مقالي السابق عن الكتاب الجميل والأنيق، (بتوقيعي) لمعالي الأمين عبدالله العلي النعيم.. فيه سجل لتاريخ يكتب بالذهب وفيه صراحة وعلو عن الصغائر، سجل به أيامه العملية وعلاقاته الرسمية كما علاقاته العائلية حيث الحب والود يكلل هذه العائلة المتوادة. قبل أن أعطي لمحة لما جاء بهذا الكتاب أمر على أول لقاء لي بهذه الأسرة الكريمة، كان قد مضى على زواجنا أربعة أشهر عندما حلت أعياد الميلاد في أوروبا واخترنا لندن لتمضية الإجازة كنت للتو قد سجلت لدراسة اللغة الفرنسية، أما زوجي عبدالله الشملان فمبتعث من الحكومة الفرنسية لدراسة الدكتوراه وكان قد أنهى الماجستير. هناك كان الأستاذ العلم عبدالله العلي النعيم وأسرته الكريمة، والتقيناهم، الأستاذ وزوجته الإنسانة الحبيبة حصة الصالح الراجحي (رحمها الله) التي تلقتني بود وحب كبيرين، مع أطفالهما، هذا اللقاء أسرني جداً وبقي محفوراً بذاكرتي، عندما علم الأستاذ النعيم وكان يعمل بالملحقية الثقافة بلندن بالوقت ذاته يحضر لرسالة الدكتوراه في كامبردج، أنني لم أقدم على طلب بعثة حكومية شجعني على ذلك بل وتوسط مشكوراً ونلتها. كان فقد زوجته وأم بنيه مؤلماً جداً على الأستاذ عبدالعلي النعيم فرثاها بمقال حزين جداً، ضمنه الكتاب السيرة. كان أول وآخر لقاء وجهاً لوجه، أما عبر الهاتف فكان لمعالي النعيم فضلاً علي في التشجيع والاتصال في أوقات متباعدة تعليقاً أو تعقيباً على مقال لي، وأذكر مقالاً لي (كريمتنا النكرة) كان عن دعوات الزواج للرجال بدون ذكر اسم الفتاة، فكلمني كيف تعتمد أسرته كتابة أسماء الفتيات وزوجات الأبناء وأزواجهن ضمن شجرة العائلة وأرسل لي صورة من الشجرة، تلك اللفتة من معاليه أفرحتني كثيراً ما زلت أذكرها. الكتاب ممتع كما أسلفت سابقاً، وبه حكايات جميلة وطريفة، سجل طيب لبدايات التعليم ولرغبة الأهالي في العلم بما في ذلك تعليم البنات، وأتذكر بفخر سيدتنا المرحومة (حصة الناصر الشملان) من أوائل المعلمات في مركز الخدمة الاجتماعية بعنيزة، ومن ثم أخذت للتعليم في المدرسة الحكومية الثانية (الشّفيع). الكتاب الشهادة والسيرة موثق بالصور والخطابات الرسمية، قد يبدو لمن يتصفحه فقط أنه رسمي، لكنه يحتاج أن يقرأ أولاً ما كتبته يد الأمين ومن ثم ينظر للصور وتقرأ الخطابات الرسمية، جميعها شهادات له بالتمكن والإخلاص بالعمل أو موافقات على طلبات لتنفيذ مشاريع خاصة بالمدينة التي انتقلت مدينة بسيطة لتكن من درر العواصم. حتى لا أكون قد قفزت بما عمل النعيم منذ بداياته حتى أصبح (صاحب المعالي أمين مدينة الرياض) نراه تسلسل تسلسلاً منطقياً، وكان جاداً صارماً في العمل منذ البدايات حيث عمل بعد تخرجه من جامعة الملك سعود في قسم التاريخ معيدا فيها يُدرس بعض المواد للصفين الثالث والرابع إضافة لعمله الرسمي. الكتاب الأنيق الذي تناول به النعيم سيرته التي هي سيرة مختصرة لمدينة عنيزة، بعدها سيرة لمدينة الرياض التي كانت تزيل الرمال عنها لتكن مدينة واسعة وكبيرة نباهي بها سائر العواصم. عندما كان ينفذ الدائري الذي يلف مدينة الرياض، وكان يدخل في عمق صحراء الرياض، واجه انتقاداً كبيراً من شخصية كبيرة -لم يذكر اسمها- لكنه كان ينظر إلى أبعد من ذلك ينظر إلى أن الرياض ستكبر أكثر، وبالفعل كبرت وكبرت. وضمت بعض الضواحي في المدينة. قبل أن تضيع مني المساحة أعرج إلى كيف أن الفتى الذي لم يكمل السادس الابتدائي صار يحضر للدكتوراه. والقصة جميلة وطريفة بالوقت ذاته لها مغزى إذ كيف ساعدت الحكومة -آنذاك- على التعجيل بدفع عملية التعليم للأمام، خاصة عندما يحتاج الوطن لكادر وظيفي مناسب. يحدثنا (النعيم) أنه كان مديراً عاماً لتعليم نجد، عندما قُرر إلغاء (المعاهد العلمية) -وهي معاهد دينية- في كل من الرياضوعنيزة ومكة. وكان مسموحا لمن يحمل الشهادة الابتدائية ومضى خمس سنوات بعد التخرج بدخول هذا الامتحان الذي شهادته تعادل الثانوية العامة. وأسقط في يده فليست معه الابتدائية، علم أن شخصية لها وزنها ستدخل ذلك الامتحان، وهو متأكد أن هذا الرجل لم يكمل الابتدائي، لذا قابل وكيل وزارة التعليم ووضح له الأمر ومن ثم كتب الوكيل رسالة خطية لمدير عام تعليم نجد الذي هو نفسه عبدالله العلي النعيم (آنذاك) بالسماح لعبدالله العلي النعيم بتأدية الامتحان واختبر في الأحساء بعيداً عن معارفه من أساتذة ومعلمين حتى لا يقال أعطي فرصة أكبر أو تمييزاً، نجح وكان الأول على المنتسبين والثالث على المنتظمين. وأرى ذلك طبيعياً فالتعليم كان شأنه طوال حياته وعرف كل ما يتعلق بالمعاهد العلمية إذ عمل في المعهد العلمي في عنيزة ثم انتقل ليكون وكيلاً لثانوية عنيزة. ليس ما كتبه كافياً ولكن إشارة فقط، هو سجل وتاريخ يستحق أن يضم للكتب والدراسات عن التعليم وسيّر المدن.. انتهيت، لكن السيرة لم تنته بعد. شكراً لمعالي النعيم الذي منحنا هذا السجل الجميل.