اليوم الوطني: الرمز لملحمة ومعجزة واسطورة نادرة لا تتكرر امتزج فيها الخيال بالواقع لتأسيس هذا الكيان الشامخ، رمز يشد المواطن إلى الأجداد يفوح بعبق تاريخهم ليستشعر جهودهم وكفاحهم، رمز لمجتمع كان ممزقاً بين دويلات متحاربة، وقبائل متنافرة القلوب، ومتعددة المبادئ والانتماءات عانى من التفتت والجهل والتناحر والتخلف، سيطر الخوف على الناس وتفشى المرض وانتشر الجهل، تحول إلى مجتمع آمن، مستقر، متطور تحققت له الوحدة والاندماج بين أبناء وعوائل وأسر الجزيرة العربية، أنعم الله عليهم بوحدة الصف ولم الشمل، رمز يذكر الجيل بأن ما يرونه ويعيشونه لم يأت من فراغ، بل كان نتاج صبر وعمل دؤوب وكفاح شاق وحصاد عرق ودم، رمز يذكرنا بالنعم التي تغمرنا للشكر والحمد والوفاء والعرفان والاعتراف بالجميل للأجداد الذين غرسوا الوحدة والاخاء. اليوم الوطني: الشعار، عنوان لمسيرة أمة ووحدة شعب، يحمل أبعاداً لحاضر مزدهر، شعاراً لتأسيس هذا الكيان، شعاراً لقصة بطل اتكل على ربه فكان عونا له في إبعاد الجهل والفقر والفرقة عن هذا المجتمع، شعاراً يجسد الاخلاص والعمل الجاد، يجسد الأمن والاستقرار والتقدم والتنمية والانطلاق نحو غد مشرق ومزدهر، شعاراً للنهضة الحديثة والشاملة والمستدامة التي نعيشها، شعارا يحمل دفء الماضي يذكرنا بمشوار كفاح السلف واجتهاد وإصرار الخلف للمحافظة والنهوض بهذا الوطن والصرح الكبير إلى أعلى قمم الحضارة والتقدم في كل الميادين والمجالات، شعار مسيرة حب وتفان وإنجاز وعطاء، شعار لإنكار الذات من أجل الوطن، شعار للوطنية وتحمّل المسؤولية وزيادة الإنتاج وترشيد وكبح شهوات الاستهلاك وهجر نزوات العبث واللا مبالاة. اليوم الوطني: المضمون، يعني الولاء والاخلاص، النزاهة، والأمانة والتفاني في خدمة هذا الوطن، نبراساً نهتدي به لنبذ جميع أشكال السلوكيات الشاذة والمتطرفة من الظلم والفساد والعنصرية والقبلية التي قضى عليها الموحِّد الملك عبدالعزيز رحمه الله حيث أدرك انها هي التي تضر وتؤدي إلى إثارة الفتن وتفتك بوحدة المجتمع وتجلب الويلات والخراب للوطن ومؤسساته، مناسبة لمراجعة المنهج وإتاحة الفرص للنقد البناء لأننا بشر ومجتمع مثل المجتمعات الأخرى، لا تخلو من الأخطاء والنفايات والعورات التي تحتاج إلى التخلص منها وتعديل اعوجاجنا وتصحيح توجهاتنا وتقويمها وتطويرها بما يتماشى مع العصر ولا يتعارض مع الثوابت حتى تستمر التنمية، مضمون هذا اليوم، الاحساس والشعور والاطمئنان بأن القلوب والصدور والأبواب والمجالس مفتوحة للجميع، لكل من له شكوى أو تظلم أو مطلب، يشعر المواطن بقربه من المسؤولين، هذه الذكرى فرصة لإحياء منهج الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وتأصيل دعوة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله في مكافحة الفساد والمحافظة على المال العام من الهدر والتبذير، كما انها مناسبة لتجديد المبايعة على السمع والطاعة والنصيحة والمحافظة على هذا الكيان والوقوف والتصدي للمؤامرات والهجمات