إن أعمال تهويد القدس وعمليات الحفريات تحت اساسات المسجد الأقصى ومحاولة اسرائيل السيطرة على الكثير من الأماكن المقدسة تثبت مدى الخطورة التي يتعرض لها المسجد الأقصى المبارك وسائر المقدسات الإسلامية. عقب حرب الأيام الستة عادت قضية الأماكن المقدسة لتصبح أهم قضية على المستوى المحلي والدولي وذلك لعدة أسباب: 1- إن فلسطين المباركة في نظر الشعب الفلسطيني بل في نظر الشعب العربي والمسلم هو الوطن الوحيد للشعب الفلسطيني، وإن اقامة دولة اسرائيل على أرض فلسطين كان له الأثر الكبير على كل مجالات وقضايا الشعب الفلسطيني، خاصة في قضية الأوقاف والمقدسات التي تعتبر امتداداً لجذور هذا الشعب حيث المحافظة على الجذور يكون بمثابة حفاظ على تاريخ ووجود هذا الشعب. 2- بعد حرب الأيام الستة وقعت الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية تحت السيطرة الاسرائيلية وبضمنها الأماكن التي كانت تعتبر بؤر التوتر والنزاع مثل الحرم القدسي الشريف (المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة) وحائط البراق، والحرم الابراهيمي الشريف في مدينة الخليل، وكنيسة القيامة في القدس، وكنيسة المهد في بيت لحم، وسائر الأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين. 3- دولة اسرائيل- كما تزعم أرادت وضع حد للتمييز ضد اليهود في قضية الحقوق في الأماكن المقدسة حيث الغت كل القيود التي كانت تتعلق باليهود في السابق في حائط البراق وقد سمحت كذلك لليهود بالدخول بحرية ايضا إلى الحرم الابراهيمي الشريف في مدينة الخليل، وحددت ترتيبات جديدة على حساب المسلمين.. إلا أن المسلمين لم يقبلوا بذلك لأن هذه الأماكن في نظرهم هي أوقاف مقدسة للمسلمين فقط، ولا يجوز لأي شخص التصرف فيها. 4- الدول العربية، وملايين المسلمين رأوا بالخطوات التي قامت بها اسرائيل في مدينة القدس كسياسة مقصودة لتغيير المعالم الإسلامية والعربية والدينية والحضارية والتاريخية للمدينة، والتخطيط لهدم المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة في الحرم القدسي الشريف، واقامة الهيكل الثالث المزعوم. حيث أعلنت اسرائيل على الملأ مراراً وتكراراً بأن القدس ستبقى موحدة والعاصمة الابدية لدولة اسرائيل.. بالاضافة إلى ما قامت به من أعمال حفريات تحت اساسات المسجد الأقصى المبارك، ومصادرة الأراضي في القدسالشرقية من أجل بناء أحياء يهودية جديدة. هذا وقد قامت مجموعات يهودية متطرفة عدة مرات بمحاولات المس والاعتداء على المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة، كل هذه الأعمال هي بمثابة دلائل من الواقع تثبت مدى الخطورة التي يتعرض لها المسجد الأقصى المبارك وسائر المقدسات الإسلامية. وبهذا عادت قضية المقدسات الإسلامية لتؤثر على الحلبة السياسية الدولية، حيث أن الحلول التي تحاول الدول (وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية) الوصول إليها نهائياً وفرضها على الشعب الفلسطيني في قضية الأراضي المحتلة عام 1967م يبدو أنه لا يمكن التوصل إليها إذا بقيت القدس وسائر الأماكن المقدسة تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي. والواقع الذي نشهده في هذه الأيام يدل بشكل واضح وقاطع على قيمة ومكانة الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في معترك الصراع العربي اليهودي، وذلك لما لهذه الأماكن من أهمية قصوى في نفوس المسلمين والمسيحيين من حيث الارتباط الايماني والشعوري من جهة، ومن حيث الارتباط السياسي والوطني من الناحية الأخرى لذا فإننا نلمس الاصرار الاسرائيلي في المفاوضات الأخيرة ما بين السلطة الفلسطينية والقيادة الاسرائيلية واختراع الحلول المستهجنة والغربية بشأن الحرم القدسي الشريف ليبقوا قسما من هذه المقدسات تحت السيادة الاسرائيلية بادعاءات تاريخية باطلة لا أصل لها ولا وجود. الصراع على مدينة القدس بعد حرب الأيام الستة مباشرة سن الكنيست (27/6/1967) قوانين اعطنى اسرائيل حق الادارة والسيطرة على شرقي القدس، وتوحيدها مع القدس الغربية لتصبح مدينة القدس موحدة، حيث قامت اسرائيل بعد يومين فقط بإزالة الحواجز وهدم الجدران الواقية التي فصلت بين القدسالشرقية والغربية، وفتحت الطرق بين جزئي المدينة للحركة الحره، وفي نفس اليوم تم حل المجلس البلدي الأردني في القدسالشرقية، وقررت اسرائيل أن العملة الاسرائيلية هي المتداولة في القدسالشرقية (مع السماح بالتعامل بالعملات الأخرى في التجارة ومن ضمنها الدينار الأردني)، وقد منحت اسرائيل سكان مدينة القدسالشرقية الهوية الاسرائيلية، ممثلو دولة اسرائيل وصفوا هذه الخطوات بالضرورية والحيوية، بحجة أن سيطرة اسرائيلية في شرقي القدس هي الكفيلة بالمحافظة على الأماكن المقدسة، وقد بعثوا برسالة بهذا المضمون للسكرتير العام للأمم المتحدة. هذه الخطوات قوبلت بالرفض والمعارضة الشديدة في الدول العربية خاصة في الضفة الغربيةوالقدسالشرقية، وقد قاد العلماء المسلمون هذه المعارضة، حيث أعلنوا أن أي سيطرة اسرائيلية في الأماكن المقدسة (بالذات الحرم القدسي الشريف بما فيه حائط البراق) ينذر بالخطر، ولا يمكن السماح بذلك أن يستمر. الولاياتالمتحدة من جهتها عارضت تلك الخطوات الاسرائيلية آنذاك واعلنت أن هذه الخطوات لا يمكن أن تقرر مصير الأماكن المقدسة أو مصير القدس حيث أعلنت ذلك في اطار الأممالمتحدة وسائر الدول الأخرى ردت بالمثل وقالت تلك الدول ان اسرائيل خالفت القانون الدولي بضم الجزء الشرقي من مدينة القدس لسيطرتها. الأممالمتحدة طالبت اسرائيل بإلغاء تلك الخطوات والقوانين التي سنتها في الكنيست وذلك في قراراتها التي اتخذت في 4/7/67 و14/7/67. مجلس الأمن طالب بذلك في قراراته التي اتخذها في شهر 5/68 وفي 3/7/69 و15/9/69 و 25/9 وقد اعلن كذلك رئيس مجلس الأمن في 11/76 بأن الخطوات التي قامت بها اسرائيل من 11/76 أجل توحيد مدينة القدس غير قانونية وطالب اسرائيل بإلغائها والامتناع في المستقبل عن كل فعالية من هذا القبيل، اسرائيل قد بعثت برسالة قبل ذلك على يد وزير خارجيتها آنذاك (أ. أيفن) للأمين العام للأمم المتحدة بخصوص هذا الموضوع (11/7/77)، ادعى فيها بأن الخطوات التي اتخذتها دولة اسرائيل هي إدارية فقط، وأن اسرائيل حريصة كل الحرص على ضمان حرية العبادة في الأماكن المقدسة، وحرية الوصول إليها. في 14/7/67 عين الأمين العام للأمم المتحدة الدبلوماسي السويسري (أ. طلمان) كممثل شخصي لجميع المعلومات والتقارير حول الوضع في مدينة القدس بعد توحيدها، حيث مكث أ. طلمان في القدس عدة أسابيع من 21/8/67 حتى 3/9/67 حيث اجتمع مع رئيس حكومة اسرائيل ووزير الخارجية وموظفين كبار في المؤسسة الحاكمة في اسرائيل من جهة، ومع قادة مسلمين ورجال دين مسلمين ومسيحيين من جهة أخرى حيث ابلغته السلطات الاسرائيلية بأن سيطرتها على القدسالشرقية كان من أجل توحيد المدينة، نهائياً ولا رجعة في ذلك وليس لجعله موضوعا للمفاوضات، وقد شمل التقرير الذي أعده الدبلوماسي السويسري أ.