الجدال بالحسنى أسلوب حواري جميل يؤدي حتماً إلى تفاهمات واتفاقات راقية. إن أسلوب اللين يختلف بالتأكيد عن أسلوب القوة، وكذا طريقة الإقناع فهي أفضل وسيلة من طريقة الفرض والإجبار، كونها تخاطب العقل والروح بعيداً عن الهيمنة الفكرية واللغوية والصراخ والعويل. إن الجدال بالحسنى يكون بالحجة والدليل، وبأسلوب ميسر يشوبه اللين والرفق والسكينة وبعيداً عن أسلوب الغلظة والتنفير. إن القوة والخشونة في الجدال والحوار، وتحقير الطرف المقابل والازدراء بالخصم، واستعمال الألفاظ المنافية للأدب كالسب والشتم، وإظهار التكبر والغرور، وعدم احترام الرأي الآخر، كلها أمور سيئة، لها عواقب وخيمة، ولا تؤدي إلى نتائج مثمرة. إن الرأفة والحب والصفح والعفو طرق المجادلة بالحسنى، كونها تفضي إلى تفاهمات راقية، ونهايات سعيدة. إن الردود بالأسلوب الودود يؤثر كثيراً في تليين القلوب وانشراح الصدور وارتقاء الأرواح، عكس أسلوب الفرض والهيمنة والغلظة والخشونة والعصبية فهي تزيد النار اشتعالاً وتفضي إلى طرق مسدودة، وتؤدي إلى نزاعات وخصومات وعداوات ومشاحنات وبغضاء. إن الجدال بالحسنى منهج إسلامي رصين، قال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}. إن الحوار والمحاورة الهادفة الهادئة، توصل بالتأكيد إلى قواسم مشتركة في مواضع الخلاف والاختلاف. إن الحوارات والمناظرات القائمة على أسس منطقية وأخلاقية وعلمية من أبدع الوسائل وأرقاها للوصول إلى نتائج مبهرة، وحقائق جلية. إن الحوار والجدال والمناقشة هو لأجل إظهار الحق وإزهاق الباطل وتصحيح النظرة، لا للرياء والسمعة، أو لمجرد المناكفة والمشاكسة. إن المجادلة بالحسنى منهج الرسل عليهم الصلاة والسلام، والإسلام كدين قويم يقرر الاختلاف كحقيقة إنسانية طبيعية، ويتعامل معها على هذا الأساس، ومن هذا المطلق برزت أهمية الحوار الهادىء، والمناقشة الرصينة، والمجادلة بالحسنى، واستشراف وجهات نظر الطرف الآخر، نفهم من ذلك أن رأيي صحيح يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، فليس لأحد أن يدعي الحقيقة المطلقة، وليس له أن يخطيء الآخرين لمجرد اقتناعهم برأي مخالف، فالحقيقة نسبية، والبحث عن الحقيقة حتى من وجهة نظر الآخر المخالف طريق مباشر من طرق المرفة والتبين والتبصر، وهو أسمى أنواع الحوار والمناقشة، وفي الأخير أن كسب الحجة والنقاش ليس هو الغاية، ولكن الانتصار للفكرة الصحيحة والمفيدة هو المقصود.