لعب الأديب الأريب، الأستاذ الفاضل حمد بن عبدالله القاضي، دورا هاما في مسيرتنا الثقافية السائدة في بلادنا العامرة المملكة العربية السعودية، كما استطاع من خلال أدبه ونتاجه ومواهبه المتمثلة في مقالاته وفي المجلة العربية خاصة أن يقدم مصادر أدبية علمية زاخرة بأصناف الثقافات، طالما استفاد منه الباحثون والدارسون ومريدو العلم وطلابه سنوات مديدة. حينما كان يتبوأ رئاسة تحرير المجلة العربية قبل أن يترجل عنها، غير أن ترجله أحزن الكثيرين فدبجت فيه المقالات، وسطرت فيه الصفحات، وتفننت في نعته الكلمات. وبين يدى كتاب يضم بين دفتيه أكثر من خمسين مقالا، سارت على مسار واحد، وتطرزت بطراز واحد، وهو الثناء العادل الصادق على شخصية الأديب حمد بن عبدالله القاضي - يحفظه الله -. الكتاب عنوانه: فارس الثقافة والأخلاق. واسم مؤلفه الذي تولى جمع هذه المقالات من بين طيات الصحف والمجلات، هو الأستاذ الباحث يوسف بن محمد العتيق هذه المقالات جاءت بأقلام مفكرين ومسؤولين وأدباء وكتاب يتبوؤن علما وأدبا وفهما وحكمة وحنكة ودراية على رأسهم معالي الأديب عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر - عليه رحمة الله وغفرانه حيث كتب فيه مقالا جميلا عنون له بالعنوان التالي: (لسان عف وقلم نزيه) ومن عذب حديث الخويطر في القاضي قوله (حمد طاقة لا أرى لها حدة وهل للعشق حد، قد يجهل هذا من لم يعشق، ومن لم يعشق فهو حجر من الصخر جلمداً، لسان حمد عف، وقلمه نزيه، وطالما رأيته يزيل شائبة بين متجادلين، لج بهما الحجاج، وطالما رأيته ينعم خشونة متقاذفين، باسم لا يريد أنه يرى إلا أن الابتسامة، لأنها بضاعته الرائجة، وسلعته الرابحة). ولعلك تلمس أيها القارئ الكريم ثناء الوزير على خلق الأديب وهي سمة أجمعت واتفقت عليها صفحات الكتاب التي تربو على المئتي صفحة، حتى عنوانه يشيد بجميل أخلاقه وكريم خصاله. يقول عنه الأديب عبدالله عبدالرحمن الجفري (رحمه الله) في مقاله وسمها بالوسم التالي: (كلماته تتنصر للحب): (حمد القاضي: أسميه الرجل الذهبي يكتب للبوح، وتغني كلماته للحب، وتنتصر أفكاره ومعانيه للقيم الأصيلة، ويركض مدافعين عن الحق والحقيقة ناصعة في معاني اللغة، منافح عن المبادئ، محب بل عاشق لوطنه، يتحلى إبداعه الكتابي في لحظة تطهره بالانتماء للوطن وبالمنافحة عن الدين). * * * حتى الشعر لم يترك الأديب حمد القاضي دون أن ينظم فيه الأبيات الشعرية الرنانة، حيث قال فيه الدكتور سعد بن عطية الغامدي قصيدة جميلة وافيه بديعة عنون لها بقافية الوداع ومطلعها: وفيها يقول: وبعد: القاضي كاتب مبدع فالكاتب يولد ولا يصنع فنزعة الكتابة لا تدرس في مدرسة خاصة ولا تحتويها الكتب ولا تدبجها المقالات، فيه حس مرهف، وخاطر سريع، ونظرة ثاقبة، ولسان عفيف، وقلم نزيه، وهمة بعيدة، وحينما تراه تلمحه رفيع الثقافة لبيبا مصقولا ثم أنه أديب يحمل عاطفة ووجدانا وقلبا مفعما بالحماسة والحب والخير، فهو يخاطب الناس من قلبه، وهو يعيش بينهم يصغي لآهاتهم، ويلامس آلامهم، وتحزنه دموعهم، وقد عرف عنه الكثير الكثير من الجهد المبذول في الجانب الإنساني، فعائد كتبه تذهب إلى الجانب الخيري، هذا فضلا عن مساعدات معنوية قدمها لكثير من الناس. * * * والقاضي أديب له سبعة كتب تعد من أجمل المؤلفات السعودية، وحينما تقرأ له تلمح عنايته في اختيار مفرداته اللغوية، وتدرك حرصه على فصاحتها وسهولتها، ثم هو متفنن في استخدام حروف المعاني لتعبر بدقة وانسيابية عما يريد أن ينقله لقراءة من أفكار. ولا تسل عن أسلوب القاضي فهو سهل ممتنع سهل في تركيبه ممتنع في استعماله، وذلك لأنه لم يمتلك اللغة وحدها، بل امتلك معها الموسيقى، فاللغة العربية ليست لغة جامدة بل مرنة أشد المرونة هي عبارة عن حروف لها حركات متصلة بسلم موسيقي خاص بها. وليس بسمة التفكير وحدها تبوأ القاضي منزلة عليا من منازل الأدب ولكن سمة التعبير عنده والقدرة على رسم الحرف وتشكيل الكلمة جاءت موازية للتفكير تماما، ومن هنا شكل لنفسه أسلوبا خاصا به اتسمت به مقالاته وكتبه وزاويته (جداول) في صحيفة الجزيرة، فكان من أكثر الأدباء قدرة على الوصول إلى الناس، ولعلي لا أجانب الصواب إن قلت إنك حين تقرأ أسلوبه الساحر فكأنما تضع في رأسك عقلا جديدا ليس لك علم به من قبل. والقاضي عاشق هائم متيم بالشعر حين يتحدث أو يكتب، تغلبه هذه العاطفة فينهال الشعر على لسانه ويلقيه لقاء معبرا جميلا خلابا، لقد كانت عنيزة هي الواحة الخضراء التي مدتنا بكثير من الموهوبين والمبدعين أمثال الأديب - حمد بن عبدالله القاضي - فلله درها. ** ** قراءة حنان بنت عبدالعزيز آل سيف - بنت الأعشى - * عنوان التواصل ص.ب 54753 الرياض 11524 [email protected]