طلمان الشكاوى التي قدمها المسلمون والمعاناة التي يعانون منها جراء سيطرة اسرائيل على القدسالشرقية والأماكن المقدسة. الأردن قدم شكوى ضد اسرائيل حيث كانت تخطط لاقامة عرض عسكري بمناسبة يوم الاستقلال والذي كان من المخطط أن ينطلق من القدسالشرقية، عقب هذه الشكوى طالب مجلس الأمن اسرائيل بالامتناع عن القيام بذلك، إلا أن اسرائيل لم تستجب لطلب مجلس الأمن وقامت بالعرض العسكري كما خططت له وليس هذا فحسب بل أن اسرائيل بعنجهيتها لم تستجب للنداءات الكثيرة لالغاء تلك السياسة، حيث كانت تقوم بالعروض العسكرية كل سنة رغم المعارضة الدولية، وكان اضخم تلك العروض العرض العسكري الذي قامت به في 7/5/73. الخلافات السياسية حول القدس أدت إلى صعوبات في المفاوضات حول السلام بين اسرائيل ومصر والتي بدأت في شهر 11/77، حيث أن الرئيس المصري آنذاك أنور السادات قدم رسالة حول رأي مصر بخصوص القدس للرئيس الامريكي آنذاك جيمي كارتر.. واسرائيل كذلك قدمت له رسالة حول نظرتها لمدينة القدس.. أنور السادات ذكر في رسالته: 1-ان القدس العربية هي جزء من الضفة الغربيةالمحتلة. 2- القدس العربية يجب أن تكون تحت سيطرة ادارية وسياسية عربية. 3- كل الخطوات التي قامت بها اسرائيل بهدف تغيير معالم المدينة مرفوضة ويجب الغاؤها. 4- يجب ضمان حرية العبادة، وحرية الوصول إلى الأماكن المقدسة، وحرية دخول المدينة لكل الشعوب التي تريد زيارة الأماكن المقدسة دون تمييز. 5- يجب أن تدار الأماكن المقدسة المختلفة على يد ممثلين من كل ديانة من الديانات المختلفة المسلمون في الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحيون في الأماكن المقدسة المسيحية. بالمقابل بعث رئيس حكومة اسرائيل آنذاك مناحيم بيغن برسالة للرئيس الامريكي جيمي كارتر ذكر فيها أنه حسب القانون الاسرائيلي تعتبر القدس مدينة واحدة موحدة، ولا يمكن تقسيمها وهي عاصمة ابدية لدولة اسرائيل فقط. الرئيس الامريكي بعث بجواب إلى الطرفين جاء فيه أن الولاياتالمتحدة ما زالت على رأيها التي صرحت به منذ 14/7/67 في الأممالمتحدة، وفي مجلس الأمن والذي يعارض الخطوات الاسرائيلية. ولكن لو نظرنا إلى موقف الولاياتالمتحدة اليوم لرأينا العجب العجاب حيث انقلب رأسا على عقب أمام التعنت الاسرائيلي والذي أضحى هو الضاغط والمقرر للسياسة الامريكية بشكل عام واتجاه الشرق الأوسط بشكل خاص.. من هنا نسأل: ماذا استفاد المسلمون من رأي الولاياتالمتحدة في الستينات إذ بقي حبراً على ورق، وهي ما زالت تدعم اسرائيل مادياً ومعنوياً وعسكرياً طوال السنين، في حين تبقى آراؤها مجرد تخدير واضاعة للوقت؟ اليس هذا قمة الاستهتار بأمة المليار ونصف المليار مسلم؟ اليس هذا استهتارا بالأمة العربية وزعمائها؟ هذه هي اسرائيل وهذه هي الولاياتالمتحدة .. فما عساكم تفعلون أيها العرب والمسلمون؟؟؟