إعداد - د. هناء بنت راشد الشبلي/ تصوير - عبدالله الخفاجي: تشهد المملكة العربية السعودية تطوراً تنموباً في شتى مجالات الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية, حيث تُعَدُّ المملكة واحدة من الدول التي تهيمن فئة الشباب على التركيبة السكانية، إذ إن أكثر من نصف السكان الذين يبلغ عددهم 34 مليون نسمة هم تحت سن 30 سنة. ومع متوسط معدل النمو السنوي للسكان ستكون المملكة بحلول عام 2030 إحدى الدول ذات التركيبة السكانية الأصغر عمرًا في العالم. وتمثل فئة الشباب أهم عامل في هذا التطور التنموي، كونهم الجيل المتعلم الذي يتمتع بمستوى عالٍ من التعليم وتنخفض لديه معدلات الأمية، وبالتالي هو من أكثر القوى المؤثرة على سوق العمل، وأكبر فئة ترغب بالتجديد واستيعاب المتغيرات، وأكثرها تفاعلاً واستجابة مع مخرجات عملية التطور والتقدم العلمي والتقني. وهذه الطاقة الكبيرة من الشباب ستبقى كامنة إذا لم تنجح الجهات المختصة بشؤون الشباب بالمملكة بالتعاون مع المجتمع المدني على استيعاب إمكاناتها واحتوائها للاستفادة من طاقتها من خلال وضع خطط مستقبلية وبرامج مناسبة لهذه الفئة, حيث ستشكِّل هذه التركيبة السكانية اليافعة بالعمر قوةً إيجابية للتنمية في جميع المجالات عند استثمار قدراتها بشكل صحيح، وستُسهم في زيادة الإنتاجية وريادة الأعمال والابتكار والتطور التقني، وستكسب إيرادات أعلى تجذب أفضل الشركات العالمية لتكون المملكة مستقبلاً مركزاً للتجارة والثقافة والتعليم, ولهذا فقد وضع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- وولي عهده الأمير محمد بن سلمان قضايا الشباب على رأس القائمة في قمة مجموعة العشرين للعمل على تخفيف معاناة هذه الفئة، والإسهام في إزالتها تدريجياً، للاستفادة من طاقة الشباب في تحقيق الخير والتقدم للبشرية وتسخير تقنيات جديدة ومبتكرة لتمكينها من الوصول إلى الخدمات المالية. ولهذا فقد وضعت الجمعية السعودية للفنون التشكيلية «جسفت» الشباب كإحدى الفئات المستهدفة في خطتها الإستراتيجية لتحقيق أهدافها، وتم تدشين مشروع «شباب جسفت» في شهر أكتوبر الماضي وافتتاح معرضها «الأول» بهدف دعم الشباب الموهوب فنياً، من خلال إقامة سلسلة معارض فنية تساعدهم على عملية عرض أعمالهم الفنية أمام الجمهور بشكل لائق ومناسب تحت مظلة حكومية مع منحهم توجيهات من أشخاص مختصين تدرِّبهم على كيفية تنظيم أعمالهم في المعرض وطريقة استقبال ضيوفهم وكيفية تقديم أنفسهم، والحديث معهم مع تعليمهم أهمية عملية التسويق، وهذا يصنع فرصًا استثمارية لهم بالسوق المحلية. وعندما يتحقق كل هذا سينتج جيل جديد من الشباب يقود الحركة التشكيلية السعودية ويكون استمرارًا للجيل السابق والمعاصر لاسيما في ظل الدعم غير المحدود من الحكومة الرشيدة، وضمن توجيهات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود للثقافة بشكل عام والفنون التشكيلية بشكل خاص من خلال تشجيع الحركة التشكيلية السعودية ودعمها محليًا باقتناء الوزارات والهيئات الحكومية أعمال الفنانين السعوديين، وهذا يجعل فرص الاستثمار في المجال التشكيلي أوسع وأكبر ويعمل على انتعاش الحركة التشكيلية السعودية بكثرة المواهب الشبابية. وفي يوم الاثنين الماضي الموافق 7 ديسمبر 2020م افتتح الدكتور أحمد الطويل رئيس مجلس إدارة المجموعة العربية للتعليم والتدريب - وأكاديمية الفيصل العالمية المعرض التشكيلي لشباب «جسفت» «الثاني» بصالة «جسفت» للفنون التشكيلية في مقر الجمعية الرئيس بالرياض. الجدير بالذكر أن هذا المعرض يشمل مجموعة عددهم (9) من الفنانين والفنانات الشباب الذين سيشاركون للمرة الأولى بالمعارض الفنية. وقد ذكرت رئيس مجلس إدارة «جسفت» الدكتورة منال الرويشد أن أهم أهداف الجمعية هو دعم المواهب من الشباب فنياً وتقديمهم بصورة لائقة لعرض أعمالهم تحقيقًا لرؤية المملكة 2030م، على أن تكون انطلاقتهم الأولى من بوابة «جسفت» التي تهتم برعاية المواهب الفنية من الشباب السعودي. وإني أشكر سعادة الدكتور أحمد الطويل لتشريفه لنا وموافقته على افتتاح المعرض, وهو دور داعم للشباب الطموح الحالم. وأضاف الأستاذ محمد العمري مدير العلاقات العامة والإعلام أن معرض شباب «جسفت 2» يعدُّ دفعة وقوة معنوية هائلة