المعلنة التي تحاك ضده للنيل من هذه الوحدة أو تفتيتها والتشكيك في قوتها وصلابتها. في حياة الشعوب أيام خاصة تبقى بصماتها في ذاكرة التاريخ يتفكرون فيها وينظرون لها بكل إعجاب وتقدير، يعيشون خبراتها ويأخذون منها نهجاً يسيرون عليه ويرسمون مسيرة النمو والتطور لأجيال المستقبل. في هذا اليوم يخطو الوطن خطوة جديدة إلى الأمام، نتوقف برهة لاستذكار الماضي دون الاغراق في تمجيد الذات ولكن لتسجيل معان عميقة، أعمق من كونها ذكريات عن إنجازات تاريخية، لاستنباط العبر والتفكير في المستقبل والاستفادة من دروس وإنجازات الأجداد الذين استطاعوا بحكمتهم وحنكتهم توحيد وإنشاء دولة عصرية. وراء هذا الكيان القوي والصرح الشامخ رجل عظيم، من شخصيات التاريخ التي تخترق حاجز الزمن، تعرف جيداً كيف تحول لحظة التاريخ إلى موعد مع التاريخ، لتحقق لمجتمعها معادلة الارتقاء في سلم التطور الاجتماعي والاقتصادي، فهي بذلك تصنع التاريخ وتكتب اسمها بخيوط من ذهب على صفحاته، إنه الملك عبدالعزيز رحمه الله لم يكن يحتاج إلى الكثير من الزمن لتظهر مواهبه وقدراته القيادية الفطرية النادرة والفريدة والاستثنائية من ذكاء وفطنة وقوة ذاكرة وسرعة بديهة وتلقائية في السلوك والممارسة وخبرة ورجاحة في الرأي والحوار والمناقشة وقوة في الإقناع والتأثير ونتيجة لما منحه الله من توفيق وبفضل الفكر المتوهج والطموح المتجدد، وفي ظل شح الموارد ونقص العدد والعدة والعتاد وصعوبة الاتصالات، تمكن من توظيف هذه القدرات في توحيد هذا الكيان وجمع أفئدة الناس من حوله وفي ظرف قياسي استطاع ان يكسب التأييد والولاء الذاتي ودانت له الجزيرة العربية، لأنه كان يجيد فن كسب الأعداء والمعارضين وتحويلهم إلى أصدقاء ومؤيدين أي باتباع سياسة الاحتواء تمكن من التكيف مع عناصر البيئة المحيطة والمتربصة به والتي حاولت اجهاض جهوده وطموحاته، هو نوع من تلك القيادات التي تعتمد البساطة أسلوباً في الحياة وفي الإدارة وفي الحوار، إن تأسيس وتوحيد هذا الكيان من أعظم الإنجازات يسجلها التاريخ لهذا القائد الفذ، لقد استطاع بكل ما آتاه الله من الصفات التي اتسمت بها شخصيته من الحكمة والبطولة والشجاعة والعبقرية وقدرته على قراءة أحداث التاريخ والواقعية في التخطيط استطاع ان يختزل الحلم ويترجمه إلى واقع واستشرف المستقبل فصاغ من أجله الحاضر وتجاوز الصعاب وقهر التحديات التي واجهته في مرحلة التأسيس، كان ينطلق في إدارة شؤون الحكم من فلسفة بسيطة وواضحة، فقد كان يجمع بين النظرة المتقدمة الواعية والمحافظة على القيم والتقاليد والثوابت، كان همه خدمة الإسلام والمسلمين، وخدمة أبناء شعبه واعطاءهم الفرصة الكاملة للمشاركة في بناء وإدارة بلدهم، وذلك من خلال إنشائه أول مجلس للشورى لإدارة شؤون البلاد، فقد كرس هذا المفهوم المتقدم للعمل، وجعله طابعاً مميزاً للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وقد استغل كل هذه الملكات أحسن استغلال من أجل تحقيق الأهداف السامية التي وضعها نصب عينيه، كان دائم