وصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المستشفى أثناء كتابة هذه الزاوية، وأدلى بكلمة مقتضبة قبل صعود الطائرة متوجهًا للمستشفى، وبدا متماسكًا لطمأنة الأمريكيين. لا يخالطني الشك في أن الرئيس مصاب، ولكن تعوَّدنا منه على المفاجآت، ومن القائمين على الحملات الانتخابية على حيل تتجاوز المنطق والمعقول. قد يكون الرئيس مصابًا بأي من أمراض الخريف المعدية، كالإنفلونزا مثلاً، وسيخرج من المستشفى ليقلب الطاولة على خصومه في أضعف ملف من ملفاته الانتخابية، وسيفعل ذلك حتى لو أُصيب بكوفيد- 19 وكانت الإصابة خفيفة إلى معتدلة، ولكن المشهد قد يتعقد على نحو مختلف فيما لو كانت الإصابة شديدة، وتطلبت منه فترة علاج ونقاهة أطول من المعتاد وهو على بُعد شهر واحد من الانتخابات الرئاسية. وسوف أترك الاحتمال الأخير لمقالة قادمة إن شاء الله. يؤمل الكثير من العقلاء على مرض الرئيس لتوحيد الأمريكيين، خاصة أن هذا العارض الصحي يأتي وفي أمريكا فريقان يحشدان لحرب أهلية، أحدهما في أقصى اليمين، والثاني في أقصى اليسار. يصعب التصديق أن هذا يحدث في الولاياتالمتحدةالأمريكية؛ إذ يتوجّه الرئيس، المناط به حفظ الأمن وتأمين الانتخابات، إلى أتباعه يطالبهم بالبقاء على أهبة الاستعداد مظنة التزوير في الانتخابات. تصريحات صادمة للكثير من الأمريكيين. هناك يمين متطرف، وميليشيات مسلحة تتبع هذا التيار المتدين، يقابلها ميليشيات مسلحة للسود، وكل منهم يحشد بانتظار يوم الانتخابات المشهود في محاولة لملء الفراغ، والدفاع عن حقوقهم التي لا تلتقي إلا تحت سلطة أجهزة تطبيق النظام التي بدأ الطرفان يشككان في قدرتها على حماية مكتسباتهم. أبطلت حركة الحقوق المدنية الأمريكية، وتشريعاتها، وبخاصة قانون الحقوق المدنية (1964)، وقانون حقوق التصويت (1965)، وقرارات المحكمة العليا، العديد من القوانين العنصرية التي يتمسك بها المتطرفون البيض واليمين المحافظ المنزعج من تبني الحكومة أو قبولها بإجراءات، وفرضها عقوبات صارمة ضد التمييز العنصري. أسهم هذا الاستياء في نمو مجموعات وحركات تبشّر بتفوّق العرق الأبيض، بما في ذلك ميليشيا KKK، وعدد من المنظمات النازية الجديدة، ومجموعات الهوية المسيحية الدينية، كما تصف ذلك الموسوعة البريطانية، التي تضيف بأن حركة الهوية المسيحية تزعم أن الأوروبيين الشماليين ينحدرون مباشرة من قبائل إسرائيل التوراتية، وأن معركة هرمجدون الوشيكة ستكون معركة البيض الأخيرة ضد غير البيض. وهذا الاعتقاد يمثل وجهة النظر الدينية السائدة لدى العنصريين البيض في أمريكا حسب الموسوعة؛ وهو ما يفسر ترحيب هذه الجماعات المتطرفة بنقل السفارة الأمريكية للقدس على نحو يفوق حماسة بعض اليهود. لا غرابة أن يعتبر البعض أن انتخاب باراك أوباما عام 2009 كان رد فعل على مغامرات الرئيس بوش الابن، إلا أن ذلك لم يمر مرور الكرام على المتطرفين البيض؛ فقد حذرت الأجهزة الأمنية من أن الميليشيات اليمينية قد استغلت الحدث لتجنيد الكوادر المسلحة، وإثارة الهلع في صفوف أتباعهم. وفي العام الأول للرئيس باراك أوباما تأسست ميليشيا مسلحة، تدعى حماة القسم Oath Keepers، على يد زعيمها إيلمر رودس. وحين أطلق مراهق في أغسطس الماضي النار، وقتل شخصين في احتجاجات بولاية ويسكنسن، وصفه رودس بأنه «بطل»، وعندما قُتل أحد مؤيدي ترامب في وقت لاحق من ذلك الأسبوع في ولاية أوريغون أعلن رودس أنه لن يكون هناك عودة للسلم الاجتماعي، وكتب: «لقد حانت الحرب الأهلية الآن»؛ فمُنع بعدها من الكتابة في تويتر. وعندما حذر الرئيس ترامب من احتمال اندلاع حرب أهلية في بداية محاكمته أمام الكونجرس أيده رودس، وكتب: «هذه هي الحقيقة، إننا نخوض حربًا أهلية». وفي الوقت الذي استفرغ ترامب جهده في التحذير من تزوير الانتخابات، وهو أمر غير معتاد من عامة الناس، فضلاً عن الرئيس، توالت الأسئلة: ماذا سيحدث إذا خسر ترامب وشكك في نزاهة الانتخابات؟ ورفض التنازل؟ وماذا لو فاز وتدفق خصومه إلى الشوارع احتجاجًا؟ لقد أصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي بيانًا، حذر فيه من تصعيد محتمل قبل الانتخابات، وهو تحذير أمني متقدم من صدام مسلح بين فريقين مسلحين في الشوارع. هذه الصورة القاتمة لا يصدقها الكثيرون، بيد أن من يقرأ المشهد الأمريكي يجده مهيأ للأسوأ. فهل يكون مرض الرئيس نقطة تحوّل نحو استعادة النظام والثقة في المؤسسات الحكومية، وبخاصة الأمنية؟