سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
إصدار خاص إثر رحيل الشاعر الأديب الأستاذ:حسين عرب «رحمه الله» في آخر لقاء صحفي معه وقبل رحيله بيوم.. «الجزيرة»
نحن جيل لم نعرف شعر الغزل
يحمل معه تاريخ الأدب السعودي الحديث من جيل الكبار إلى الآن
وأنا أعد مادة هذا الحوار لإرساله للجريدة بعد أن تشرفت بلقاء الشاعر العربي الكبير معالي الأستاذ حسين عرب وذلك لعمل ملحق تكريمي له في حياته إذ بي أتلقى إتصالاً هاتفياً يوم أمس الاثنين 16/2/1423ه يخبرني فيه المتصل بوفاة الشاعر الكبير حسين عرب. كان وقع الخبر أليماً وصاعقاً ومفاجئاً.. فماذا عساني أن أقدم لهذا الشاعر الكبير والأديب الضخم «في حياته» كمقدمة لهذا الحوار.. وماذا عساني الآن أن أفعل.. ماهي المقدمة التي سأضعها لهذا الحوار بعد رحيله المؤلم.. ماذا سأقول أكثر من «رحمك الله يا شاعر الأجيال والشباب.. وإن أي مقدمة تقصر عن قامتك السامقة يا شاعرنا الكبير». أعزائي اليكم الحوار كما تم.. دون أية مقدمة!! جيلي.. هو الأفضل أنتم من الرعيل الأدبي الأول في المملكة.. وأحد رموزه الشامخين الى الآن مع كوكبة لامعة تحتفظ ذاكرتنا الجمعية والأدبية باسمائهم رغم رحيل معظمهم أطال الله بقاءك ثم ظهرت بعدكم أجيال أدبية حققت تميزاً أدبياً ومكانة كبيرة.. ما رؤيتكم الآن بعد كل تلك التجربة لمسيرة أدباء العصر.. وكذا مسيرة أدباء الساحة الآن..؟ في جيل الرعيل الأول من الأدباء كانت هناك كوكبة من الأدباء والشعراء المتميزين.. بل إن بعضهم يرتقي في مستواه من المكانة المحلية إلى المكانة العربية رغم حداثة العهد بالأدب المعاصر من شعر وأدب.. وكان أهم ما يميز أبناء جيلي من هؤلاء الأدباء والشعراء أنهم بنوا أنفسهم أدبياً بأنفسهم..أي كانوا أكثر اجتهاداً وقراءة ونشاطاً.. ومما ساعد على ذلك في ذلك الوقت هو عدم توفر التعليم بهذا المستوى.. فلم تكن الجامعات قد ظهرت بعد وكان التعليم مركزاً على النواحي الدينية والتراثية.. وأغلبه كان عبارة عن كتاتيب أولية ومدارس ابتدائية قليلة ثم معهد أو معهدين في المملكة ككل.. وحتى على المستوى العربي لم يكمل كثير من الادباء الطريق التعليمي او المستوى الدراسي مثل الأديب الكبير عباس محمود العقاد ومصطفى صادق الرافعي وغيرهما فقد كانت سمة غالبة في هذا الوقت.. ولكن الفرق بين الادباء والشعراء في مصر مثلاً والذين لم يكملوا تعليمهم هو وجود وسائل ثقافية اخرى لعل ابرزها انتشار الصحف التي كانت تهتم كثيراً بالثقافة والأدب حتى أكثر من هذه الأيام.. حتى الموقع الجغرافي لمصر ساعدها على التواصل الأدبي مع الدول الأخرى بسهولة.. وظهر لذلك اختلاف في النظرة للأدب عن الأدباء المصريين لاختلاف المستويات التعليمية والثقافية لأدبائها. إذن بشكل عام فإن جيلي كان أقل تعليماً لكنه أكثر نشاطاً وقراءة والتصاقاً بالجذور والثقافة العربية الأصيلة. أما الجيل الحالي من الأدباء والشعراء والنقاد فقد بنوا أنفسهم ثقافياً من باب التعليم أولاً.. وعندنا هنا في المملكة أجيال جديدة أدبية تمثل ثروة طيبة للإنسان العربي والشارع العربي.. وإن كنت أرى بشكل عام أن بعض الشعراء المعاصرين لايستطيعون الوصول الى المستوى الذي كان موجوداً عند بعض الشعراء