تساءل كثير من الباحثين عن الرابطة التي تربط بين الشاعر علي بن المقرب العيوني وهو في الأحساء وماوان في الدلم بمحافظة الخرج حيث ورد ذكر ماوان في بعض قصائده، ولما له من رابطة بذلك حيث عاش فترة شبابه في اليمامة اتضح ذلك بالبحث والتنقيب في مظانّ الكتب التي تحدثت عنه، عندها اتضحت الرؤية وزال اللبس، ولما لموضوع هذا الشاعر بصلة بالمحافظة (الخرج) فقد أوردت ما ذكر حول هذا الموضوع عن حياة هذا الشاعر الذي جاء في بعض قصائده ذكر لبعض المواقع الجغرافية في الخرج مثل ماوان، وأجله (الهجلة) في خفس دغرة جنوبيالدلم، والثليماء. ولندلف الآن لنتعرف على حياة الشاعر ومولده فقد ولد الشاعر علي بن المقرَّب العيوني في عام 572ه من أم حنفية من وادي حنيفة باليمامة، يقول الدكتور علي الخضيري «أما والدة ابن المقرَّب فإنه نادراً مايذكرها في شعره، وإذا ذكرها ففي مجال فخره بطيب معدنها وأصالة نسبها وشرف خؤولتها ثم يضيف ويستظهر من الأبيات القليلة التي تحدث فيها الشاعر عن أمه أنها من بني حنيفة يقول الشاعر: فما ولدتني حاضن حنفية عبيِّدية تسمو إلى الحسب الأجزل ثم يضيف د.علي قائلاً: ولعل أكثر إقامة الشاعر في شبابه كانت في ربوع بلده الأحساء إذ لم تصل إلينا أخبار تنقلاته سوى التي قام بها إلى العراق بعد أن بلغ مبلغ الرجال وذاعت شهرته، وعلا صيته. وكان سبب خروجه هو خلافه مع بني عمه أمراء الدولة العيونية. ثم يورد الدكتور الخضيري رأياً آخر له حيث يقول: ومن المؤكد أن ابن المقرَّب كان يخرج مع أهله إلى أطراف البحرين مما يلي نجد أو غيرها من البلاد، بل إن شعره ما يدل على رحيله إلى نجد وإقامته فيها أيام صباه حيث قال الشاعر: لله أيام الصِّبا إذ دارنا حجرُ القرى ولنا بأَجَلَة معهدِ فالشاعر يتذكر مكان التجمع للتعارف والأنس مع لداته في أجلة (الهجلة) حالياً وهي تقع شرقي خفس دغره جنوبي الدَّلم. ولعل إقامته في نجد كانت للارتباع أو الإصطياف عند أخواله وكما جرت بذلك عادة أهل الأحساء آنذاك حين كانوا يخرجون إلى الصحراء ومواطن العشب والكلأ في بعض فصول السنة حيث أورد الشاعر أبياتاً يتشوق فيها إلى ذكرياته مع جيرانه وتلك المنازل التي ألفها في صباه بين البحرين ونجد حيث يقول: رعى الله الثُّليم وساكنيه وأجراعاً تكنفها الثُّلام وجاد من الجديد إلى المصّلى إلى الحصنين وكَّاف رُكام فمسرح لذَّتي ومراحُ لهوي هُنالكم وجيرتي الكرام. فالثليم المذكورة في القصيدة هي ما تسمى حالياً الثليماء جنوبي السيح بمحافظة الخرج وهي مور ماء سابقاً. وفي دراسة أعدها الدكتور عبده قلقيله عن الشاعر العيوني يذكر فيها رحلات الشاعر إلى اليمامة وقبل ذلك عيشه فيها أيام صباه يقول الدكتور عبده: وقال الشاعر يخاطب الأمير عماد الدين أبا علي محمد بن سعود بن أبي الحسين، أحمد بن أبي سنان محمد بن الفضل: لقد كنت أرجو أن أرى في جنابكم ولي من نداكم سابق وحسام إذا كنت أخشاكم وأخشى عدوكم فإن حياتي شقوة وغرام فإن كان ذنب فاتركوه لما مضى وهل هو إلا إذ يُعَّد كلام ووالله ما أوضعت فيما يريبكم ولا شُدّ لي يا قوم فيه حزام يقول د.