كلما يموت فيها شخص .. تموت معه كلمة من أحاديثنا إلى الأبد .. في البداية .. اختار الموت أن يأخذ معه الكلمات الجيدة .. حين مات طفل غرقاً في البركة أسفل السد .. اختفت كلمة ماء .. ومرة جفت حقول القرية وفسد المحصول .. فاختفت كلمة مطر .. وذات صدفة مر مهاجر أفريقي فمات من البرد ..فانطفئت كلمة نار .. وحيناً مات صغير من المرض .. فلم نجد كلمة دواء في قاموسنا اليومي .. وماتت أمه حسرة عليه .. ففقدنا كلمة حب .. وهلك رجل عجوز في وحدته .. فهلكت معه كلمة عائلة .. آخر كلمة لم يحترمها الموت في اللغة.. هي الله .. لكنها اختفت عندما سقط الرجل الطيب في البئر .. جنازة بعد أخرى .. تآكلت لغتنا واختفت منها الكلمات .. وأصبحت لغتنا أكثر تعقيداً .. وصرنا نقايض المعنى ببديل يقربه .. مرة سمعت أحدهم يصرخ لقد فقدت أمي .. التي ذهبت مع رجل آخر .. وكان يقصد حبيبته .. التي تزوجت ابن عمها .. حارس الحقل وانتقلت للعيش معه .. وآخر كان يصرخ يا للطفل الذي دهسته سيارة مسرعة .. وكان يقصد يا الله .. رأيتهم في المتاجر بعد ذلك يطلبون من الباعة طفلاً .. ويفهم الباعة أنهم يقصدون .. الماء .. وفي ليالي الشتاء الباردة نقول نحن بحاجة إلى نازح .. ونقصد مفردة نار .. هكذا .. لم نعد نملك في قريتنا سوى الكلمات الرديئة والناس الذين لم يموتوا بعد .. كل يوم أتفقد لغتي وأحاول النجاة بنفسي .. ككلمة جيدة .. ** ** - أسعد بن ناصر الحسين