يحتاجها كل فنان موهوب يشق طريقه في عالم الفن التشكيلي لكي يتعرف على أعمال غيره من زملائه الفنانين الآخرين ويتبادل معهم المعلومات وتزداد ثقافة التعاون من أجل الإنتاج لمحتوى فني رائع في ظل قلة وجود الأكاديميات المتخصصة في عالم الفنون البصرية. وصرَّحت مديرة شؤون الشباب بجمعية «جسفت» الأستاذة منيرة السليم بأن مشروع شباب «جسفت» يعدَّ مولداً جديدًا للشباب, وأملاً يتحقق, وروحاً تنبض, فقد لمسنا في المعرض الثاني للمشروع قوة الحماس والشغف والسعادة في فنانينا الشباب الطموح الواعد, فهم شباب المستقبل الذي سيسهم في رفع راية الفن التشكيلي السعودي عالياً. واستمر المعرض أربعة أيام تخللته جلستي حوار مع الشباب الأولى قدمها الفنان القدير علي الرزيزاء والثانية قدمها الفنان العالمي عبد الناصر غارم كانت عبارة عن استعراض رائع لخبراتهم الفنية وتقديم نصائح تناسب فئة الشباب, كما تقديم تنفيذ عرض تفاعلي للجمهور من بعض الفنانين الشباب المشاركين في المعرض الفني الذي اشتمل على 46 عملاً فنياً تنوعت ما بين اللوحات الفنية والمجسمات. فقد قدمت الفنانة الشابة الجوهرة بنت مساعد الصالح تجربتها الفنية التي جمعت بين فن الكولاج والرسم لإنتاج تكوينات جميلة حاولت فيها مراعاة توزيع عناصرها لإيصال فكرتها بسلاسة. كما عرضت الفنانة الشابة دانة بنت محمد الهاجري لوحات متعددة من البورتريه ورسم شخوص من كبار السن تدل على تمكن فني يسبق عمرها الزمني وفكر متفتح يدل على قوة لمساتها وجرأتها في استخدام أدواتها لإبرار أقوى التعبيرات الإنسانية على سطح لوحاتها. الفنانة الواعدة دلال بنت أحمد المقيرن شاركت بلوحات متنوعة تتنوع ما بين الرسم بالأكريلك والمزايكو بأسلوب الفسيفساء، وهي من الأعمال التي تحتاج إلى الجهد العضلي مع أعمال الفكر لإنتاج لوحة فنية تستحق الإعجاب باختيارها مجموعة ألوان جميلة لإبرار وجه المرأة وتحقيق عامل الظل والنور الذي يجذب النظر لتأمل بقية تفاصيلها. الفنان الشاب عبدالله بن حسين الغامدي شارك بمجموعة أعمال ما بين الواقعية والانطباعية تدل على تميزه في اختيار الفكرة التي تعبر عن فلسفته الفنية في الحياة، وهي لوحات نالت مجالاً من النقاش حول ماذا ولماذا!! الفنانة منى بنت عماد البهلكي عرضت مجموعة لوحات موحدة متميزة ذات تكنيك واحد وهي الطباعة بالشبلونة على سطح (بديل الرخام)، وقد كانت لها فلسفتها الخاصة حول عرض تفاصيل تجمع بين الحاضر والماضي لمواضيع من البيئة نجحت في جذب الإعجاب لها. شارك الفنان الموهوب ماجد بن وهيب النهدي الذي لم يتجاوز ال18 سنة بلوحات مميزة لرسم مجموعة مختلفة من البورتريهات لوجوه تأتي من عوالم مختلفة وبأعمار متنوعة أبهرت الجمهور بقوة التفاصيل المرسومة في كل لوحة وطريقة إبرار التعبيرات الإنسانية في كل لوحة. مها بنت عبد العزيز الرشود فنانة متمكنة من صياغة فكرتها التي أخرجتها على شكل مجسم من الخشب وفق تركيبات هندسية من المربعات والمستطيلات مع قطع من الزجاج الملون أضاف لها جمالاً فوق جمالها لتكوين مجسم جمالي راعت فيه بذكاء التوازن ببين الكتلة والفراغ. الفنانة الشابة نورة بنت محمد الهاجري عرضت مجموعة لوحات متنوعة ومميزة عن الطبيعة, وطريقة تناولها لتفاصيل المنظر غير اعتيادية وتسبق عمرها الزمني, كونها تمكنّت من خلط ألوانها ببراعة لرسم تفاصيل البحر وحركات أمواجه, مما يجعلنا نتساءل هل خضعت نورة للتدريب المكثف قبل رسم هذه اللوحات أو أنها فنانة موهوبة بالفطرة!! والجواب أنها موهوبة بالفطرة وتلقت تدريبًا ذاتيًا هي وأختها دانة الهاجري. عرضت الفنانة الشابة وفاء بنت لاحق السبيعي لوحات عن الطبيعة رسمتها وفق انطباعها ورؤيتها الفنية الخاصة بشكل جميل، ونتطلع مستقبلاً لأن نرى الأجمل كونها تحمل فرشاة جريئة لها لمسات قوية ونظرة فنية مختلفة للعناصر المحيطة بها. وأخيراً نقدم الشكر للفنانين الشباب المشاركين بالمعرض، والشكر موصول لعائلاتهم ومعلميهم الذين منحوهم الفرص للتعليم والتدريب حتى تمكنوا من أدواتهم وتقديم مثل هذه الأعمال الجميلة، حيث جمعية «جسفت» هي العائلة الثانية لهؤلاء الشباب وحاضنة لهذه المواهب الشابة، وستعمل على إطلاقها بالوقت المناسب لتكون مجموعة متمكنة فنيًا تستطيع المواجهة والغوص في محيط الفن التشكيلي.