سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في محور البحث عن هوية الرواية: أ. الجاسم: السيرة الذاتية والرواية جنسان أدبيان لا تنافر بينهما
أ. الشقحاء: الرواية عندنا تجاوزت الأطر التي يقيدها الناقد بها
الحلقة الأولى
تتعدد الآراء، وتتهاطل الأحكام، متوافقة في حين ومتضاربة في أحايين كثيرة حول مسألة أو اشكالية الرواية الفنية والسيرة الذاتية، حتى وإن حاول الناقد أو المبدع أحيانا تقنيع هذه الإشكالية المعاشة والتي عندما يفتح الحديث عنها في أي مجتمع ثقافي أو أدبي ومنها (الصوالين الأدبية) فإن النقاش يبقى على أشده بين موافق ومعارض لرأي وحكم أو مخالف، لينتهي الأمر دائماً إلى أن كليهما (السيرة الذاتية الرواية الفنية) يعدان جنسين أدبيين لكل منهما أسسه ومقوماته قد تتداخل فيما بينها لدرجة يحصل عندها حدوث إشكالية محيرة. «الجزيرة الثقافية» طرحت تساؤلاً حول الإشكالية على عدد من المختصين. روائيين ونقاداً. هدفها استجلاء آرائهم حول هذا التساؤل الذي نصه (إلى أي مدى تنجح الرواية في استقطاب ما يمكن أن نقول عنه سيرة ذاتية؟ وهل تنجح الرواية في توجهها الفني البحت؟ وها نحن نقدم لكم الحلقة الأولى من هذا التحقيق حيث شاركنا فيه كل من الروائي الأستاذ ناصر الجاسم والروائي والقاص الأستاذ محمد الشقحاء. الروائي/ ناصر الجاسم/ تحدث عن هذه الإشكالية قائلاً: السيرة الذاتية جنس أدبي، مستقل له شروطه، وقواعده، وضوابطه الفنية، وكذا الحال بالنسبة للرواية، فهما جنسان أدبيان التقارب بينهما حادث، وكذا التباعد، ولكن لا تنافر بينهما، فالسيرة الذاتية قد تكون جنساً أدبياً قائماً، أو ناهضاً داخل الجنس الروائي، أو أنها مزروعة بداخله، ومن الممكن أيضاً وفي حالات نادرة أن يكون في داخل السيرة الذاتية رواية، لأن فعل الروي فعل عام شامل، وصالح للرواية وللسيرة الذاتية، علماً بأن هذا الرأي، لا يعني تحطيم الفوارق الفاصلة بين الأجناس الأدبية، فالناقد الفطن يستطيع بسهولة قصوى اصطياد المواقع الكتابية السردية التي توجد في كل نص أدبي، ومن ثم فحصها، وبيان جنسها، وبالتالي عزلها، وتصنيفها التصنيف الصحيح حسب ما أتفق عليه النقاد المؤسسون، أو المكتشفون، أو الواصفون للأركان الفنية للأجناس الأدبية. الرواية مدى مفتوح إلى ما لا نهاية، لا ينغلق في وجه أي إبداع كتابي نثري أو شعري، فالرواية ناجحة جداً في استقطاب السيرة الذاتية إلى الحد الذي يمكن فيه أن تكون الرواية سيرة ذاتية كلها!!، فالرواية نجحت فيما سبق في استقطاب الشعر والقصة القصيرة، والمثل والفلسفة والحكاية الشعبية والأسطورية فلماذا لا تنجح في استقطاب السيرة الذاتية؟! السيرة الذاتية عامل جذب للقارىء أياً كانت ثقافته، فالناس جبلوا على حب سماع أو قراءة حكايات الرجال أو النساء، وكتب الشخصيات أو الأعلام تبدو من أكثر الكتب مبيعاً أحياناً!! وكتب الأعلام والمشاهير هي سير ذاتية في مجملها تروي حكاياتهم والأحداث المؤثرة في حيواتهم وتجوالاتهم في المكان والزمان. لا يمكننا أن نحصر نجاح الرواية أو السيرة الذاتية في عامل فني معين، هي مجموعة عوامل تضافرت مع بعضها البعض في خلق النجاح، فالشروط الفنية وحدها مهما أحكم الكاتب الالتزام بها لا تحقق النجاح في حالات كثيرة وفي أجناس أدبية متعددة. فنجاح العمل الفني الأدبي حالة غير قابلة للبحث في أسباب بعينها، ولك أن تراجع ما يسمى بالأعمال الأدبية