لقد حثني ترحيب- أخي/ عبدالعزيز ناصر البراك- بأي نقاش أو وجهة نظر مخالفة في سبيل الوصول إلى الحقيقة حول ما طرحه عن ماوان وعُليَّه وعِمَايه وسُميحة. وذلك في عدد الجزيرة«10829» في يوم الخميس 11/3/1423ه وأقول: ليس لدي وجهة نظر مخالفة ولكن وجهة نظر موضحة ومبنية والفضل في ذلك- بعد الله- للشيخ محمد بن بليهد- رحمه الله- في كتابه«صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار»، وللشيخ الأستاذ/ عبدالله بن خميس في كتابه«تاريخ اليمامة» حيث رسم لنا ابن بليهد في كتابه كل ما ذكره أخي البراك. ولا شك أن ما جاء في كتاب ابن بليهد يؤكد أن أخي البراك باحث متمكن قادر أن يكون من فرسان هذا الميدان فقد أورد ابن بليهد- رحمه الله- قصيدة امرئ القيس التي مطلعها «1»:- خليلي مرّا بي على أم جندب لنقضي لبانات الفؤاد المعذَّبِ إلى أن قال: بمجفرةٍ حرفٍ كأن قتودها على أبلق الكُشحين ليس بمُغْربِ أقبَّ رباعٍ من حمير عمايةٍ يمجُ لُعَاع البقل في كل مشربِ عظيمٍ طويلٍ مطمئنٍ كأنه بأسفل ذي ماوان سرحةِ مرقبِ إلى أن قال: وأسحَمَ ريان العسيب كأنه عثاكيلُ قنوٍ من سُميحة مُرْطِبِ فقد ذكر ابن بليهد«2»: أن عماية وعليه: جبلان عظيمان في عارض اليمامة. وأما ماوان: فواد عظيم في وسط عُليَّه الجبل المشهور في عارض اليمامة. أقول: فعلى هذا يتبين لنا أن هناك ثلاثة أسماء لثلاثة معالم هي: ماوان وعُليَّه وعماية، وكلها جزء من عارض اليمامة. فلا يصح أن نقول إن عُليّه جبل من جبال ماوان. ولكن ماوان واد عظيم في وسط عُليَّه فهو جزء من كل عُليَّه. ويقول: عبدالله بن خميس«3» نقلاً عن الهمداني: ماوان قرية بها بنو هزان، وبنو ربيعة من النمر بن قاسط. وقد ذكر ماوان«ابن المقرب» الشاعر الأحسائي في شعره وشارح ديوانه يذكر أنه يعني ماوان اليمامة. قال يمدح الأمير محمد بن أحمد العيوني:- سائل ديار الحي من ماوان ما أحدثتْ فيه يد الحدثان وأطِل وقوفك يا أخي بدمنةٍ قد طال في إطلالها إدمان ويقول ابن خميس«4» في تاريخ اليمامة: ماوان لايزال يعرف باسمه الآن: واد من أودية«العلاة»«عُليّه الآن» من أكبر أوديتها التي تسيل مشرقة وتصب في الخرج«الدلم» وبأسفله طلول وآثار وأسوار تدل على قوة أهلها ومنعتهم ولاتزال بعض أسوارها وقصورها محتفظة بهياكلها وجدرها العريضة. وهذا الوادي إذا تداركت عليه السيول يظل ماؤه يجري مدة طويلة. وفيه مغائض ومستقرات مياه تمكث مدة أطول.. أقول: عندما نسأل كبار السن عن هذه الطلول والآثار يقولون: إنها كانت مساكن لابن زامل الذي حكم الدلم في الماضي. وهذه المقولة متداولة عند كثير من أهالي الدلم وكأنها حقيقة. فهل آل زامل خلفوا النمر ابن قاسط؟! الذين ذكرهم الهمداني؟!! وقد أورد أخي البراك بيتاً من قصيدة لعروة بن الورد العبسي يذكر فيه ماوان. ولكن ماوان الوارد في قصيدة عروة بن الورد العبسي هو ماوان غير ماوان عُليّه وإنما هو ماوان آخر في بلاد بني عبس. يقول عروة بن الورد العبسي:- وقلت لقومي في الكنيف تروحوا عشية بتنا دون ماوان رُزحِ تنالوا الغنى أو تبلغوا بنفوسكم إلى مستراح من حمامٍ مبرحِ ومن يك مثلي ذا عيالٍ ومقترا من المال يطرح نفسه كل مطرحٍ ليبلغ عذراً أو ينال رغيبة ومبلغ نفسٍ عذرها مثل منجحٍ يقول ابن بليهد:«5» إن ماوان الذي ذكره عروة بن الورد فإني أعرفه وأعرف الذي ذكره امرؤ القيس مثلما أعرف منازل بيتي، والذي أعرف أنه جبل واقع بين بلاد بني عبس وبلاد بني أسد. ويقال له«ماوان» إلى يومنا هذا. وهو جبل أسود مرتفع عن الأرض ليس بالكبير عنده ماءة يقال لها«الماوية» أضيفت إلى هذا الجبل. وأما«ماوان» الذي ذكره