لم تكن أختي الحبيبة فاطمة امرأة عادية، بل وأيم الله إنها لقصة حياة إنسانة تستحق أن تدرس وأن يتم البحث فيها والغوص في أسرارها. وقبل الخوض في بعض جوانب حياتها، أعزي نفسي وأهلي وكل من شارك بتعزية أو باتصال أو رسالة من داخل المملكة ومن خارجها في فقيدتنا الغالية التي انتقلت إلى دار الحق يوم الأحد الماضي الموافق 28 من ذي القعدة للعام الهجري 1441، بعد معاناة مع كورونا استمرت لحوالي عشرين يوماً، حيث كانت تقاومه بكل ما أوتيت من قوة وصلابة كما عرف عنها، ولكن لا راد لقضاء الله تعالى {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. ولنبدأ معاً قصتها التي بدأت عندما أصيبت بداء السكري في سن صغيرة جداً، عانت معه طوال حياتها من آلامه ومسبباته وطريقة العيش معه من خلال ضرب إبر الأنسولين في أنحاء متفرقة من جسمها، حتى غدت بعض أطراف جسمها مثل الحجر بسبب ذلك والله المستعان، كافحت في حياتها حتى تخرجت من الثانوية ولم تكمل دراستها الجامعية بسبب مضاعفات السكري الذي دخلت بسببه مرات عدة في أوضاع حرجة جداً كادت أن تنهي حياتها في سن مبكرة، ومع ذلك لم تيأس، بل واصلت دراستها على حسابها الخاص فحصلت على دبلوم الحاسب الآلي ودورات عدة في اللغة الإنجليزية والحاسب الآلي وغيرها، حصلت على كم كبير من شهادات الشكر والتقدير طيلة مسيرتها العملية، التحقت بتدريس طالبات محو الأمية لسنوات عديدة، ومن ثم كإدارية في مدارس حكومية عدة، شهد لها كل من عمل معها بتفانيها في عملها وإخلاصها العجيب لتؤدي عملها على أكمل وجه، مراقبة لله في كل ما تعمله. كانت -رحمها الله- صوامة قوامة تصوم الاثنين والخميس وأيام البيض وتحثنا على الاقتداء بذلك، متمسكة بحجابها ومحافظتها على الصلوات في أوقاتها، تتصدق وتنفق من أموالها على من عرفت ومن لم تعرف، تصل رحمها وتسأل عنهم وتحمل في أحيان كثيرة ما تجود به نفسها من خبز البيت الذي تعمله بنفسها أو تشتريه من الأسر المنتجة في أبها أو الفواكه الموسمية وغير ذلك، تهتم لأدق التفاصيل وتمد يد العون والنصح للجميع، حريصة جداً على تفقد أحوال أهلها وكانت ترى أن عليها المسؤولية الكبرى بعد وفاة والدنا -رحمه الله- فأمنت المنزل وركبت كاميرات المراقبة خارج المنزل زيادة في حرصها -رحمها الله. ترسل لي ولابني على الواتساب كل ما يصلها من نصائح أو دعوات أو ما تقوم بإنتاجه على بعض برامج المونتاج، تصبحنا كل جمعة بدعاء أو موعظة، وكثيراً ما كانت تدعي لي بوافر الصحة وقضاء الدين وزيادة الرزق. إذاً نحن يا سادة أمام امرأة لم أستطع في هذه العجالة من ذكر كل ما يتعلق بهذه الشخصية الفذة، وكما قال أخي الحبيب محمد، امرأة عن ألف رجل. رحمك الله يا فاطمة رحمة واسعة، ولا نزكيك على الله تعالى، لكني لا زلت مذهولاً من كم المكالمات والاتصالات والرسائل ممن نعرف وممن لا نعرف، وكأني أراك منعمة في قبرك في روضة من رياض الجنة، وليس ذلك بعزيز على الرحمن الرحيم مالك يوم الدين. ** **