الخالدة أو الذائعة الصيت لتقف على هذه الحقيقة الغريبة!! أما الروائي/ محمد الشقحاء فقد شاركنا قائلاً: أولاً: علينا أن نحترم هذا الإنتاج الإنساني المؤثر وإذا شعرنا بأننا نثق في العمل وكاتبه. نتطلع إلى دراسة هذا المنتج ليس من خلال ما تختزنه الذاكرة إنما من خلال هذا التقدير. الإنتاج السردي في ساحتنا الأدبية غني بالمعرفة ينتمي إلى الفن الروائي بكل أجزائه التي عاشت في تجارب الآخرين وبين حديث جيراننا في الوطن العربي وتراثنا الأدبي. الرواية في المملكة العربية السعودية من خلال ما صدر حتى الآن أربك الدارسين في بلادنا وبالتالي نرى هذه التقسيمات الفجة التي يحاول ترسيخها في أذهاننا كمتلقين بعض الدارسين وقد أدهشهم هذا الإنتاج من خلال العمق والطرح الجريء لبعض تفاصيل المجتمع وهنا جاء تلمسهم للظاهر بينما الجميع يتوقع من أكاديميين ونقاد معروفين الغوص إلى عمق النص كما نراه فيما نقرأ للآخرين. وفشل أساتذة الجامعة المتخصصين والنقاد الأدبيين وعلماء اللغة في التحاور مع هذه النصوص خلق في أعماقنا الارتياب من قدراتهم المعرفية، لأن ما بين يدينا جميل من خلال أبعاده الفنية. الرواية في المملكة العربية السعودية نجحت في توجهها الفني بكل أبعاد النص من خلال مقارنات بسيطة بالمنتج المتوفر بين يدينا في الساحة الأدبية للآخرين، فإذا عدنا لأعمال الأديب الروائي إبراهيم الناصر نشعر أننا أغنياء بثراء ما تتناوله أعمال هذا الكاتب المؤثر في الساحة الأدبية والمعرفية. إنما نجد هناك من ينسى هذا الأديب من خلال الصدمة التي سببتها أحاديث المهتمين بالرواية عند الحديث عن الأعمال الجديدة لأسماء عرفت في منشط إنساني آخر مثل الشاعر على الدميني الذي قدم لنا رواية متميزة وقد عرفناه شاعراً محلقاً وناقداً يسعى إلى رسم معالمنا الأدبية والفكرية. كما يفعل من صدمتهم التجارب والأعمال الجديدة المؤثرة في ساحتنا الأدبية التي أصدرها الدكتور تركي الحمد وقد عرف بالباحث الإعلامي والسياسي على مستوى الصحافة والمنابر العلمية، بتجاوز أعمال القاص والروائي عبدالعزيز مشري التي خلقت في وجداننا معنى أن يكون لحياتنا مذاق خاص رغم صدمة الحضارة التي أندغمنا فيها. إن المنتج الروائي الذي تعدد من خلال الأستاذ أحمد الدويحي الذي يمارس الكتابة بعجائبية أحاول اكتشافها من خلال أعماله القصصية والروائية فيما يقوله بصدق فني متلمساً الخيوط الجمالية في حياتنا التي ضاعت معالمها لاتكائنا على الآخر حتى في الحديث عنا ومعنا كأدباء ومفكرين. الرواية تجاوزت الأطر التي يسعى إلى تقييدها الناقد عندنا بها حتى يصرفنا عنها من خلال مقارنة فجة بما حولنا. وعندنا أسماء ثرية مؤثرة في الساحة معاصرة وعبر العقود الخمسة الماضية. والجميل في هذه الجزئية من الأدب إن ساحتنا المعرفية توثق مراحل التصاعد الكمي والكيفي بشكل نادر يحفظ لكل الأسماء أدوارهم ابتداء من عبد القدوس الأنصاري ومحمد على مغربي وأحمد السباعي مروراً بحامد دمنهوري وإبراهيم الناصر وغالب حمزة أبو الفرج وسميرة خاشقجي وصولاً إلى الراهن من خلال (تركي الحمد/ وعبدالعزيز مشري/ وعبده خال/ وغازي القصيبي/ وسلطان القحطاني/ وأبو حمرا). إننا أغنياء بالعمل الروائي الفني. حتى وإن حاول البعض تحجيم هذه الأعمال التي تصب في المنتج الإنساني وقد كسب كتابنا الرهان في أنهم لووا عنق المندهشين بهذه الأعمال الروائية المؤثرة في حياتنا وحياة الآخرين.