البحث عن كل جديد، وكان مجلسه منبراً حراً لتبادل الآراء والأفكار ووضع الخطط لتطوير وتنمية البلاد، كان حريصاً على دور المثقف صاحب النظرة الإصلاحية فهو يدرك حاجة البلاد إلى أفكار المثقفين ويخاطب المفكرين ويحثهم على المشاركة، كما استعان بالذين كانوا يفدون إليه ولديهم تراكم نوعي من الخبرة والقراءة والاطلاع واستقطب نفراً مختارة من أبرز المثقفين العرب المؤهلين من كل مكان لإدارة مؤسسات البلاد الجديدة، كان يؤمن بأن ثقافة وعادات وتقاليد وثوابت المنطقة المستمدة من تعاليم الإسلام لا تتعارض ولا تتناقض ولا تتصادم مع الأخذ بحركة التطور والتنمية، بل هي صمام أمان للمجتمع، كان شديد الاعتزاز بقيمه الأخلاقية حريصاً على ألا يؤثر ظهور النفط وعائداته المالية على أخلاقيات شعبه، كان على قدر كبير من العطف والرحمة والرأفة على شعبه قريباً من هموم الناس، متعطشاً للاستماع إلى طلباتهم بحد لا ينقص من تعطشهم لحلها ووضع نهاية لها، مثل مشكلة ندرة المياه وشح مصادر المياه في جدة، فقد أمر رحمه الله على الفور وبدون تردد او اجتماعات لجان، بمجرد ان استمع إلى مشكلة المياه، أصدر أمره الكريم بإنشاء مشروع عين العزيزية تخدم الناس وتزف الماء إلى بيوتهم بالمجان، لذلك تسمى صفيحتا الماء سعة كل صفيحة حوالي 20 لتراً كانت تستخدم في الماضي لزف أي جلب الماء إلى البيوت بالزفة. كان من رجال السياسة الذين سطروا أسماءهم في سجل التاريخ ومن الوطنيين البارزين الذين قادوا بلادهم إلى العز والتطور.. اثبت هذا الكيان انه شامخ على مر السنين وتخطى الحواجز وتغلب على التحديات، لقد اجتازت هذه الوحدة شتى الامتحانات والتجارب وخرجت في كل مرة أقوى وأصلب مما كانت وذلك بفضل الإيمان بالله وتحكيم شرعه وانفاذ أحكامه على كل نواحي الحياة، في كل تجربة كان شعب المملكة يسارع للالتفاف حول وطنه وملكه مدركاً أهمية هذا الالتفاف لاستمرار هذه الوحدة الفريدة. للوطن فرحة وللمواطنين مشاعر وأحاسيس فيَّاضة تجاهه، يحق لهم وهم يتفيؤون ظلال هذه الوحدة ان يفخروا بما تحقق للوطن من تنمية ونهضة شاملة وتطور وازدهار، وان الفضل أولاً وأخيراً يعود إلى توفيق الله سبحانه وتعالى ثم إلى رجل سبق زمانه واخترق حاجز الزمن في التفكير والبصيرة.. إنه قائد من نسيج فريد ونادر جداً، من الرجال الذين يجارون ويواكبون الزمن دون التخلي عن جذورهم أو التفريط في قيمهم وثوابتهم. لقد رحل المؤسس وأودع هذه الوحدة أمانة في أعناق الأجيال المتعاقبة، عضوا عليها بالنواجذ وحصنوها بالعدل وجنبوها مزالق الظلم وعواقبه الوخيمة حتى يتفيأ الجميع ظلال عز هذه الوحدة، حافظوا على هذا الكيان ليبقى تاريخه المشرق وسيرته العطرة تتوارثها الأجيال. في هذه الذكرى نقف وقفة تأمل وإجلال نترحم على مؤسس هذا الكيان ونشد على يد خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني، مهنئين ومجددين البيعة ومتمنين من الله سبحانه وتعالى حفظ هذه الأمة من كل سوء وأن يديم عليها نعمة الإسلام والوحدة والأمن والاستقرار.