أواصل الكتابة حول استقطاب الجامعات الأجنبية. المملكة عضو في منظمة التجارة العالمية، واهتمامنا بالاستثمار الأجنبي كبير، وكانت الفرصة الذهبية حين أسسنا جامعات جديدة بأن تكون عبر شراكات دولية، ولكن لم يحدث. الجامعات الأهلية والخاصة التي عوّلنا عليها في هذا الجانب اتجهت نحو تقليد النماذج المحلية، والانكفاء على ذاتها. كانت هناك محاولة فيما عُرف بكليات التميز التقنية، لكنها تجربة واجهت صعوبات قادت لانسحاب الكليات الأجنبية بسبب عدم وضوح الرؤية وغياب التشريعات المناسبة لذلك، ويجب دراستها بعمق. على أرض الواقع سيبدو من الصعوبة بمكان استقطاب فروع جامعات أجنبية متميزة وفق مفهوم الاستثمار الأجنبي البحت، حيث العائد الاقتصادي والبيئة الثقافية والتنظيمية للتعليم تختلف عن بقية السلع. هذا ما أدركته العديد من الدول؛ فلجأت إلى نموذج تحفيزي، تمثل بتأسيس ما يُعرف بالتجمعات التعليمية (International Education Hubs) على غرار المدن/ المجمعات/ الأحياء الصناعية والاقتصادية والمالية وغيرها؛ إذ يوفر ذلك البنية التحتية المشتركة والدعم للجامعات الأجنبية وفروعها. مثال - مع اختلاف المسميات والتفاصيل-: المدن التعليمية/ المعرفية في دبي، البحرين، سنغافورة، كوالالمبور، قطر، هونك كونق.. وغيرها. الأهداف الرئيسة لتلك المدن هي خلق التنافس، وتخريج قوى عاملة مؤهلة تأهيلاً عاليًا، إضافة للاستثمار الأجنبي، والتحول إلى مركز لجذب الطلاب الأجانب. على سبيل المثال: نجد الإمارات لديها فروع 31 جامعة، هونك كونق لديها 5 فروع، ماليزيا لديها 12 فرعًا، سنغافورة لديها 12 فرعًا. أحد آخر الأمثلة هو إعلان إحدى الجامعات الكندية الانضمام إلى ما يُعرف بالجامعات الكندية في مصر في منطقة تعليمية مخصصة للجامعات الكندية، ضمت حتى الآن جامعتين كنديتين.. نحن كذلك، أهدافنا يجب أن تكون رفع قيمة التنافسية العلمية للجامعات السعودية، نقل وتوليد المعرفة، وتطوير السياسات، زيادة الاستثمار التعليمي المحلي والأجنبي، تقليص برامج الابتعاث، استقطاب الطلاب الأجانب، وغير ذلك من المبررات. بناء على التجارب أعلاه، ومع العمل على تحسين البيئة القانونية والتنظيمية لهذا الأمر، يبدو الأنسب لنا البدء بتأسيس المدينة التعليمية أو المعرفية العالمية. أقترح نواتها جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، ولاحقا يمكن تأسيس مدن أخرى. جامعة الملك عبدالله ذات بُعد دولي، ووجود شبكة مؤسسات متقدمة حولها، تستفيد من بناها التحتية، ربما يزيل بعض عزلتها، ويسهم في تطويرها؛ إذ إن أداءها دون الطموحات وما بُذل في تأسيسها! نحن نريد منح الجامعات السعودية استقلالية مالية واستثمارية؛ فلعله يتاح لها التشارك مع مؤسسات أو جامعات أجنبية في هذا الجانب، وإن كنت لا أرى الإمكانات التنظيمية والإدارية والطموح ماثلاً لدى أغلب جامعاتنا الحكومية في هذا الشأن! على العموم، نحتاج إلى تحديد النوع المستهدف من الطلاب والجامعات، وتحديد الأهداف وحجم التسهيلات. كما نحتاج إلى تحديد المرجعية التنظيمية التي قد تتولاها وزارة الاستثمار الأجنبي بالتنسيق مع هيئة الاعتماد الأكاديمي ووزارة التعليم. وزارة التعليم سيأتي دورها في التنفيذ والإشراف باعتبار مهامها تنفيذية خدمية، وتحكمها طبيعة عمل إدارية هرمية توجيهية، لا تتناسب مع الآليات الفكرية لإنتاج الأنظمة والتشريعات والمفاوضات.