لا أريد في هذه الوقفة أن أتحدث عن تاريخ الصحافة، فقد تصدى لذلك أحد المهتمين بالرصد التاريخي، وهو الأستاذ القشعمي، بل سأعمل على رصد مظاهر الأثر الاجتماعي للصحافة منذ ظهورها قبل مئة عام. دشن الإعلام المقروء و المسموع عصر الاتصال الجماهيري، وهو عصر بدأت معالمه في العالم المتحضر في القرن التاسع عسر، ثم انتقل إلى عالمنا في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. و قد بدأت الصحافة تفرض وجودها بعد مرحلة توحيد البلاد على يد المؤسس الملك عبد العزيز -رحمه الله-.و هذا التزامن له أهميته، خاصة في وطن مترامي الأطراف، فلا بد من وسيلة إعلامية تقرب فضاءات التفكير بين أفراد مجتمع ينضوي تحت لواء دولة واحدة بعد أن أصبح في حكم المنسي والمهمش بعد انتقال الحاضرة الإسلامية إلى دمشق ثم بغداد، فكانت الصحافة مهمة لتوحيد الصوت بعد توحيد الصف. وهي أيضا أتاحت للمواطن فضاءات يفصح فيها عن رأيه و تطلعاته لمستقبل الوطن. لقد أسست الصحافة لمرحلة جديدة تلت مرحلة التوحيد السياسي، وهي مرحلة التفكير الجمعي من خلال التحليل للأحداث وقراءة الراهن والحادث و توقع ما سيحدث إذ حولت الصحافة بعض المجتمع السعودي، خاصة المجتمع المتحضر والمتعلم من الوجود الفرداني أو الجزئي إلى الوجود في العالم و أصبح يتابع ما يجري في المجال السياسي والثقافي.قامت الصحافة بمهمة التمدد الاجتماعي للشعب السعودي، فلم يعد الفرد قابعا في محيطه، و إنما أتاحت له الصحافة الانتشار في العالم، وأصبحت صحفها جسورا يعبر من خلاله الإنسان من المحلية إلى العالمية، فأصبح يتابع أخبار التطور الإنساني، وكذلك الحروب. إن الصحافة تقدم معرفة حية، و هذه الميزة جعلت ابن الجزيرة الذي كان شبه معزول عن العالم يعايش التحولات الكونية. وكانت الصحافة في عهد الأفراد تنفرد في مهمة توعية المجتمع و تنويره، حيث لم يوجد التلفاز إلا في حدود ضيقة، وعند الأسر الثرية و هي قليلة في ذلك الوقت. إن هذه الأهمية التي كانت تنهض بها الصحافة في ذلك الوقت بحاجة إلى مراجعات علمية وبحثية تكشف عن دورها الاجتماعي والتتويري. و هذا يؤكد أهمية تنظيم مؤتمر علمي تشرف عليه وزارة الإعلام و تشارك فيه أقسام الإعلام في الجامعات السعودية يضيء هذه المرحلة ويكشف عن أثر الصحافة في تعزيز الوعي الجمعي. ** **