة. هذا قليل من كثير عن شخصه خارج الوطن. وأما داخله فعندما عدتُ للوطن وبعد سنوات وتحديدًا في العام 1996 جمعتني به الأقدار مجددًا وصرتُ له طالبًا تحت إشرافه، فتشرفت بزمالته تحت قبة الشورى بعضوية في اللجنة الإعلامية بالمجلس، وكان ذلك الرجل المُهاب، إذ كان دائمًا كثيرًا ما يعلّمنا ويرشدنا ويوجهنا محفزًا ومعيناً.. وسبحان الله من حولني من طالب في مدرسته إلى زميل في معيته العملية السامية. ** **