منظر الإنسان الأفغاني المتعب الذي تناقلت صوره شاشات الفضائيات بعد تهدم منزله إثر الغارات الجوية على أراضي أفغانستان، منظر شدّ ذاكرتي للحزن والألم، منظره وهو يحثو التراب في وجه المصورين والمراسلين ويقول لهم بغضب الإنسان المكسور: ماذا تريدون؟.. سنوات مرت وأنتم تصورون وتتحدثون ونحن نعاني.. هل استطاع هذا الإنسان البسيط أن يختزل معاناة شعبه وجماعته في هذه الصورة؟؟!! أعوام مرت وهم يعانون التعب والفقر حتى اعتادوا عليه .. ويعانون الجهل والتأخر حتى طبع على حياتهم. العالم يركض من حولهم ويزداد اتساعاً.. وتقدماً ونوراً وهم على النقيض يزدادون.. انطلاقاً.. وتأخراً.. وعتمة حضارية. أعوام كثيرة مرت وهم ينامون على صوت المدافع والطائرات. ويقومون بوداع بعضهم كل مساء قبل النوم خشية ألا تشرق شمس الغد ويكونون قد رحلوا للموت.. نتيجة القصف والقتال. أصبحت ضوضاء القتال. وضجيج الفزع هي المألوفة.. وصار همس السكينة ودفئ الأمان هو الغريب. الطفل الأفغاني بدل مرحه باللعب، بلُعب توافق واقعه، أصبحت البندقية التي تجتازه بطولها لعبته.. وبدل المدرسة وتعلم الحروف الأولى في التعليم، بالركض بين بقايا المنازل المتهدمة وعرف العنف، والتشرد، والجوع. أرض أفغانستان وما عانته من حروب وقتال عبر سنوات التاريخ البعيدة هي نفس الأرض التي ظهر وتربى بها رموز التاريخ الجميلة الذين حاربوا، الفرس والروم وجنكيز خان وهم الشعب الذي هزم الإنجليز، وروسيا.هذه الأرض المزروعة بين جبال هندكوش وسليمان، والمنبسطة من منطقة هيراث، وتشرب أنهار كابل، وهلمند، هاري، بياض ثلوج الشتاء، وتلتف جبالها بخضرة .. غابات الصنوبر وأودية هادئة تزرع التوت..والفاكهة. والأصابع التي تطلق النار من «ال جي بي آر» والبندقية هي نفس الأنامل التي تغزل خيوط الحرير وألوان نسيج الصوف للسجاد والشال الدافئ في موسم البرد.. والصقيع.طبوغرافية أرض أفغانستان صنعت طبيعة تعامل الإنسان هناك.. فكان لسيادة الجبال ووعورة التضاريس أثر على تعامل الناس. فهم يمتازون بقوة الشكيمة، والبأس والصبر الطويل. هذه البلاد المسكونة بين الجبال، والمحاطة بأذرع جاراتها من دول قوية بعضها يحضنها بقوة حباً وأخرى طمعاً. قفزت هذه الأرض المتعبة على صفحات الأحداث وصارت حديث الأذن وحزن العين.. وغصة القلب. موطن الحيرة.. والخوف، وتضارب الأفكار وتضاد الأحداث وأمور كثيرة تجعلنا لا نكف من الدعاء لها.. بأن يفرج عليها.. ويبدل خوفها أمناً ودمارها عماراً وأن تظل أفغانستان جميلة ينطلق عبر أرجائها صدى الأذان ويشرق نور أبعادها بالإسلام. ما بعد الحديث.. مقطوعة نثرية قرأتها في إحدى المطبوعات المصورة تعليقاً على صورة لاجئ أفغاني مكسو بالحزن، والحيرة ونظرة عين بأحداقها زرع الهلع تقول: لاجئ أنا.. لاجئ من شكلي. تعرفني من نظرة مكسورة وغصة في حلقي وكعوب تتشرب بالدم لاجئ صحيح اليوم صورة من عزيز ذل أبكم مهما صرخ مطأطئ الرأس.. قليل الأهل حملت اللقب.. سوى طفل، صبي، أو كهل