السابقين من جيلي على سبيل المثال، ولكنهم على أي حال يبشرون بخير كبير وهناك اسماء بالفعل جيدة ولكنني لا اتذكرها دوماً وأشعر ان البعض منهم يمتلك موهبة عظيمة.. وإن كان لي بعض الآراء في مسألة الاهتمام الزائد بشعر التفعيلة او ما يسمى بالشعر الحر او شعر الحداثة كما يسميه النقاد.. ففي رأيي انها أشياء بادت.. والشعر العربي الفصيح هو الباقي رغم ان شعراءه أقل الآن. العلاقة بين الصحافة.. والأدب رغم أن الجيل الأول أعتمد على تثقيف نفسه بنفسه.. إلا ان المتابع لبدايات الصحافة السعودية يجد أن الصحافة في تلك الفترة كانت تعتمد في ادارتها وتحريرها واسلوبها وشكلها على الادباء فيما يعرف بعد ذلك بأدب الصحافة أو صحافة الأدب، الآن بعد التطور الهائل في وسائل وتقنية الصحافة وظهور صحفيين متخصصين.. كيف تقيِّمون العلاقة بين الصحافة والأدب قديماً.. وحديثاً؟ لكل زمن وقته ورجاله وأدبه وصحافته.. والزمن لايقف.. وللحقيقة فإن الزمن اختلف الآن عما سبق في اشياء كثيرة خاصة في الأدب والصحافة.. ففي جيلنا الاول كانت الصحافة تعتمد اكثر على الأدب والأديب لأنها لم يكن لديها وكالة انباء متخصصة تضخ أخباراً مستمرة ومن كل أنحاء العالم وفي شتى مجالات الحياة، كذلك لم يكن قد ظهر التلفاز بعد والذي أخذ الناس وبهرهم بالصوت والصورة والحركة وهو منافس خطير للصحافة، إذ ان فيه متابعة سريعة للأحداث مع ظهور تعليقات وتحليلات أيضاً إذن كان اعتماد الصحافة الرئيس في ذلك الوقت يقوم على المقالات الأدبية والاجتماعية والسياسية.. والأهم هو الاكثار من الشعر والقصة والنثريات.. وهذا كله يحتاج الى أسلوب أدبي ويكتبه أدباء متخصصون في الأدب ويبقى بعد ذلك في صحافة جيلنا الأخبار وكانت قليلة لو قورنت بالأدبيات وقتذاك إذ كانت الأخبار إما أخبار خارجية تؤخذ من الصحف الأجنبية أو أخبار محلية محددة.. كل هذا يعطي انطباعاً بأنه ثمة عدم احتياج إذن لصحفيين متخصصين بل أدباء يشكلون مادة من نوع جديد في شكلها وصياغتها فقط.. والأهم من وجهة نظري ان الأديب لم ينزل بأدبه أو أسلوبه ويسهّل منه من أجل ارضاء الجمهور أو القارىء. .. أما الصحافة الآن في هذا الجيل فقد اختلف الوضع تماما. فالصحافة قد تطورت شكلا ومضمونا ولغة وأسلوبا وصارت أكثر تخصصا.. والمعنى ان الصحافة حتى تجاري الأحداث صارت تعتمد على الأخبار أكثر.. وتلك الأخبار لا تحتاج في جلبها أو صياغتها أو كتابتها الجماهيرية الى كثير من الابداع الأدبي والأسلوبي.. بل الى صياغة سهلة التناول تقترب أكثر من القارىء الذي يحتاج الى خبر سريع فقط ولا يحتاج الى وصف أو تحليل أو حتى مقالات وتعليقات.. ومن هنا قل الاهتمام في الصحافة بالاعتماد على الأدباء بل اعتمدوا على أجيال جديدة هي أقرب للصحافة منها للأدب أو أقرب للتسويق الخبري مع الاحتفاظ في نفس الوقت برشاقة أسلوبية خاصة ولكن يظل الأديب له مكانته فظهر ما يسمى بكتاب الصحافة وكتاب الأعمدة، فظهرت كليات اعلامية متخصصة تقرب بين الأديب والصحفي.. كما زادت المجلات انتشارا.. واهتمت الصحافة بالتقنية والطباعة الحديثة. ومع انتشار التعليم وعندنا ما يقارب الآن الثماني جامعات زاد عدد المثقفين وكذلك القراء والأهم عدد الصحف.. فساهم المثقفون ذوو الموهبة