قرار مجلس الوزراء الموقر إنشاء مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يعد حدثًا تاريخيًا مهمًا في المسيرة الثقافية للمملكة العربية السعودية. هو حدث يلبي أمنيات وآمالاً تتابعت عبر أجيال المثقفين السعوديين منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود -رحمه الله - إلى الوقت الحاضر. كم كتب المثقفون حول هذا الموضوع من مقالات، وكم أراقوا من حبر، وكم أجروا من نقاش. واليوم تكلَّلت آمالهم بالنجاح. وبالنسبة لي فقد كان إنشاء المجمع أملاً من آمال ثلاثة تحققت جميعها -ولله الحمد - على أيدي قادتنا العظماء. أول هذه الآمال كان إنشاء مطبعة رسمية للمصحف الشريف، فقد كنت أول من طالب بذلك في مقال نشر بجريدة الرياض في العدد 2297 بتاريخ 8-11-1392 ه/ 13-12-1972م بعنوان «طباعة المصحف الشريف»، في عهد الملك فيصل -رحمه الله-، طالبت في هذه المقالة بأن تكون بلادنا مركزًا عالميا موثوقًا لتوزيع المصحف في جميع أرجاء العالم. وقد تحقق ذلك الأمل على يد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز -أمطر الله على جدثه شآبيب الرحمة - وجعل ذلك العمل العظيم في ميزان حسناته. والأمل الثاني كان إنشاء وزارة مستقلة للثقافة، وقد طالبت بذلك في مقال نشرته في جريدة الرياض بتاريخ 28-4-1396ه/ 28-4-1976م، في بداية عهد الملك خالد -رحمه الله- بعنوان «وزارة للثقافة متى نراها؟»، وها هو الحلم يتحقق باستقلال وزارة الثقافة، وإسنادها إلى مسؤول مثقف جليل، يتلمس احتياجاتها، وينشئ هيئاتها ومراكزها، ويعمل على تطوير مؤسساتها، ويتابع شؤونها بنشاط مبهر، هو سمو الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود، أول وزير للثقافة في المملكة. ولا غرو في ذلك فالثقافة هي واجهتنا الحضارية التي تحرص رؤية 2030 بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز على جعلها عاملًا مهمًا من عوامل دعم الاقتصاد السعودي، وإبراز الوجه المشرق لبلادنا العزيزة، بوصف الثقافة دبلوماسية ناعمة ذات تأثير كبير. واليوم يأتي تحقيق الأمل الثقافي الثالث، وهو إنشاء مجمع للغة العربية في المملكة العربية السعودية، وهو أمر لا تقتصر الفرحة بإنشائه على أهل هذه البلاد، مثقفين وغيرهم، وإنما يشاركنا الفرحة في ذلك كثير من أبناء البلاد العربية، الذين يرون أن هذا الوطن بوصفه مهدًا للغة العربية، ومدرجًا لشعرائها وفصحائها الأول، هو أحق البلاد بإنشاء المجمع اللغوي العربي الرئيسي، وهو أجدر البيئات بالحفاظ على الهوية العربية، والأصالة اللغوية، وحماية هذه اللغة والدفاع عنها، خاصة وهي لغة القرآن الكريم، الذي أنزل في هذه البلاد، وشعَّ نوره منها إلى أرجاء العالم. وكم كنا نواجَه - في اجتماعات المجمعيين والمثقفين- بأسئلة محرجة لم نكن نستطيع الإجابة عليها منها: - متى يكون لديكم مجمع لغوي؟ - لماذا لا يكون لديكم مجمع لغوي؟ - ألستم أجدر منا بتأسيس مجمع لغوي؟ تتكاثر الأسئلة لأن المجمع اللغوي يمثِّل واجهة حضارية للدولة التي ينشأ فيها، يعكس سياستها اللغوية، وحرصها على المحافظة على هويتها من خلال تعضيد اللغة وحمايتها. الآن ها هي المملكة تعلن للعالم وجود مجمع لغوي فيها، فتدخل البهجة والسرور على قلب كل محب للعربية، متمسك بالهوية، مدافع عن لسان العرب الأصيل. هذان الحدثان المهمان في تاريخ الثقافة السعودية، إنشاء وزارة الثقافة، ومجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية- بما يعكسانه من اهتمام، وما يعلّق عليهما من آمال- ينجزان في عهد ملك الثقافة والمثقفين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وهو ملك الإنجازات والرؤى المتقدِّمة، وقد تحققت على يديه مشروعات تنموية عظيمة، من شأنها إحداث نقلات نوعية أخرى في مضمار التقدم والرقي. حفظ الله خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، وأدام على بلادنا عزها وأمنها واستقرارها.