امرؤ القيس فهو واد عظيم في وسط عُليّه. الجبل المشهور في عارض اليمامة وهو من أمنع جبال نجد. ومما يجري على ألسنة العامة إذا كان على أحد جُرْم والتجأ إلى بعض الرؤساء وعزم على حمايته قال له:«كأنك في رأس عُليّه» وهي واقعة بين بريك ونساح. أما عماية وحدها«6» جبل ذو هضبات متقاربة كان ذؤبان العرب في الزمن القديم يأوون إليها فإذا دخل أحدهم عماية عمى خبره، ومسالكها منيعة إذا دخلتها لم تهتد إلى طرقها كأنك أعمى. فمن هنا سميت عماية. وقد زال اسمها اليوم فلم يبق منه شيء وهي تثنى وتفرد، قال جرير في تثنيتها: لو أن عُصْم عمايتين ويذبل سمعت حديثك أنزل الأوعالا وفي بيت آخر:- وخفتك حتى استنزلتني مخافتي وقد حال دوني من عماية نيق يُسر لك البغضاء كل منافقٍ كما كان ذي دين عليك شفيق وقد أكثر الشعراء من ذكرها وكذلك أهل الأخبار وهي جبل في عارض اليمامة الواقعة عن وادي بريك جنوباً يقسمها وادي برك قسمين، ما كان بين بريك وبرك يقال له عماية. وكذلك الذي بين برك والأفلاج يقال له عماية فسميت عمايتين. يقول ابن بليهد أخذت هذا الخبر عن الشاعر الكبير الشيخ محمد بن عثيمين الساكن في بلد الحوطة الواقعة في وادي بريك. وأما سُميحة الوارد ذكرها في شعر امرئ القيس:- وأسحم ريان العسيب كأنه عثاكيل قنوٍ من سُحيمة مرطبِ سُميحة «7» بئر قديمة في المدينة عليها نخل وقد أكثر الشعراء من ذكرها. قال كثير:- كأن دموع العين لما تخللت مخارم بيضاً من تمنى جمالها قبلن غروباً من سُميحة أنزعت بهن السواني واستدار محالها والخلاصة أن الاختلاف حاصل بين أصحاب المعاجم والأخبار في بعض الأماكن التي تتحمل الاستنتاجات والظنون.. فالشيخ الأستاذ: عبدالله بن خميس «8»: يرى أن عمايتين هما حصاتا قحطان حصاة آل حويل وحصاة آل عليان. نقلاً عن المعجم الجغرافي لعالية نجد. تأليف: سعد الجنيدل. فيقول ابن خميس:- الحصاة بفتح الحاء والصاد فألف وهاء: هما حصاتان يقال لإحداهما حصاة آل حويل وللأخرى حصاة آل عليان. وهما جبلان متناوحان أحمران شمالي ويسمى حصاة آل حويل والأخرى جنوبية ويقال لها حصاة آل عليان. وهي بمثابة رؤوس متصل بعضها ببعض وبها أودية ومياه. ومسالكها وطرقها وعرة وبها أشجار الطلح والسلم وهما يقعان بين وادي السرة ووادي الركا. ثم أورد شعر جرير والقتال الكلابي: قال جرير:- لو أن عصم عمايتين ويذبل سمعت حديثك أنزل الأوعالا وقال القتال الكلابي: جزى الله خيراً والجزاء يكفه عماية عنا أم كل طريد فلا يزدهيها القوم إن نزلوا بها وإن أرسل السلطان كل بريد حمتني منها كل عيطاء عيطلٍ وكل صفا جمَّ القلات كؤود وقد أكثر الشعراء من ذكرها وكذلك أهل المعاجم والأخبار. والخلاصة أن الاختلاف حاصل بين أصحاب المعاجم والأخبار في بعض الأماكن التي تتحمل الاستنتاجات والظنون. وتساؤلات أخي العزيز/ عبدالعزيز البراك والتي هدفها البحث عن الحقيقة ليس إلا: زادتني حماساً لإيراد هذه النقول. وليس لي في ذلك من فضل إلا تقريب هذه النقول من مظانها للقارئ الكريم. والله المستعان،،، المصادر والمراجع 1- صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار- تأليف: محمد بن عبدالله بن بليهد. 2- المرجع السابق. 3- تاريخ اليمامة: عبدالله بن محمد بن خميس. 4- تاريخ اليمامة: عبدالله بن محمد بن خميس. 5- صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار- تأليف: ابن بليهد. 6- صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار- تأليف: ابن بليهد. 7- صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار- تأليف: ابن بليهد. 8- تاريخ اليمامة: عبدالله بن خميس.