في تطوير الصحافة أما الأدباء والشعراء زمان فهم كانوا عمالقة الصحافة.. وممن جمعوا بين الصحافة والأدب والشعر وصاروا عمالقة في الاثنين.. أذكر منهم حمزة شحاتة وحسين سرحان ومحمد حسن فقي. التكوين الشعري.. والنشأة * أنتم من جيل يسكن الذاكرة الآن أدبيا وتاريخيا.. كما أنكم تملكون مسيرة أدبية وصحفية وشعرية ضخمة.. هل لكم ان ترسموا لنا عن هذا العبق التاريخي للأجواء الأدبية والفكرية للمملكة عامة ولمكة خاصة في بدايتكم؟ أنا من أسرة آل عرب التي حطت بمكة منذ القرن الحادي عشر للهجرة وتتفرع الآن في مدن كثيرة بالمملكة.. وهي أسرة اشتهرت بالدين والعلم والأدب في اقليم الحجاز إذ كان جدي الشيخ ابراهيم عرب مدرسا في المسجد الحرام وجدي الآخر الشيخ حسن عرب خطيبا وإماما له.. واشتهر في الأدب منهم الأستاذ محمد عمر عرب. وأنا ولدت في شعب عامر بمكةالمكرمة عام 1338ه. وقد توفت والدتي مبكراً فأثر ذلك في نفسيتي كثيراً واعتراني حزن مبكر. ومن ناحية التعليم فقد ذهبت الى احدى الكتاتيب المنتشرة وقتذاك في مكة فتعلمت فيها مبادىء القراءة والكتابة والحساب ثم التحقت بالمدارس الحكومية.. حيث كانت المرحلة الأولى تحضيرية وهي سنتان كنا ندرس فيها القرآن والتجويد والخط والاملاء وبعض العمليات الحسابية البسيطة. أما المرحلة الثانية فكانت أربع سنوات ثم التحقت بمدارس الفلاح ولم أمكث بها طويلا إذ ذهبت الى المعهد العلمي السعودي بمكةالمكرمة ثلاث سنوات تخرجت فيه بتفوق حيث ظهر اهتمامي واضحا في ذلك بالشعر ساعدني في ذلك استماعي وشغفي للقصائد التي كان ينشدها بعض المداحين اليمنيين على الرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته وأصحابه بقصد التكسب حتى انني كنت أعطيهم من مصروفي البسيط وقتذاك. وكذلك تأثرت بالاجتماعات أو ليالي السمر التي كانت تعقد في منزل والدي الذي كان بعض رجال البادية ممن ولعوا بالشعر والأدب يجتمعون في دارنا ويأخذون في تبادل القريض فيما بينهم ويروون الأشعار والأخبار المختلفة أذكر منهم عبدالمحسن الهزاني وابن سبيّل.. وكانت تؤدى هذه الأشعار مصحوبة بالنغمات.. رحلة الأدب.. والحياة * لكم رحلة أدبية وحياتية طويلة وعامر بعد ذلك.. كيف خرج حسين عرب من أجواء مكة الى الصحافة والحياة والوزارة والتكريمات أي كيف تواصلت رحلتكم الخاصة والعامة بعد ذلك؟ في مرحلة الصبا والشباب المبكر كنت مولعاً بالقراءة لدرجة شديدة فكنت مرتاداً دائماً لمكتبة المسجد الحرام ومتتبعاً لاصدارات جريدة «أم القرى» الشهيرة وقتذاك فكنت أقرأ للغزاوي والزركلي وعواد والأيوبي.. ثم حين دخلت المعهد العلمي وجدت المناخ المناسب لظهور موهبتي بمساعدة مجموعة من الأدباء الكبار أمثال أحمد العربي مدير المعهد آنذاك وحسن كتبي وأحمد السباعي وأحمد عطار واتذكر وأنا طالب أنني دخلت مسابقة شعرية لاختيار نشيد وفزت في تلك المسابقة ثم فزت في مسابقة أخرى بمدينة الطائف. وبعد ذلك فزت في مسابقة في إذاعة لندن. المكونات الثقافية..والحياة العملية * هل لنا أن نسألكم عن الكتب التي جذبتكم في هذه الفترة؟ أو بمعنى آخر.. مكوناتكم الثقافية في تلك الفترة؟. بشكل عام التراثيات العربية الأصيلة مثل مؤلفات الجاحظ وأمالي المرتضى ومؤلفات أبي حيان التوحيدي ونهج البلاغة والمعلقات والدواوين الشعرية لمعظم شعراء العربية كأبي تمام والبحتري والمتنبي وأمرئ القيس وزهير والأخطل وذي الرمة والأحوص وحتى الشعر الحديث كنت أقرأ لشوقي وحافظ والبارودي وطه حسين والعقاد والمازني والحكيم والمنفلوطي ومن الشام كنت أقرأ لمطران والأخطل الصغير وأبي ريشة. وأذكر انه تطورت قراءتي الى التاريخ والسياسة خاصة بعد اهتمامي بالصراع مع الصهاينة.. وبعد ذلك تابعت وراسلت الصحف العربية مثل مجلة الرسالة للزيات التي سببت لي شهرة في مصر حتى طلبني الدكتور طه حسين للكتابة في جريدة «الكاتب المصري» وبعملي وتحريري في جريدة «صوت الحجاز» تعرفت على كثير من الأدباء ثم بعد ذلك ومع وظائفي وسفري لكثير من بلدان العالم زادت ثقافتي وكذلك عملي في وزارة الداخلية وكوزير للحج والأوقاف جعلاني اقترب أكثر من قضايانا العربية والاسلامية خاصة القضية الفلسطينية. شعراء لا يكتبون الغزل * أنتم توليتم مناصب كبيرة منها منصب وزير الحج والأوقاف ثم مناصب أخرى في وزارة الداخلية.. وسط هذه الأعباء العملية.. أين كان شعر الغزل في فترة الشباب..؟ لم نكن نكتب الغزل في ذلك الوقت.. فالأجواء لا تسمح وطبيعة التربية وما نقرأه والمحيط العام.. حتى الغزل فيما بعد يخرج متعفناً بطبعه لا يهدف الى الجمال الحسي أبداً.. بل غزل يرتقي بالمشاعر الانسانية أو هو غزل في الجماليات بشكل عام.. جزء صغير من معانٍ كبيرة. شعر النقائض * هل هناك نوع معين من الشعر كان يجذبكم وقتها؟ كان يشدّني شعر النقائض الذي كان معروفاً وقتها . ناقضت سرحان وشحاتة * هل تؤمنون بفائدة شعر النقائض وهل جربتموه مع أحد من الشعراء المعاصرين لكم؟ أنا أرى ان فائدة شعر النقائض اجتماعية في المقام الأول. وقد جربته مع أصدقائي حسين سرحان وحمزة شحاتة حيث جاريتهما في بعض القصائد وهذا يعود الى الصداقة التي ربطتني بهما أيضا. * وهل ضمت دواوينك بعض الأشعار من النقائض؟ ضمت بعضها. * من المعروف عزوف الكثير من جيل الرواد لجمع أشعاره.. كيف جُمعت أشعارك.. وما هي الدراسات التي كُتبت عنكم؟ جمعت أشعاري في مجموعة كاملة صدرت في جزءين بمقدمة للناقد عبدالله الغذامي.. أما أشعاري فنزلت قبل ذلك في مجلات كثيرة.. وقدمت الباحثة سارة محمد الراجحي رسالة ماجستير عن أشعاري منذ سنوات كما قدمت في مصر عدة رسالات عني وعن أشعاري. أنا.. أكثر المكرمين * بعد تلك الرحلة وهذا العطاء.. كيف تنظرون للحظات التكريم في حياتكم سواء داخل او خارج المملكة.. وماهي تلك التكريمات؟ انا احمد الله اكثر المكرمين من الشعراء القدامى.. وهذا بفضل الله فقد كرمت منذ الصغر بجوائز كثيرة.. وفي حياتي كرمت من عدة جهات مثل اخذي وسام ميدالية الادباء باندونيسيا ووسام من مصر اخذته من رئيسها حسني مبارك وخليجياً كرمت في مدينة مسقط في مؤتمر مجلس التعاون الخليجي كأحد الشعراء السعوديين من الرواد.. وكرمت من قبل رئيس رعاية الشباب في المملكة وكذا كرمت من ادباء الاوقاف والحج. * كيف تنظرون الى الصالونات الادبية ودورها في تكريم الادباء؟ هذا عمل جميل.. واذكر على سبيل المثال اثنينية الشيخ عبدالمقصود خوجة التي هي مفتوحة امام الجميع وتكرم اصحاب المواهب وهذا دور اجتماعي وادبي ارجو استمرار عطائه.