عبده: والبيتان الأخيران يدلان على أن ابن المقرب قد ثار قولاً لا عملاً وأنه لم يجد من المتذمرين الساخطين عيونيين كانوا أو غير عيونيين، من ينهض بالأمر له أو معه بل إن بعضا ممن كان معه قد انقلب عليه بدليل قوله: فليت أخلائي الذين ادخرتهم جلاء لهمي لا على ولاليَّا وأعجب مايأتي به الدهر أنني أرى القوم ترميني بأيدي رجاليَّا ثم يضيف د. عبدة: لذلك كله ولغيره عدل عن خطته ونكص فها هو ذا يستعتب آل الفضل ولهم العتبى حتى يرضوا ولكن ماذا لو لم يرضوا، لا شيء سوى الرحيل الاضطراري أو النفي الاختياري، وهو في هذه المرة لن يرحل إلى بعيد وإنما إلى اليمامة فهو يقول: فلم يبق إلا أن تزمَّ ركائبي ويصبح كيدٌ بيننا وسنام فخير من الأحساء إن دام عتبكم أشيُّ ووادي مُنهم ونعام وماذاك مني باختيار ولا رضاً ولكن يحل الشيء وهو حرام فأُشيٌ موضع باليمامة بوادي الوشم. ومُنهم أو ملهم قرية في اليمامة. أما نعام فوادي باليمامة في أعلى المجازة (وهو ملاصق لماوان من الجهة الشمالية الشرقية). ويستطرد الدكتور عبده: ولا عجب في أن يفكر بن المقرب في الرحيل إلى اليمامة فمن قبل ذهب إلى قصبتها (حجر القرى) وإلى قرية من قراها (أجلة) لكنه ذهب إليهما أو ذهب به إليهما وأمضى بهما أو أُريد أن يمضي بهما فترة شبابه، وعرفنا ذلك من مطلع قصيدته التي يمدح بها الأمير عماد الدين أحمد ابن ابي سنان محمد بن الفضل ولحلاوة هذا المطلع ولأنه يعطي صورة مشرقة لحياة بن المقرَّب قبل نكباته وطموحاته قال: بعثتْ تهدد بالنوى وتوعد مهلاً فإن اليوم يتبعه غد لا تحسبي أن الشباب وشرخه يبقى ولا أن الجمال يخُلد عشر ويخلق شطر حسنك كله ويُذم ما قد كان منه يحُمد فتغنمي عصر الشباب فإنه ظل يزول وصفو عيش ينفد وضعي يداً عندي توفك مهجتي إن الكريم الحر تملكه اليد وتيقني أن الشباب لناره حدُّ ويطفئها المشيب فتبرد والبخل بالشيء المحقق تركه أسفٌ يدومُ وحسرةٌ تتجدد لله أيام الصبا إذ دارنا حجرُ القرى ولنا بأجلة معهد والان نورد القصيدة التي ورد فيها ذكر ماوان في الدَّلم بمحافظة الخرج والقصيدة كما يقول د.عبده: في مدح الأمير فضل بن محمد العيوني وعدد أبياتها ثمانون بيتاً ومطلعها طللي ثم شكوى موجعة من الدهر، وهجاء مقذع وهو يذكر قصته مع من يسأله عن قومه وسبب تركه لهم ومدحه لغيرهم يقول الشاعر: ما أنصف الطلل العاني بماوانا لم نُشجِه يَوْمَ سلَّمنا وأشجانا عُجْنَا نُحييِّه إجلالاً وتكرمةً منَّا فلم نبكه شوقاً وأبكانا وكنتُ أحسبُهُ والدَّّهر ذو غيرٍ لو لم نحييَّ مغانيه لحيَّانا فلست أدرى لإنكار تخوَّنه أم بالعُقُوقِ على عمدٍ توخانا ما لذنب للرَّبع في هذا فنُلزمُه عُتباَ ولكنَّ هذا الدَّهر لا كانا وفي قصيدة أخرى في مدح الأمير محمد بن أبي الحسين مطلعها غزلي طللي ماواني كسابقتها يقول الشاعر: سائل ديار الحي من ماوان ما أحدثت فيها يد الحدثان وأطل وقوفك يا أخيَّ بدمنةٍ قد طال في أطلالها إدماني كانت جناناً كالجنان فأصبحت للوحش موحشة وللِجنَّان لمَّا وقفتُ العيس في عرصاتها ذهب العزاء وأقبلت أجفاني وذكرت أياماً خلون وأعصراً ذكرى لهنَّ لسلوتي أنساني ومن خلال ماورد من نصوص شعرية للشاعر علي بن المقرِّب العيوني وحسب ما يظهر لي أنه عاش فترة من عمره وشبابه في اليمامة متنقلاً في بلدان الخرج ومنها ماوان وهو الوادي الشهير غربي الخرج وأجله وهي جنوبالخرج والتي يطلق عليها حالياً (الهجلة) وكذلك نعام المعروف غربي حوطة بني تميم. ولعلي بهذه الإطلالة قد أزحت بعض الغموض الذي أعترى بعض النصوص التاريخية التي أوردها كثيراً من المؤرخين والباحثين في شروحات أبيات وقصائد الشاعر العيوني. وفي الختام أقدم شكري لك أيها القارىء وآمل تسديدي فيما كبوت فيه والسلام عليكم.. عبدالعزيز بن ناصر البراك وزارة المعارف * المراجع: 1 التجربة الشعرية عند بن المقرب، تأليف د.عبده عبدالعزيز قلقيلة. 2 معجم اليمامة: تأليف عبدالله بن خميس. 3 علي بن المقرب العيوني حياته وشعره. تأليف: د.علي بن عبدالعزيز الخضيري. 4 ديوان ابن المقرب تحقيق وشرح عبدالفتاح محمد الحلو.