في يوم الاثنين 3-7-1442ه الموافق 15-22021م رحل عن الدنيا المرحوم فهد بن سليمان الفضل، ودفن بمقبرة النسيم بالرياض يوم الثلاثاء 4-7-1442ه الموافق 16-2-2021م بعد عمر تجاوز ثمانية وسبعين عامًا تقريبًا قضاها في الكفاح والعمل الجاد والاعتماد على النفس منذ الصغر، بدأها بالتجارة الحرة وبالبيع والشراء خاصة بالإبل، يشتريها ويبيعها لحمًا بعد ذبحها، ثم أخذ يتاجر بالمواد الغذائية، وفتح محلاً كبيرًا يعدُّ من أكبر المحلات الغذائية بمنطقة القصيم في عام 1387ه يرتاده الساكن والمسافر ويعمل به شباب من بريدة أخذهم كأصدقاء يعطف عليهم ويعطيهم ما يطلبون ويأخذون ما يحتاجون، ولا يرد لهم طلبًا، ثم حول تجارته إلى البيع بالأقمشة النسائية، وتجهيز جهاز الزواج. وكان الزوج، أو والده في سنوات مضت يدفع مهرًا لأبي العروس، بدأ بثلاثة آلاف ريال، وشحنة حطب، وناقة تذبح، قبل ليلة الدخلة، وشنطة أو شنطتين ملابس، خاصة بالعروس وأهلها، ومشالح وشمغ لأبي العروس، وجدها وأعمامها وأخوالها الأحياء منهم، وقد يصل الخير إلى أخونها، حسب كرم وجودة الزوج وأهله، ثم ارتفع المهر حتى وصل ثلاثين ألف ريال، وكانت مناسبة الزواج تقام بمنزل أبي الزوجة، وقد يستغلون الشارع في تقليط مأدبة العشاء، التي تقدم بعد صلاة العصر، وقبيل غروب الشمس، وقبل دخول العروس على زوجته، والتي تتم بعد صلاة العشاء مباشرة، ويبدأ أهل العروسين، وأقاربهم والجيران من النساء يحيون الليل بالرقص، والحند والغناء، وقد يكون المهر (قبول أو قطوعة)، وظلت مراسيم الزواج عند أهل نجد على هذه الحال لا سفر للخارج ولا للداخل ولا سكن مشروطًا، بل كانت الزوجة تنتقل من بيت أهلها إلى بيت أهل زوجها، وكان الزوج يستضاف بعد الدخلة من قبل عم الزوجة أو خالها أو أقرب الناس إليها، ولمدة أسبوع تقريبًا كل يوم عند واحد من أقارب العروسة يتأنق بلبس البشت طوال الأسبوع معززًا مكرمًا، وظل الوضع على هذه الحال حتى عام 1398ه تقريبًا، وقد يتخلل ليلة الدخلة طرب وعرضات للرجال، قد تستمر إلى قبيل أذان الفجر. ومن أجل هذا فتح المرحوم فهد الفضل معرضًا لبيع الأقمشة بمدينة بريدة عام 1390ه تقريبًا، ويعتبر أكبر معرض لتجهيز مناسبات الزواج بالمدينة، يقصده الحاضر والباد، واشتهر بمنطقة القصيم، والمناطق المجاورة لها، فكان يبع مستلزمات العروس، ويوفر جميع المتطلبات حسب رغبة الزبون وقدرته المالية. والفضل أسرة عريقة سكنت مدينة بريدة من أمد بعيد، واشتهر أفرادها بالجد والعمل، أهل طيب وكرم ونخوة، أهل تجارة بيعًا وشراء، خاصة أبناء المرحوم سليمان علي الفضل، والذين اشتهروا ببيع المخططات وبنوا العمائر والقصور بمدينة بريدة، ووهبهم الله الهدوء والبساطة. وأبو سليمان -رحمه الله- رجل كريم ومحب للخير، كان في الصباح الباكر يفرش بساطًا أمام متجره، يقدم عليه جميع ما لذ وطاب من أنواع الفطور، يقدمه لزبائنه وجيرانه بالمحلات وعابر السبيل، ومن السباقين في تفطير الصائمين، وله سفرة في رمضان مشهورة مشهودة، ويقدم الهدايا للمتزوجين الذين يشترون أغراضهم من محله، ويتجهزون من عنده، وقد يكون أول التجار بالمنطقة الذين يحفزون الناس بالشراء من عنده بتقديم العروض المخفضة، والهدايا القيمة، ويذكر عنه وعن زوجته أم سليمان رحم الله الجميع، إن زوجته بنت الدخيل تقوم كل أسبوع بغسل ملابس الفقراء والمساكين المتخلفين عقليًا، والذين يقضون أيامهم بالشوارع ويباتون بالمساجد، وهم الذين تخلوا عنهم أهلهم بسبب مرضهم النفسي وتخلفهم العقلي، ولا يعرف لهم ولي أمر يرعاهم، ولا يقوم على خدمتهم إلا أهل الخير، وذلك قبل إنشاء الجمعيات الخيرية التي بدأ تأسيسها بمنطقة القصيم مع بداية عهد الملك خالد بن عبدالعزيز -رحمه الله- عام 1398ه تقريبًا. ظل أبو سليمان بنعمة وعافية يطعم الطعام ويكسو الفقراء والأيتام، وأكرمه الله بالنعم والمال، وعليه وعلى أمثاله ينطبق عليهم الشق الأول من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقاً خلفاًً، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكاً تلفاً)، متفق عليه. ونتيجة لأفعاله وكرمه وإحسانه وسع الله عليه في رزقه، وزاد في ماله وأتاه الله خيرًا كثيرًا فتوسع بالتجارة، وترك بيع الأقمشة، وتوجه اتجاهًا آخر في التجارة، فكان سباقًا في بناء قصر للأفراح بمدينة بريدة، بعد ما تغيرت ثقافة المجتمع، وتحولت حفلات الزواج من البيت والشارع إلى قصر تقام فيه احتفالات الزواج والمناسبات، عرف بقصر الفضل والذي أطلق عليه فيما بعد بقصر الجنادرية، وحاز رضى الجميع، ونجح في إدارته، وصار يحجز أكثر الليالي، وبدأ يدر عليه أرباحًا كثيرة، وصار حديث المجالس، حتى صار يحسد عليه، وفجأة باع القصر، ورحل إلى الرياض هو وعائلته. وفي مدينة الرياض لم يركن للراحة بل سارع إلى شراء أرض بنى عليها قصرًا للأفراح، وأخذ يشرف عليه بنفسه. لقد تزوج أكثر من ثلاث نساء منهن من مات قبل الإنجاب ومنهن من أنجبت بنين وبنات، نسأل الله أن يحفظهم ويجعل والدهم قدوة لهم بالجد والاجتهاد، وأن يكونوا قدوة لغيرهم في العمل الصالح، والإنتاج، وأن يلهمهم الصبر والسلوان، ويجعلهم خير خلف لخير سلف، وأن يتغمد والدهم المرحوم فهد سليمان العلي الفضل، بواسع رحمته، ويسكنه الفردوس الأعلى، وأن يظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة، ومن الذين يقال لهم: {ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ}. ** **