لا يكاد يخلو شارع من شوارع بلادنا الحبيبة إلا وقد غصّ بالكثير الكثير من المحلات والأسواق التي زاحم بعضها بعضا في مظهر اقتصادي يضطرب بالحركة والعنفوان، ولكن ما ان ترفع رأسك قليلاً الى مستوى اللوحة على هذا المحل او ذاك السوق حتى ترى ما يسوؤك!! إن السوء ليس في قِدم اللوحات، فهي حديثة وعلى أحدث وأرقى التصاميم الحاسوبية!! وليس السوء في انعدام إضاءتها، فهي كالشمس في رابعة النهار!! وليس وليس.. إنما السوء في تلك العناوين والكلمات المجافية لنقاء الفصحى، والتي اصابتها هجنة الخطاطين الذين يكتبون ما لا يعرفون، وليس الأمر كذلك بل انك ستجد اسماء اجنبية لبعض الأسواق والمحلات المعروفة في مهزلة نفسية لا تعبر إلا عن انهزامية مقيتة ودونية كريهة ورقابة هشة.. ولن تكون الحال افضل عندما تكون تلك العناوين بلهجة عامية «نجدية، حجازية، جنوبية او شامية او مصرية او لبنانية» وعدِّد ما شئت من المناطق والأقاليم، وكأن اللغة التي دستورها القرآن الذي يلتف حوله مليار وأربعة ملايين، كأنها أضحت عاجزة عن ايجاد اسماء لأملاك المسلمين العرب. إن الانتهاك الصارخ للغة العربية وجمالها وروعتها بهذا الشكل لأمر يدعو للحيرة لأننا في جزيرة العرب والغالبية الساحقة من هذه الممتلكات لأبناء هذه البلاد، فكيف نستسيغ وجود شارع محتضن لبعض المحلات الصغيرة او الكبيرة وقد تلطخ بالأخطاء الأسلوبية او الإملائية او النحوية ما لو رآها سيبويه في حياته لذهبت نفسه قبل إتمام قراءتها. أيها السادة.. لا أعتقد ان تيسين سيتناطحان حول قدرة العربية على استيعاب مستجدات الحضارة، ولا أحد يجهل استجابتها لحاجات الحضارة أيام بني العباس، وما واكبها من حركة الترجمة، بل هي لا غيرها كانت لغة العلم والبحث العلمي، في الطب، والعلوم، والرياضيات، والفلك، والهندسة، وغيرها، فإلامَ تشرق نفوس بروحها، وإلامَ تغص نفوس بقوت حياتها؟!. إنني أتساءل وكلي حسرة من المسؤول عن هذا العقوق للغتنا الأم؟ أهم عصابات «الهنود» الذين يكتبون بلا وعي؟! أم مجرمو الثقافة ومروجو اللسان الغربي المعوج؟! أم البلدية ووزارة التجارة؟! وهل بلغ بنا العوز والاضطرار الى درجة أننا لا نستطيع أن نستغل الأعداد المتدفقة من خريجي أقسام اللغة العربية من الذين تثبت جدارتهم على التعامل مع مثل ذلك؟!. أسئلة وغيرها الكثير، أكون مغالياً في التفاؤل إن قلت: ان المسؤول سيجيب عليها بقبضة تخلط الحروف بالحروف والسطور بالسطور ثم يكافئها برحلة مكوكية إلى كوكب «سلة المهملات»!!! وللحديث بقية..