من المعروف أن التفاؤل دواء نفسي للصحة، ويضفي على صاحبها الإرادة القوية والعزيمة العالية، وحب التغيير في نواحي الحياة المختلفة. في حين أن التشاؤم لا يرى صاحبها في الحياة سوى ظلها، ويضفي طعماً مراً ولوناً باهتاً على الحياة، والمتشائم يركز على النتائج السلبية المحتملة كلما واجه موقفاً ما. وقد أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية أن التشاؤم يصيب الجسم بأمراض مختلفة تتمثل باختلال في إفرازات الغدد الموجودة في جسم الإنسان، حيث يعتل الجسم والعقل والتفكير ويؤدي إلى المرض والخوف ثم القلق، وديننا الحنيف يحثنا على التفاؤل الحسن «تفاءلوا بالخير تجدوه»، ومع ذلك انتشرت في الآونة الاخيرة مع المتغيرات الحياتية السريعة في المجتمع ظاهرة التشاؤم لدى البعض، وأصبحت النظرة السوداوية هي السائدة في قلوبهم وعقولهم. «الجزيرة» التقت متخصصين في العلوم الشرعية والاجتماعية ليتحدثا عن التشاؤم، وخطورة التركيز على المواقف والأحداث السيئة وتهويلها، وترسيخ آثارها السلبية في الذاكرة. التوكل على الله بداية يؤكد الدكتور مقبل بن مريشيد الحربي، الأستاذ بكلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية، أن التشاؤم لا يغير من قضاء الله وقدره شيئاً ولكنه يقدح في الإيمان بالقدر، والتشاؤم من الطِّيِرة التي نهى الشارع عنها ويجتمعان في توقع أمر غير مرغوب ولا محب للنفس، والغيب لا يعلمه إلا الله قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ النمل:65، والنفس البشرية لا تدري ما يخبأُ لها في يومها ولا في غدها إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ لقمان:34 . وإذا علمت أن رزقك لن يأخذه أحد غيرك ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فعلام التشاؤم الإحباط؟!، مشيراً إلى أن العلاج يكمن في التوكل على الله تعالى، وفي الحديث (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا) مع السعي في ما يزيل سبب التشاؤم من الأمور المشروعة كطلب الرزق فإن الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين، ويجب على صاحب النظرة السوداوية أن يحسن الظن بربه جلّ وعلا، وينظر كم من نِعم الله عليه التي لا يحصر لها عدداً ولا يحصي لها عدّا قد حرم منها غيره، وعليه أن يتحول إلى ما يجلب له الطمأنينة والسعادة ويتفاءل بدلاً من التشاؤم (وكان صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل ويكره الطيرة) رواه إبن ماجة في السنن بسند حسن من حديث أبي هريرة رفعه، وكذلك الدعاء كما في حديث عروة بن عامر رضي الله عنه مرفوعاً: (فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة الا بالله). رواه أبو داود. منهج الحياة ويذكر الدكتور عبدالعزيز بن حمود المشيقح أستاذ علم الاجتماع بجامعة القصيم، قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من قال هلك الناس فهو أهلكُهم)، ولذا ينبغي ألا ننظر لواقعنا بنظرة تشاؤمية فنحن بحمدالله في مجتمع خير وعلى خير ويبشر بالخير، وإن من أوجب الواجبات أن نحدث بهذه النعمة العظيمة ونغرسها لدى أجيالنا بأن الأمة بخير وعلى خير وتبشر بمستقبل خير خاصة أن عبادة الله والدار الآخرة هي القصد والهدف من هذه الحياة وأن الدنيا دار زوال وفناء، وفي نفس الوقت أمرنا ديننا الحنيف بعمارة الأرض حتى في لحظات قيام الساعة. مع تفويض الأمر لله والبعد عن التشاؤم وجعل التفاؤل منهج حياة، فالمسلم العاقل هو من يأخذ بأسباب الأمور ثم يترك نتائجها إلى الله تعالى الذي له الأمر من قبل ومن بعد. ومن هنا فقد ربى الإسلام أتباعه على التفاؤل والأمل والبعد عن التطير والتشاؤم, ولقد ذم القرآن الكريم هؤلاء المتطيرين بدعاوي الأنبياء فقال سبحانه: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} (19) سورة يس، كما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الطيرة، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لاَ طِيَرَةَ، وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ، قَالُوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ. أخرجه أحمد والبُخاري ومسلم،وقد نبذه الإسلام التشاؤم، وشدد عليه ,عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْداللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، وَمَامِنَّا إِلاَّ، وَلَكِنِ اللَّهُ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ. أخرجه أحمد والبُخاري، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبث في نفوس صحابته رضوان الله عليهم روح التفاؤل والجد والإقدام حتى في أحرج الظروف وأشدها وأقساها، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ، فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو لَنَا، فَقَالَ : قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ، مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ، لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ. أخرجه أحمد والبُخَارِي والنَّسائي، وفي حديث الأنصاري الذي لزم المسجد متطيراً من كثرة همومه وديونه، أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى استبدال الرسائل السلبية في حياته برسائل إيجابية، وأن عليه أن يترك اليأس والتشاؤم ويحسن التوكل على الله تعالى، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ : أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ « يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاَةِ ». قَالَ هُمُومٌ لَزِمَتْنِى وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: أَفَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلاَمًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ ». قَالَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ «قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ». قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي. أخرجه أبو داود (1555). كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إشاعة روح التشاؤم في المجتمع بسب الدهر أو الادعاء بأن الناس قد هلكوا وأن الخير قد انتهى من الناس، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ». أخرجه أحمد، وفي نهاية المطاف علينا أن نعلم أن التفاؤل والتشاؤم ينبعان من داخل النفس، فصاحب النفس الصحيحة ينظر إلى الحياة بمنظار مستقيم جليّ، فلا يرى فيها إلا كل جميل باعث على الأمل، وأما صاحب النفس السقيمة فإنه ينظر إلى الحياة بمنظار أسود كئيب، فلا يرى منها إلا كل سيء باعث على القنوط والتشاؤم واليأس.